في خريفِ عامِ 1997، في فندق كارلتون بدمشق، أُقيم حفل زفافٍ بسيط للرجلِ الذي سيصير أغنى رجلِ أعمال في #سوريا والذراع المالي لـ #بشار_الأسد.

#رامي_مخلوف، ابن خال بشار الأسد، كان هو العريس. وقد اختارت عائلة مخلوف فندقاً من فئة الأربع نجوم، حيث كانت تحب أن تظهر بمستوى أقل من تأثيرها وثروتها الحقيقيتين.

وفي منتصف حفلة  الزفاف، وصل الضيف الأكثر أهمية. فعندما دخل بشار الأسد القاعة، بدأ رامي وأخوه حافظ في البكاء، وتبعه الجميع. فقد تذكروا شقيقه باسل، الذي توفي قبل عامين في حادث سيارة. وكان حافظ الأسد في ذلك الوقت في سيارة في الخارج، يلتقط المشهد والعلاقة بين عائلتي مخلوف والأسد.

عندما بدأ والد بشار، #حافظ_الأسد، حكمه، أصبح آل مخلوف حلفاءه الرئيسيين. وتعمّق هذا التحالف مع وصول بشار إلى السلطة، وأصبح آل مخلوف راسخين بشكلٍ متزايد في مؤسسات الحكم، حتى باتوا ركيزته الاقتصادية.

وكانت عائلة الأسد هي الذراع السياسي لهذا الحكم، بينما كانت عائلة مخلوف هي ذراعه الاقتصادي والمالي. وانتهى الأمر بالعائلتين كما وصفه رامي مخلوف في فيديوهاته الأخيرة على الفيسبوك: ليل ونهار النظام، الإيجابي والسلبي، الرجل والمرأة.

حافظ الأسد ومحمد مخلوف

وصل حافظ الأسد إلى السلطة في انقلاب تشرين الثاني 1970. حيث عُيّن أحمد الخطيب رئيساً لبضعة أشهر حتى إجراء الانتخابات في شهر آذار 1971، ما أعطى الأسد غطاءً من الشرعية.

وكان الأسد يعرف جيداً أنه لكي يكون حكمه مستداماً، فهو بحاجة إلى المال. وكان حذراً بشكل خاص من النخبة الرأسمالية في دمشق وحلب، والتي كانت تسيطر على ثروة البلاد.

ففي بيئةٍ شيوعية واشتراكية ماركسية، كان من الصعب على الأسد الشاب  أن يجمع الثروة باسمه. بالإضافة إلى ذلك، بصفته رئيساً للدولة، قد يؤدي فتح حساب باسمه في الخارج إلى التدقيق من الصحافة وبالتالي إلى الفضيحة.

وكان بحاجةٍ إلى شريك، ووجده في شقيق زوجته محمد مخلوف، الحليف المثالي لمشروعه السياسي. فقد كانت تربطهم صداقة قوية، وكانوا يلتقون بشكل شبه يومي ليلعبوا لعبة الطاولة.

في عام 1972، عيّن حافظ الأسد “محمد مخلوف” مديراً للمؤسسة العامة للتبغ، التي كان لها الحق الحصري في شراء التبغ من المزارعين السوريين وبيعه بعد ذلك من خلال شركة مقرها قبرص، يملكها مخلوف، لمصنّعي التبغ في جميع أنحاء العالم.

وأصبحت المؤسسة بقرةً حلوب لمحمد مخلوف. وعندما أصبحت المؤسسة العامة للتبغ المستورد الوحيد للسجائر، بدأ مخلوف بأخذ عمولةٍ للسماح ببيع العلامات التجارية الأجنبية في السوق المحلية.

وفي وقتٍ لاحق، عندما هُرّبت ماركات السجائر الأجنبية إلى السوق السورية عبر لبنان، حصل كذلك على نصيب الأسد من العمليات غير القانونية. وهكذا بدأ في تكديس الثروة.

وبعد أن ترك المؤسسة المذكورة، سُجن خليفته “محمد كفاء” بعد أسبوعين من توليه منصبه، لأن زوجته تحدثت عن فساد مخلوف. وبدأ بعدها محمد مخلوف بإضفاء الطابع المؤسسي على الفساد في سوريا.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، شهدت سوريا طفرة في البناء. ففي عام 1985، أصبح محمد مخلوف مديراً للمصرف العقاري، الذي كانت مهمته تقديم قروض لمشاريع البناء.

