يعتبر محصول #القمح من المحاصيل الاستراتيجية في #سوريا، التي تأثرت بطبيعة الحال بفعل الحرب الدائرة على مدار السنوات الماضية، فبعد أن كان إنتاج سوريا في 2011 يتجاوز 4.5 مليون طن، انخفض إلى أقل من مليون طن في 2018.

وعاد موسم العام الحالي ليتحسن بشكل أكبر، حيث تشير التوقعات أن تنتج سوريا أكثر من مليوني طن من القمح لهذا العام 2020.

وأمام هذا التحسن في حصاد محصول القمح، بدأت القوى المسيطرة داخل سوريا في التنافس على شراء المحصول من #الفلاحين، حيث يسعى كل طرف، الحكومة السورية، والإدارة الذاتية، والحكومة السورية المؤقتة في جر أكبر كمية من إنتاج هذا #الموسم، مع ما تبقى من إنتاج الموسم الفائت.

وهدف تلك الأطراف تحقيق اكتفاء ذاتي في إنتاج رغيف الخبز، على وقع موجة ارتفاع الأسعار غير المسبوق التي تشهده مختلف المناطق السورية، وتطبيق قانون “ٌ#قيصر”.

تنافس محموم على شراء المحصول

في منتصف آذار الماضي، حددت الحكومة السورية سعر شراء كيلو القمح الواحد من الفلاحين بـ225 ليرة، ووصف مدير الإنتاج الزراعي “عبد المعين قضماني” حينها السعر بأنه مشجع، ويحقق ربحاً للفلاح بنحو 45%.

وفي نفس تلك الفترة، حددت (هيئة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية) شمال شرقي سوريا، سعر شراء محصول القمح للموسم الزراعي لعام 2020 بـ 225 ليرة سورية للكيلو الواحد، وهو ذات السعر الذي حددته (الحكومة السورية).

ومع بدء موسم حصاد القمح نهاية الشهر الماضي، رفعت الإدارة الذاتية سعر الشراء بمقدار 90 ليرة، حيث أصبح 315 ليرة، وسرعان ما أصدرت الحكومة السورية قراراً مماثلاً بزيادة 175 ليرة، وقالت وكالة سانا للأنباء حينها إن: «الحكومة السورية ستقوم بشراء كل حصول القمح من المزارعين في مختلف المحافظات بسعر 400 ليرة للكيلو الواحد».

وأمام هذه المضاربة في شراء محصول القمح، أصدرت وزارة #الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة في 3 حزيران الجاري قراراً يحدد فيه سعر شراء الطن الواحد للقمح القاسي بـ220 دولاراً، و210 دولارات للقمح الطري أي ما يعادل 420 ليرة للكيلو الواحد، بسعر صرف 1915 ليرة للدولار الواحد، ليكون بذلك السعر الأعلى في سوريا.

ولم تتوقف عملية التنافس على شراء محصول القمح هنا، إذ أعلنت الإدارة الذاتية في #الرقة قبل أيام عزمها شراء محصول القمح بتسعيرة جديدة تعادل سعر صرف الدولار، على وقع الانهيار الكبير التي شهدته الليرة السورية، حيث سيتم تسعير كيلو القمح لاحقاً بعد توريد المزارعين للمحصول إلى مراكز الحبوب التابعة لها.

ولم يمض يوم واحد، حتى أصدرت الإدارة الذاتية قراراً جديداً بمنع تصدير أو إخراج محصول القمح للموسم الحالي من مناطقها، أو توريدها إلى المراكز التابعة للحكومة السورية، في مدينة #القامشلي.

الحرائق تلحق الضرر بآلاف الهكتارات المزروعة بالقمح والشعير

لم يكن التنافس على شراء موسم القمح بين الأطراف السورية، وانهيار الليرة السورية الهاجس الأكبر للمزارعين في مختلف الأراضي السورية، بل كانت الحرائق المتعددة هي التحدي الأكبر لهم مع بدء موسم الحصاد، حيث أكد عدد من المزارعين في شمال شرق سوريا أن هذه الحرائق مفتعلة، وغياب الجهود الفعالة لإطفائها.

وقال مصدر محلي في مجلس مدينة “تل أبيض” التابع للحكومة المؤقتة لموقع (الحل نت) إن «قوات سوريا الديمقراطية تقف خلف الحرائق في مناطق تبع السلام، خصوصاً عند مناطق خط التماس بين سيطرة الفصائل الموالية لتركيا ومناطق الإدارة الذاتية».

