يحكي الفيلم الأميركي “سيدتي الجميلة”، المنتج عام 1964، قصة رهان بين أستاذ جامعي وصديقه المقرب، حول أثر التعليم في تغيير مصير الإنسان، إذ يتحدى الصديق قدرة الأستاذ على التأثير في حياة شابة فقيرة، مستنكراً أن يؤدي تعليمها إلى تغيير قدراتها الشخصية وتغيير مستقبلها.

تمر أحداث الفيلم مروراً عابراً على الضغط النفسي الذي تمر به الشابة، والتي أدت دورها “أودري هيبورن” بعد أن تتعلم وتتغير نظرتها للحياة وتتعرف إلى الإمكانيات اللامحدودة التي كانت بعيدة المنال بالنسبة لها فتصبح معلقة بين رغبتها بالانتماء للعالم الجديد الباهر والمعقد، وبين عالمها القديم المحدود الذي لم يعد يرضيها. ومع أن نهاية القصة في نسخها الكثيرة على مستوى العالم والوطن العربي (مسرحية تحمل الاسم نفسه لفؤاد المهندس وشويكار، ومسرحية بنت الجبل مع انطون كرباج وسلوى قطريب)، تركز على قصة الحب التي تجمعها بالأستاذ، وتؤدي إلى حل المشاكل، إلا أن قصصاً كثيرة مشابهة في الواقع لا تحتوي على قصة حب، وتختلف نهاياتها مع اختلاف بطلاتها.

تغربت ملايين الأسر التي عانت بلادها من الحروب والاضطرابات في السنوات الأخيرة، تاركةً ماضيها ومجتمعاتها وانضمت إلى مجتمعات جديدة، وانخرطت تلك الأسر في المجتمعات الجديدة وتعلموا لغتها وتعرفوا إلى عادات وقوانين فيها الكثير من الاختلاف عما اعتادوه في بلادهم، منها ما أحبوه وأعجبوا به، مثل قوة القانون والعدالة الاجتماعية، ومنها ما أثار تحفظهم، مثل حرية العلاقة بين الجنسين، وعلاقة الأهل بالأبناء المبنية على درجة أكبر من الحرية والصراحة والاستقلال.

تحكي “نسور” (22 سنة) عن تجربتها فتقول: «أتيت إلى فرنسا مع أهلي منذ سبع سنوات، كنت أستغرب طريقة المزاح في المدرسة واختلاف ما هو مقبول بالنسبة لهم عما هو مقبول بالنسبة لنا في الحوار والتصرفات. لم يربكني هذا الأمر كثيراً، إذ عمدت مثلهم إلى الصراحة والوضوح فيما يناسبني وما لا يناسبني، وضحت حدودي واحترموها. رغم أنهم يسخرون مني أحياناً لإصراري على البحث عن اللحم الحلال ورفض الكحول، غير أنهم يحبون الطعام الذي أعده ويعجبون بالعصائر المتنوعة التي أبتكرها رغم خلوها من الكحول. تغيرت بالطبع ولم أعد أجد ما يجمعني بأصدقاء الطفولة عندما نتحدث في وسائل التواصل ولا أريد الارتباط دون حب ومعرفة جيدة، وفي الوقت نفسه، لا أتقبل العلاقات غير الجدية السائدة من حولي. لا أعرف إن كنت سأجد من يحبني ويتقبل شروطي».

تتوخى “رفاه” (16 سنة) الحذر في إظهار أفكارها وآراءها أمام أهلها في السويد. وتتوقع مشاكل كثيرة مع اقترابها من مرحلة الدراسة الجامعية، فهي ترغب بدراسة التمثيل والسينما وهذا مرفوض بالنسبة لأهلها. ورغم تشجيع الأصدقاء لها على المواجهة والصراحة، إلا أنها تفضل تؤجل الأمر وتقول: «إن الصراحة بالنسبة لأهلي وقاحة. أتمنى أن يتقبلوني كما أنا، ليس عليّ أن أصبح نسخة عنهم كي يحبوني. يقولون إنني أقلد أصدقائي وأتحدث مثلهم، فهل كنت سأتخلى عن رغبتي بالتمثيل إن لم نهاجر؟ وهل سيكون أصدقائي مثاليين؟».

أعجبت “شيرين” بمدرسة أولادها في كندا، ولفت انتباهها الاهتمام الكبير بشؤونهم النفسية، والأنشطة التي ساعدتهم على الاندماج والشفاء من آثار الحرب. وتكاد تطير من الفرح لرؤية ابنتها “صفاء” ذات السنوات السبع وقد شفيت من آثار الصدمة التي كانت قد أعاقتها عن الكلام لمدة تزيد عن السنتين. لكنها تتجنب التفكير في المستقبل، ولا تعرف إن كانت ستتقبل أن يكون لدى أولادها أصدقاء حميمين دون زواج قانوني. تقول “شيرين” «أدع كل شيء للزمن، انقلبت حياتنا بسبب الحرب، ثم انقلبت بسبب وباء، ولربما أصبح ما يشغل بالنا اليوم هو أبسط هموم المستقبل».

يقول المجربون،« إن المهاجر يحتاج إلى أكثر من أربع سنوات ليشعر ببعض الانتماء، ورغم أن التغيير والتكيف أمر صعب، إلا أن ظروف الحياة دائمة التغير حتى بالنسبة لمن بقي في بلده ومجتمعه».

يقرّ كثير من المهاجرين، بأنهم تحملوا الصعاب من أجل مستقبل أفضل لأطفالهم، ولربما كان الطريق إلى ذلك هو تعزيز حب الانتماء للبلدين، ليتسنى للجيل الجديد اختيار الأفضل من كليهما، أما الخوف من التغيير، فلن يؤدي إلا إلى العزلة والضياع بين مجتمعين.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.