وكان على جميع الجمعيات السكنية المرور به للحصول على قروض. وكان مخلوف يُعرَف آنذاك باسم “السيد 10 بالمائة “، حيث لم يكن يوافق على قرض ما لم يحصل على عمولة بنسبة 10 بالمائة. واحتفظ بهذا المنصب حتى 2004.

وعندما بدأت سوريا بتصدير النفط في منتصف الثمانينيات، ظهرت فرص تجارية جديدة أخرى أمام مخلوف، ولكن بدون أي منافسين مثل رفعت الأسد، شقيق حافظ، الذي كان قد نُفي إلى فرنسا في ذلك الوقت.

إحدى هذه الفرص كانت من خلال شركة LEAD Contracting & Trading لخدمات حقول النفط. حيث أصبحت هذه الشركة  للمقاولات والتجارة، المملوكة لغسان مهنا، صهر محمد مخلوف ويديرها شريكه وقريبه نزار الأسعد، المزود الوحيد لخدمات حقول النفط لشركة الفرات للبترول.

وهو مشروع مشترك بين #الحكومة_السورية وشركات النفط الدولية. وكانت صادرات النفط السورية فرصة أخرى. فقد بيعت من قبل وزارة النفط، من خلال مجلس تسويق النفط في مكتب رئيس الوزراء، حصرياً لسبع شركات تم تأسيسها في قبرص واليونان لديها اتفاق على منح محمد مخلوف تخفيض بنسبة 7 في المائة. حيث حققت صناعة النفط قفزة نوعية لثروة مخلوف. وكانت الأموال من مبيعات النفط تأتي بالقطع الأجنبي وبكميات كبيرة.

وكان محمد مخلوف يبني الأساس لابنه رامي لتولي واستمرار إرث الأسرة. فقد تخرّج “رامي” من جامعة دمشق عام 1993 بدرجة بكالوريوس في الهندسة المدنية. وكان معروفاً أنه شخص هادئ للغاية، حيث تربّى من قبل والده مع عقلية أنهم جزء لا يتجزأ من حكم سوريا.

وقد سافر آل مخلوف بجوازات سفر دبلوماسية وتم استضافتهم في صالات كبار الشخصيات المخصصة لرؤساء الدول. وفي المطارات، كانوا يتجاوزون التفتيش الأمني.

وكان تُرسل السيارات من القصر الجمهوري لاصطحابهم من الطائرة، مع توفير حراس الأمن ولوحات السيارات والسيارات الخاصة بالقصر. لقد عوملوا مثل الأسد تماماً، حيث بعثت عروض القوة هذه برسالة إلى الجمهور السوري: آل مخلوف هم شركاء مع الأسد. لقد رأوا أنفسهم على هذا النحو، وأنه لم يكن الحكم للأسد فقط، بل حكمهم كذلك.

رامي مخلوف وبشار الأسد

عام 1994، توفي #باسل_الأسد في حادث سيارة، وتركّز كل الاهتمام على بشار. وأصبح رامي قريباً جداً من بشار، حيث طور علاقة مختلفة عن علاقته مع باسل، الذي كان يحافظ دائماً على مسافة من أولئك الذين في محيطه.

حتى أن رامي بدأ يقلد بشار في سلوكه وتعابيره ووضعياته. كما بدأ رامي بتوسيع تعاملاته التجارية. ففي عام 1999، أسس شركة سيريتل، بالتعاون مع الملياردير المصري نجيب ساويرس، وبدأ العمل في العام التالي.

وكان ذلك جزءاً من خطة بشار المزعومة لانفتاح سوريا اقتصادياً. كما أنها كانت أول محاولة لرامي لعقد صفقات تجارية دولية. فأسس منطقة تجارة حرة لاستيراد المنتجات وبيعها داخل سوريا – المنطقة التجارية الحرة الوحيدة في العالم لبيع السلع داخل البلد – مما سمح له ببيع المنتجات دون دفع أي رسوم جمركية. وأصبح لديه كذلك العديد من الشركات في مجال العقارات والمعادن والتأمين والقطاعات الأخرى.

