يعتبر الكثيرون أن التقدم الأخير لقوات حكومة الوفاق الوطني، المُعترفة دولياً، على حساب قوات شرق ليبيا بقيادة حفتر؛ هي من نتاج الدعم التركي للأول. هذا التغيير في خارطة النفوذ بين الطرفين، جاء بعد الدعم الرسمي التركي لحكومة طرابلس من خلال الإمداد العسكري النوعي، وعبر نقل المرتزقة من مناطق احتلالها في سوريا إلى ليبيا.

هذا التدخل، عنوانٌ رئيس لشاشات الإعلام في الأيام الماضية ويتم استثمارها بغية الترويج لتشجيع البعض على التحالف مع تركيا في المنافسات الجيوسياسية في المنطقة.

ومع ميل واشنطن إلى القضايا الخاصة بها، تحاول روسيا سرقة الملف الليبي مع تركيا، وتعزيز صورة الدولتين المتنافستين والمتعاونتين في الوقت عينه في حل القضايا الإقليمية.

تحجيمٌ واضح للإمارات ومصر في ميزان التوازن العسكري، وعدم جدّية روسية في الرد على تقدم محور الغرب الليبي؛ رغم تسريبات أميركية عن وصول طائرات مقاتلة روسية لصالح قوات شرق ليبيا. وبالنهاية، هناك ميل أميركي على تعزيز بعادها عن ملفات البحر المتوسط.

هذا التحوّل في العملية العسكرية في ليبيا، يؤسس لمخاوف جديدة، وتوازنات جديدة، في عموم شمال سوريا بين الطرفين التركي والروسي. فكل قضمة لصالح تركيا في ليبيا؛ يعزز غرورها في سوريا. وبالتالي، يذيع الذعر لدى المراقبين حول بطشٍ تركي مُحتَمَل، وجديد قادم. وبالمثل روسياً.

هذا الربط بين الروس والأتراك لملفاتهم الإقليمية، هي عملية سرقة للأضواء على حساب اللاعبين الآخرين في عموم المنطقة. وهي بحدِّ ذاته، مؤشّر على تسخين قادم على جبهات الشمال السوري. وجاء خبر القصف الجوي الروسي خلال الأيام الماضية على المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المتشددة المعارضة القريبة من تركيا في إدلب؛ كجزءٍ من ذلك التسخين.

قضمات تركيا في ليبيا، يقابله توترات على خط الشمال السوري. خطر الاشتعال قد يحوم حول المناطق الجنوبية من محافظة إدلب، كونها المنطقة الأكثر استهدافاً من قبل النظام السوري وروسيا.

لكن، قد يكون لدى تركيا، مع تقدّم حليفتها في ليبيا، جعبة أكبر في بازاراتها السياسية مع الروس. والذي يزيد من الخوف من احتمال زيادة نوعية هذه المقايضات، هو احتمال أن يكون الروس يبحثون عن تعزيز تعاونهم مع تركيا على حساب علاقات تركيا مع الناتو.

كان الاستعراض الروسي كبيراً، ويمتد ضد منافسيه الدوليين من أرياف تل تمر إلى مضارب طرابلس. هذا النوع من الاستعراض قابله استعراضٌ تركي مماثل، وفيما يبدو بتنسيق غير رسمي مع الروس.

تحاول موسكو الاستحواذ على كل الملفات المتضادة في دول الصراع في الشرق الأوسط، وتقسيمها بينها وبين محورها من جهة، وبين تركيا وبعض التوابع الصغيرة لها من جهة ثانية.

لم يعد يقبل الروس أي دورٍ لآخرين في تلك التنافسات. شيءٌ من التلذذ بإبعاد الآخرين، وجلب خصم غير موازي لها، ومن فريق الناتو، إلى خانة التعارض والتعاون معها.

وإن كان الكثيرون يدركون أن هكذا نوع من السياسة أكبر من قدرة روسيا الاقتصادية والفعلية على الأرض. ظلت فرنسا تشكو، وبصورة رسمية، من مخاوفها بتفرد الروس والأتراك في الملف الليبي الذي شهد تنافس إيطالي فرنسي في بداياته.

هذه الشكوى هو جزءٌ من صورة الواقع لصراعات المنطقة التي تأسست قبل عقد من الزمن، وتتحجم مع الوقت لتكون بين يدي الروس والأتراك، أقله في كياني سوريا وليبيا.

المخاوف ليست على تنظيف الروس الطاولة للعب مع الأتراك فقط، وفرح الأتراك بذلك، الخوف هو  في أن تأتي اللعبة الجديدة بين الطرفين بحرائق في شمال سوريا حيث التوق التركي لكل شيء هناك.

الطواعية الواضحة لحكومة السراج التي تبحث عن داعم لها لحكومة أردوغان، هي طواعية مُريبة، على اعتبار أنها قد تسمح لها بقبول شروط روسية في المفاوضات مع حفتر مقابل شيء ما قد تطالب به تركيا في سوريا من روسيا.

هذه الطواعية السرّاجيّة للأتراك، تُشبه إلى حدٍّ كبير طواعية النظام السوري للروس. وهذا ما يزيد من القلاقل أكثر. شيء من الليونة التركية لصالح الاستعراض الروسي في ليبيا، يقابله تمرير جديد لمطلب تركي في سوريا قد يفيد العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية القادمة، ويعزز من علاقات حزب العدالة والتنمية مع حزب بخجلي القومي.

هذه المؤشرات، قد تكون في ميدان تل رفعت أو في أرياف منبج حيث الرغبة التركية القادمة. لكن، يظل هذا محض تكهّن قد يعيقه كثرة الملفات، وكثرة الغرور التي تعتري السلطات التركية التي تعاني من زيادة حدة التنافس السياسي في الداخل، والكره الغربي في الخارج، واحتمالية تدخل أطراف جديدة قد تُغيّر من اللعبة الرئيسة في ليبيا، حيث تشعر دولٌ إقليمية من زيادة التّغوّل التركي وحلفائها من جماعات الإسلام السياسي الراديكالية والتي تهدد مصالحها.

رغم أن الربط التام بين الملفين السوري والليبي، هو  ربطٌ غير تام وخاصة أنهما يشهدان تطورات مع الوقت، إلا أن الأكيد، هو أن انتصار حلفاء الأتراك هناك سيزيد من سخونة المشهد على مضارب إدلب وشمال حلب.

هذه السخونة التي قد تتحوّل إلى فرصةٍ جديدة لحزب العدالة والتنمية لإظهار قوته خارجياً، قد تتكلّل بانتصارات جديدة في شرق طرابلس، في حال لم تفتح روسيا الباب للأتراك من جديد في سوريا مع زيادة متاعب النظام السوري مع العقوبات، والأوضاع الداخلية السيئة جداً.

هذه الأوضاع الداخلية في سوريا قد تكون السبب في عدم دخول الروس في صفقات مشبوهة لصالح الأتراك في شمال سوريا من جديد، وقد يدفعها أكثر إلى تسوير «الانتصارات» التركية داخل الحدود الليبية المتشققة، وذلك لعدم زيادة حمولة الإنهاك على حليف روسيا السوري بعد كل الحمولات السابقة التي تراكمت عليه هذه الأيام.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.