انتشرت الحركات المؤيدة للنسوية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ولكن بداياتها تعود إلى القرن الخامس عشر، حين دافعت الشاعرة “كريستين دو بيزان” التي عاشت بين عام 1363 وعام 1430 ما بين أيطاليا وأوروبا عن حقوق المرأة في مؤلفاتها وتحدت الكثير من الأدباء المشهورين بعدائهن للمرأة والانتقاص من قيمتها في ذلك الوقت ونالت شهرة واسعة.

لم تكن “دو بيزان” الوحيدة وربما ليست الأولى فالنساء تدافع منذ قرون عن حقوقهن الإنسانية من حق الأجور المتساوية مع الرجال إلى حق اختيار المهن والأنشطة، وحق الوراثة وحق الانتخاب وحق إعطاء الجنسية لأولادهن وتجريم الاغتصاب والتحرش والاتجار بهن وتشييئهن (تحويلهن إلى سلعة) وغيرها من الحقوق.

تختلف الحركات أو الموجات النسوية عن بعضها قليلاً أو كثيراً في الشعارات وبعض التفاصيل بحسب مكان وزمان ظهورها ولكنها بشكل عام حركة اجتماعية وسياسية وأخلاقية متعلقة بقضايا المرأة وهدفها الأساسي هو القضاء على كافة أشكال التمييز والانتقاص من المرأة.

أثارت الحركات النسوية في بداياتها القلق في معظم البلاد خصوصاً الموجة المتطرفة منها واعتُبِرت بعض شعاراتها عدائية، غير أن مجموعات كبيرة من العاملين في مجال الحقوق سعوا إلى توضيح الصورة وغيرهم من المهتمين مثل الممثلة البريطانية الشابة “ايما واتسون” التي قادت حملة في العام 2014 لتوضيح مفهوم النسوية وأنه مساواة بين الجنسين على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وليس حركة معادية للرجال، ولأنها تهدف إلى العدالة للجميع فهناك الكثير من الرجال مناصرين للحركات النسوية على مر العصور.

كتب “هنريك ابسن” الكاتب النرويجي في عام 1879 مسرحية “بيت الدمية” والتي نقد فيها النظرة الدونية للمرأة، فقد اشتهر في مؤلفاته بكشف زيف المجتمع رافضاً الظلم بكل أشكاله ومنها ظلم المجتمع للمرأة.

فحملت شخصية “نورا” بطلة مسرحيته “بيت الدمية” موقفاً صادماً للمجتمع في ذلك الوقت حين قررت ترك زوجها ورفض الاستمرار تحت رحمة التقييمات والصور النمطية التي تعتبر المرأة دمية لا هدف لها سوى أن تكون مطيعة ومطابقة لتوقعات الأب ثم الزوج واعتبارها غير قادرة على التصرف ولا تقييم المواقف بنفسها وأنها مستعدة للتخلي عن كل شيء في سبيل البقاء تحت ظل رجل، فرحلت رغم توسلاته وكان آخر صوت في المسرحية هو صوت إغلاقها للباب.

صدمت نهاية المسرحية المجتمع الأوروبي في ذلك الوقت لدرجة أن ناشرها الألماني غيّر النهاية إلى عودة “نورا” إلى بيتها مما اعتبره الكاتب “ابسن” عاراً أثار غضبه ورفضه.

بقيت النهاية الأصلية للمسرحية الأكثر انتشاراً وقد عدّ النقاد أن صوت إغلاق “نورا” للباب في خاتمة المسرحية هو أعلى صوت في المسرحية كلها، في إشارة إلى أنها برحيلها أغلقت الباب على حياتها السابقة التي لم تعد تناسبها، حياة الدمية.

وفي عام 2001 أدرجت منظمة اليونسكو مسرحية “بيت الدمية” في سجل ذاكرة العالم (التراث الوثائقي البشري) كما كانت أكثر المسرحيات تأديةّ في عام 2006.

يذكر “يوفال نوح هراري” في كتابه “العاقل، تاريخ البشرمختصر للجنس البشري” المنشور عام 2011 أن بداية اضطهاد المرأة ظهر مع عصر الزراعة واستملاك الأراضي بينما لم تكن ظاهرة الانتقاص موجودة قبل ذلك وأن وجود توزيع طبيعي للأدوار لم يكن يعطي تفوقاً لأحد الجنسين على الآخر، ويقول آخرون إن سبب اضطهاد المرأة هو النظام الاقتصادي والحروب وغير ذلك.

مهما كانت الأسباب فقد أثبت الماضي تألق زعيمات مثل “كليوباترا” و”زنوبيا” و”بلقيس” وغيرهن، أما إنجازات الزعيمات الرائدات في الزمن الحاضر مثل المستشارة الألمانية “ميركل” و”تساي انغ وين” رئيسة تايون و”أردن” رئيسة وزراء نيوزيلندا و”سولبيرغ” رئيسة وزراء النروج و”مارين” زعيمة فنلندا وغيرهن، أنه من العار أن تكون المرأة مازالت في كثير من الأوساط تعيش موقفاً دفاعياً عن حقوقها ومازال هناك من  يعاملها بدونية في القرن الواحد والعشرين بعد مرور قرون على إغلاق باب “بيت الدمية”.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.