في عام 2004، تقاعد محمد مخلوف من منصبه في المصرف العقاري، بعد أن جمع ثروة هائلة. وبدأ يبحث عن المكانة، وأراد أن يضع نفسه في عداد المفكرين وكبار الاقتصاديين في سوريا.

حيث شرع بتطوير العلاقات الدولية لحكم الأسد، وبناء العلاقات مع رجال الأعمال اللبنانيين والمسؤولين الغربيين الفاسدين، والأعمال التجارية المشبوهة في أوروبا والولايات المتحدة.

وعندما كان السناتور #جون_كيري يزور دمشق في شهر كانون الثاني من العام 2005، التقى به كمستشار سياسي، بالإضافة إلى الدردري، رئيس هيئة تخطيط الدولة، وسمير التقي، رئيس مركز بحوث الشرق، ونوار الشرع، ابنة وزير الخارجية آنذاك فاروق الشرع.

وتضمن خط سير السناتور دعوة عشاء في منزل مخلوف في حي المالكي. وقد تأثر محمد مخلوف بجميل الأسد، شقيق حافظ، حيث كان جميل رئيساً للجنة الأمن القومي بالبرلمان لفترة طويلة. وأراد محمد مخلوف وظيفة مماثلة، وعندما التقى كيري، أُعجب بلقبه.

لكن كلمة “سيناتور” تبدو كبيرة جداً. ففي سوريا، يمكن للمرء أن يصبح عضواً في البرلمان، المعروف باسم مجلس الشعب. لكن مخلوف أراد شيئاً مرموقاً لنفسه، لذلك أراد أن يخلق شيئاً في سوريا يمنحه نفس المكانة التي كان يمتلكها السناتور كيري في الولايات المتحدة.

هكذا كان ينظر مخلوف إلى “الدولة” كمنظمة يمكنهم تشكيلها لتناسب أهواءهم. واتصل محمد مخلوف بالأمين العام المساعد لحزب البعث وطلب منه تشكيل لجنة من كبار الخبراء القانونيين لإنشاء مجلس الشيوخ على غرار الولايات المتحدة، التي سيرأسها بعد ذلك.

وعُيّن أربعة من كبار الخبراء القانونيين السوريين في العمل: هيثم سطايحي وسام دلة وإدوارد خولي وعمران الزعبي. لكن وخلال المناقشات في مؤتمر البعث في شهر حزيران من العام ذاته، رفض بشار الفكرة، مشيراً إلى مخلوف أن مكانهم هو في المجال الاقتصادي، ولم يكن لديهم دور سياسي في سوريا.

شام القابضة

في عام 2006، ولزيادة قبضته على الاقتصاد، أسس رامي مخلوف شركة #شام_القابضة. وجمع كبار رجال الأعمال السوريين الـ 71 تحت جناحه برأس مال إجمالي قدره 350 مليون دولار.

كما شرع في تعزيز السيطرة على القطاع الخاص، الذي يشكل حوالي ثلثي الاقتصاد السوري. وهنا بدأ التنافس بين رامي وزوجة بشار أسماء، التي كانت تعمل مصرفية وعملت لمدة قصيرة في “جيه بي مورجان” في لندن.

ففي نفس الوقت تقريباً الذي أنشأ فيه رامي شركة شام القابضة، أنشأت أسماء شركة #سوريا_القابضة. لكن مشروعها الطموح لبناء الأبراج في سوريا وجمع الملايين لها ولأسرتها لم يتحقق أبداً.

بادئ ذي بدء، تمكن رامي، الذي استفاد من سمعة والده، من جذب كبار رجال الأعمال في سوريا. وهو أمر لم تستطع أسماء فعله بصلاتها المحدودة. فقد كانت قادرة فقط على جمع 23 من رجال الأعمال من الطبقة المتوسطة، معظمهم من السنّة، حول شركة سوريا القابضة.

كما حصل رامي على دعم ابن عمته، حيث كان بشار يبعث برسالة ضمنية إلى مجتمع الأعمال في سوريا: أي شخص يريد العمل على نطاق واسع في سوريا يحتاج إلى المشاركة في شام القابضة.