ورداً على هذه الاتهامات، قال الرئيس المشترك لـ “هيئة الزراعة والاقتصاد” في الإدارة الذاتية (سليمان بارودو)، إن «فصائل المعارضة المسيطرة على مدينتي تل أبيض ورأس العين تتحمل مسؤولية الحرائق نتيجة منعها وصول سيارات الإطفاء لمناطق الحريق».

في حين ذكرت وكالة (سانا) التابعة للسلطات السورية، في تقرير أصدرته في 17 أيار الماضي أن «طائرات أمريكية أقدمت على إحراق 200 دونم من حقول القمح، عبر رميها عدد من البالونات الحرارية فوق الأراضي الزراعية بمدينة الشدادي جنوب محافظة الحسكة».

وأشارت الوكالة إلى أن «الحرائق التي شهدتها محافظة الحسكة خلال الموسم الحالي، أدت إلى تضرر أكثر من 6600 هكتاراً من الأراضي المزروعة بمحصولي القمح والشعير، وبالتالي أتلفت كميات تقدر بنحو 5 آلاف طن قمح و7 آلاف طن شعي».

وبمقارنة خسائر العام الماضي جراء #الحرائق التي قُدرت بمساحة 400 ألف دونم وفق “هيئة الاقتصاد” في الإدارة الذاتية، كان العام الحالي هو الأقل، حيث انحسرت رقعة الحرائق في نطاق أرياف الرقة والحسكة ودير الزور، وشملت الحرائق 9 آلاف هكتار، وفق إحصائيات الإدارة الذاتية.

هل تنجح الحكومة السورية في استجرار القمح؟

وخصصت الحكومة السورية، حوالي 400 مليار ليرة سورية أي 10% تقريباً من موازنة 2020 لشراء القمح، وذلك في محاولة للاستغناء جزئياً عن استيراد القمح الروسي وتوفير القطع الأجنبي.

في وقت خصصت الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا مبلغ 200 مليون دولار لشراء كامل قمح الجزيرة السورية، مع العلم أن الكمية تزيد عن حاجة سكان المنطقة الشرقية”، بحسب المحلل الاقتصادي “خالد تركماني”.

وأوضح تركماني في حديث لموقع (الحل نت) أن «الحكومة السورية تحاول استجرار كامل محصول القمح، خوفاً من تداعيات قانون قيصر ومحاولة تأمين الحد الأدنى من رغيف الخبز للمواطن، بخاصة مع تراجع القدرة الشرائية وانهيار الليرة، وحتى لو رفعت سعر شراء الكيلو من 400 إلى 500 ليرة يبقى الفلاح هو الخاسر الأكبر، خصوصاً مع ارتفاع أسعار السماد والمحروقات التي ستؤثر على موسم الحصاد المقبل».

ولفت المحلل الاقتصادي إلى أن «قبل الحرب، كان سعر كيلو القمح 25 ليرة، حين كان سعر الدولار 48 ليرة سورية، (نصف دولار على أسعار الصرف في 2011)، أما اليوم فسعر شراء كيلو القمح 400 ليرة، والدولار يصل لـ3 آلاف ليرة (13 سنت أمريكي)، وبالتالي أصبح الفلاحين محكومين بالأمر الواقع».

وأكد المحلل تركماني أن «قرارات الإدارة الذاتية الأخيرة، بمنع مرور الشاحنات المحملة بمحاصيل القمح على الطريق الدولي m4 إلى مركز جرمز جنوب القامشلي الذي خصصته حكومة النظام لاستلام المحاصيل من المزارعين، يأتي ضمن سعي الإدارة الذاتية لتأمين احتياجاتها من القمح والتي تقدر بنصف مليون طن، إضافة إلى سبب سياسي آخر مرتبط بقانون قيصر ومنع التعامل مع الحكومة السورية».

وأشار إلى أن «موسم القمح لهذا العام كان جيداً مقارنة بالأعوام الماضي، نتيجة انخفاض مساحة الحرائق، والهطولات المطرية الجيدة، حيث من المتوقع من خلال اطلاعي على الأرقام أن يكون الإنتاج في عموم سوريا يتجاوز 2 مليون طن، منها أكثر من مليون طن في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، إلا أن احتياجاته الفعلية تزيد عن 2 مليون طن».

وتابع أنه «بالتالي ستكون الأولوية في هذه المرحلة هي إبرام المزيد من عقود استيراد القمح من #روسيا والقرم، ومحاولة سد النقص في مادة الخبز مع اشتداد الحصار بفعل قانون قيصر، وهو ما ستظهر نتائجه خلال الأشهر القليلة القادمة»، بحسب قوله.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.