بالإضافة إلى ذلك، تم كبح طموحات أسماء من قبل والدة بشار، #أنيسة_مخلوف، التي احتفظت بلقب السيدة الأولى لنفسها، وشقيقته بشرى. وفي عام 2012، بعد اغتيال زوجها #آصف_شوكت، انتقلت بشرى إلى دبي مع والدتها.

وكان شوكت يخطط، مع ستة ضباط آخرين، للقيام بانقلاب والتوصل إلى حل وسط مع المعارضة لتجنيب البلاد صراعاً دموياً. ونتيجة لذلك، وبعد بداية الأزمة، بات لدى أسماء مساحة أكبر للمناورة بمجرد خروج أهل زوجها من المشهد.

ذروة قوة رامي مخلوف

عندما بدأت الاحتجاجات في عام 2011، أجرى الراحل أنتوني شديد، من صحيفة نيويورك تايمز، مقابلة مع رامي مخلوف. وفي محاولة يائسة لكسب التعاطف العام من الأميركيين، أكد رامي حينها على أهمية أمن إسرائيل في مقابلة كانت غريبة نوعاً ما، قائلاً إنها «جزء لا يتجزأ من أمن سوريا».

وقد جذبت المقابلة اسمه وارتباطه الوثيق بالنظام الاهتمام الدولي. وفي البداية، لم تكن الاحتجاجات تهدف إلى الإطاحة بالنظام أو بشار، وكانت دعوات ضد الفساد.

وكبادرة حسن نية لحكم الأسد، تنازل رامي عن جميع أسهمه في سيريتل لصالح #شركة_راماك للتنمية والمشاريع الإنسانية، وهي مؤسسة خيرية قدمت المساعدة لعائلات المقاتلين الذين سقطوا فيما بعد في المعارك ضد المعارضة المسلحة.

ووظف رامي أبناء العائلات العلوية في شركاته التجارية أو في المليشيات التي يموّلها. وفي المناطق ذات الأغلبية العلوية، بدأ يشار إليه باسم “الأستاذ”، كعلامة احترام.

وبات لديه عدد كبير من الأتباع والمريدين بين عامة العلويين الفقراء والطبقة المتوسطة. ومع الشعبية تأتي السلطة، حيث شهدت الفترة بين الأعوام 2011 و 2013 ذروة قوة رامي مخلوف. وهي قوة بدأت تثير غضب #أسماء_الأسد، التي كانت قد بدأت للتو في التنفس بحرية بعد مغادرة والدة بشار وشقيقته سوريا.

ونما نفوذ “الأستاذ” رامي، الذي موّل النظام وميليشياته. وموّل شخصياً مليشيات “نسور الزوبعة” و”الكوميت”، التي كانت مسؤولة عن حماية مدن مختلفة وحقول النفط في البلاد، على التوالي.

كما موّل المؤسسات الخيرية ودفع رشاوى، حيث كان الضباط الروس الأوائل الذين وصلوا إلى سوريا على جدول رواتبه. وأرادهم أن يرسلوا تقارير إيجابية عن بشار إلى فلاديمير بوتين.

وقد أرسل بوتين فريقاً للتحقيق عندما شم رائحة الفساد. وقام فيما بعد بتغيير الفريق بأكمله في سوريا، وتم تغيير القائد الروسي مرتين. وكان والد رامي قد غادر بالفعل إلى روسيا في بداية الصراع في عام 2011. وكانت روسيا الدولة الوحيدة الراغبة في مساعدة وبيع الأسلحة لبشار الأسد القاتل.

صعود أسماء الأسد

كان هناك أيضاً اضطراب في زواج بشار الأسد. ففي شهر آذار 2012، نشرت CNN رسائل بريد إلكتروني “غزلية” تلقاها بشار من عدد من النساء. ولمدة عام ونصف، كانت علاقة أسماء متوترة مع زوجها.

ثم توسط والدها في “صلحة” أو بالأحرى “صفقة” بينها وبين زوجها: ستضطلع أسماء بدور أكبر وتبني إمبراطورية تجارية مع عائلتها، وتبدأ في تولي دور السيدة الأولى.

وكان هذا بمثابة بداية صعودها إلى السلطة وزيادة نفوذها. فبدأت تظهر بشكل شبه يومي على شاشة التلفزيون. ولعب والدها، وهو شخصية رئيسية في العلاقات البريطانية السورية، دور دعاية لحكم الأسد، حيث نظم زيارة رئيس أساقفة كانتربري لسوريا. كما أزالت وفاة والدة بشار شباط 2016 عقبة مهمة أمام أسماء، ولم يبق في طريقها سوى “الأستاذ” رامي.

على الرغم من اشتهار رامي مخلوف بكونه هادئاً ويعيش حياة بسيطة نسبياً مع القليل من الإفراط، كان ولديه علي ومحمد مختلفين تماماً. وقد انتقلوا إلى دبي، حيث عاشوا أسلوب حياة فخم وباذخ.

وسرعان ما ظهرت صور حفلاتهم الفخمة وطائراتهم الخاصة في كل مكان على مواقع التواصل الاجتماعي. كل هذا أثّر بشكلٍ سيء على صورة رامي كرجل أعمال رصين ملتزم بالحكم. وتم حذف الصور لاحقاً، ولكن كان الضرر قد أُلحق بـ رامي، وتمكنت أسماء من استخدام سلوك أبناءه ضده.

في بداية 2019، طلبت روسيا من بشار مبلغ 3 مليارات دولار لقاء ثمن ذخيرة وأنظمة الدفاع الصاروخي S-300. وكان بشار يستعد لهجومه على إدلب وكان بحاجة إلى تمويل، فتوجه إلى ابن خاله.

لكن رامي، الذي عادة ما يدفع الأموال دون طرح أسئلة متعهداً بالولاء الأعمى لبشار، عاد إليه بمقترح غريب. حيث اقترح تقاسم المبلغ من قبل مختلف أمراء الحرب الذين يقاتلون إلى جانب بشار، الأمر الذي أشعل فتيل الأزمة داخل العائلة. كما أعطى أسماء كذلك فرصة لإثبات دعواها.

ففي البداية، أوضحت أسماء لزوجها أن كل الثروة في أيدي رامي. وهل يمكن لبشار أن يضمن أن أبناء رامي سيكونون مخلصين لأبنائها؟ هل سيردون على الهاتف إذا اتصل أبناء بشار لطلب المال؟ هل سيحافظون على ميثاق الأسد – مخلوف الذي أقامه حافظ ومحمد؟ كما أنها اعترضت على دور رامي، الذي في رأيها، هو مجرد وسيط.

لكن هي لديها الخبرة والدراية، كمصرفية سابقة، ويمكنها إدارة الشؤون المالية لعائلة الأسد. كما يمكنها إبرام الصفقات والعثور على شركاء وتمويل المؤتمرات ورشوة الناس.

باختصار: يمكنها أن تلعب دور رامي، ولم تعد هناك حاجة له. كذلك كانت بشرى، أخت زوجها، تضغط على بشار من أجل نصيبها من ميراث والدهما. واقترحت أسماء التحقق من سجلات شركة سيريتل ومقارنتها مع سجلات شركة MTN، مشغل الهاتف المحمول الآخر، المملوكة جزئياً  من قبل أصدقاء أسماء، يسار ونسرين إبراهيم.

ووجدوا أن نفقات سيريتل كانت ضعف تلك الخاصة بمنافستها. ومع ذلك، كما أوضح رامي في مقاطع الفيديو الخاصة به على الفيسبوك، فإن نفقات سيريتل مضاعفة لأنها تدعم “النظام”. وهي تمول عملياته، بينما لا تقوم شركة MTN بذلك.

انعدام الثقة

بالرغم من كل ما قدّمه رامي من حجج، انعدمت الثقة به. وفي مافيا هذه العائلة، فإن انعدام الثقة هو النهاية. وأصبح بشار يرتاب من ابن خاله القوي، فذهب في حملة نبذه والاستيلاء على ممتلكاته. وأمرت سيريتل بدفع غرامة كبيرة بحجة التهرب الضريبي.

وأصدرت بورصة دمشق الشهر الماضي قراراً بتجميد أسهم رامي في 12 مصرفاً سورياً. ومع ذلك، لم يكن رامي صامتاً دائماً في وجه جهود أسماء. ففي عام 2019، بعد أيام قليلة من تجميد أصول شركة Abaar Petroleumالمسجلة في بيروت، تم اختطاف قريب أسماء في بيروت. وكان ينظر إلى هذه العملية على نطاق واسع على أنها تحذير لـ أسماء بعدم الذهاب بعيداً.

وتوقّفت أنشطة جمعية راماك الخيرية وسُجِن مدير #جمعية_البستان الخيرية. كما تم إيقاف جميع أنشطة رامي مع المجتمع العلوي. حتى أنه تم حل الحزب القومي السوري الاجتماعي الموالي لـ مخلوف.

وكانت علاقة رامي بـ بشار علاقة دم وليس أيديولوجية. وينتمي رامي مع والده وبقية أفراد عائلته إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وليس إلى #حزب_البعث الحاكم.

فأيديولوجية رامي هي مزيج غريب: لديه خلفية علمانية من الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكنه كان كذلك من أتباع العالم الشيعي عبد الحميد المهاجر في عام 1999.

لم يكن هدف بشار فقط شركة سيريتل، بل كان يمتد إلى الاستثمارات خارج سوريا. فالنظام ينزف، بعد أن استنفدت العقوبات المريرة أمواله. وكان على بشار أن يعيد ملئ خزائنه بالقطع الأجنبي.

لكن رامي كان قد تعرض للعقوبات بالفعل. ففي عام 2011، حصل على الجنسية القبرصية، ولكن تم سحبها في عام 2012 عندما أدرجه الاتحاد الأوروبي في القائمة السوداء.

ولم تكن أصوله “سائلة” كما أرادها بشار. كما شعر رامي بالإهانة من رأي أسماء به كوسيط، بينما رأى نفسه على أنه الذراع الاقتصادي للنظام والذي نفذ جميع العمليات التي لم يرغب النظام في التعامل معها بشكل مباشر.

وفي أحد مقاطع الفيديو المنشورة على الفيسبوك، أشار رامي إلى أسماء باستخدام العديد من التعبيرات والشفرات العلوية بقوله: “المحيطين” بـ بشار.

فمنذ عام 2018، كانت أسماء تمنح الامتيازات لبطانتها. وقد منحت ابن عمها، مهند الدباغ، عقد البطاقات الذكية التي توزع الحكومة من خلالها المساعدات للمحتاجين. كما منحت صديقيها يسار ونسرين إبراهيم الحق في الدخول في العديد من الشركات، أهمها شركة MTN.

ويتكهّن العديد من المحللين حول علاقات رامي مع إيران وروسيا. ومن الإنصاف القول أنه على مسافة متساوية من كليهما. فقبل عام 2015، لم يكن هناك وجود روسي كبير في سوريا، لذلك استخدم رامي الإيرانيين لتدريب ميليشياته.

كما كان لديه بعض التعاملات التجارية معهم، وكانت هناك خطط لمنح رخصة اتصالات ثالثة لشركة إيرانية، لكنها لم تتحقق. وبعد عام 2015، عزز رامي العلاقات مع الروس، بينما كان يرشيهم نيابة عن بشار. ومع ذلك، فإن روسيا تستخدمه الآن لإضعاف بشار، الذي أثبت أنه حليف عنيد ومكلف ومنفصل عن الواقع.

ومن الآن فصاعداً، سيستمر بشار في الضغط على رامي للسيطرة على جميع أصوله، خاصة تلك الموجودة في الخارج، على الرغم من أن هذه ستكون مهمة صعبة نظراً لانتشارها في العديد من البلدان وإخفائها تحت أسماءٍ متنوعة.

وبمجرد أن يؤمّن بشار كل ما يستطيع، سيتدخل أفراد الأسرة و”النخب العلوية المحترمة” للتوسط في صفقة مصالحة. ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى تسوية سرية نهائية تترك شيئاً لرامي، ولكنها ستكلفه مغادرة البلاد.

وبغض النظر عن كيفية تقسيم الأصول، إلا أنها ستكون عملية خاسرة. لقد فقد النظام ذراعه المالي ولاعب رئيسي ساعد بشار في الداخل والخارج. وبغض النظر عمن سيحل محل رامي مخلوف، فسوف يستغرق الأمر وقتاً وطاقة وخبرة كبيرة لإعادة بناء شبكته.

 

المصدر: (Middle East Institute)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.