بعد تعثرها في مواجهة الفساد والمليشيات: الحكومة العراقية تواجه أزمتها المالية باستقطاع رواتب الموظفين

بعد تعثرها في مواجهة الفساد والمليشيات: الحكومة العراقية تواجه أزمتها المالية باستقطاع رواتب الموظفين

قررت #الحكومة_العراقية استقطاع جزء من رواتب متقاعدي وموظفي الدولة، لتدارك الأزمة المالية الخانقة التي تتعرّض لها البلاد، ما أثار ردود أفعال شعبية وسياسية رافضة، وتسبب بموجة قلق عند أغلب العائلات العراقية، التي تعاني من مشاكل مالية كبيرة.

ويواجه العراق كثيراً من المشاكل الاقتصادية. فقد أدى فساد المنظومة السياسية، وانخفاض أسعار النفط، إلى أزمة مالية صعبة، جعلت الحكومة العراقية غير قادرة على تأمين رواتب موظفيها، وهو ما دفعها لاتخاذ تدابير تقشفية، في مقدمتها  استقطاع ما نسبته 25% من رواتب الموظفين، وفق سياسة “الادخار الإجباري”، التي أقرّتها الحكومة العراقية مؤخراً لمواجهة الأزمة.

 

المتقاعدون أول الضحايا

علامات الرفض والاستنكار بدت واضحة على وجوه متقاعدي العراق، وهم يفاجأون باستقطاع رواتبهم، التي تأخّر تسليمها، بحجة عدم توفر السيولة النقدية. قيمة الاستقطاع، على اختلافها بحسب راتب المتقاعد الحكومي، شكّلت صدمة للمتقاعدين، الذين وصف بعضهم تخفيض راتبه بأنه «عملية لا تنمّ عن حس إنساني».

«يجب على حكومة #بغداد استرداد المبالغ المنهوبة من قبل الفاسدين، قبل اصدار أوامر استقطاع رواتب المتقاعدين»ـ يعبّر بهذا “محمد المولى”، المعلم المتقاعد، عن موقفه. ويرى أن «الحكومة العراقية ستحظى باحترام الجميع ودعمهم لو فعلت هذا، بدلاً من استقطاع رواتب المتقاعدين، التي هي بالأصل مبالغ قليلة، ولا تفي بمتطلبات الحياة الكريمة»، حسب تعبيره.

المعلم المتقاعد، الذي يتقاضى راتباً شهريا مقداره 600$، بعد خدمة خمسة وعشرين عاماً في سلك التعليم، يقول في حديثه لموقع «الحل نت» إن «الحكومة تعرف الفاسدين وأماكن تواجدهم، لكنها لا تجرؤ على وقف سرقاتهم، كونهم محميين من جهات سياسية مسلّحة».

«التهديد بتصعيد المواقف، وتحريك الشارع، والدعوة لإسقاط حكومة “الكاظمي”، خيار قد يلجأ إليه المتقاعدون، إذا ما استُقطعت رواتبهم مرة أخرى»، يقول “هادي الشمري”، رئيس “رابطة المتقاعدين”، الذي ينتقد حكومة رئيس الوزراء العراقي #مصطفى_الكاظمي،  مهدداً برفع شعار إسقاط الحكومة العراقية، «مالم تواجه الفاسدين، وتستردّ أموال البلاد التي نهبوها»، حسب قوله.

 

رفض برلماني للاستقطاع وتراجع حكومي

بعد يوم واحد من تسلّم المتقاعدين لرواتبهم المستقطعة، بنسب تراوحت بين ١٠ الى ١٥٪، صوّت #البرلمان_العراقي على قرار برفض الاستقطاع من رواتب المتقاعدين وموظفي الدولة كافة، مستثنياً منها رواتب الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والدرجات الخاصة.

وحيال الرفض السياسي والشعبي للاستقطاع، تراجعت الحكومة العراقية عن خفض رواتب المتقاعدين، وأصدرت، في إِطار دفاعها عن قرارها الأخير، توضيحاً قالت فيه إن «1.786.771 متقاعداً تسلموا رواتبهم كاملة دون أية استقطاعات»، مشيرة إلى أن «عدد المستلمين لمرتباتهم بشكل كامل يمثّل ما نسبته 73.55 في المئة من عموم المتقاعدين».

التوضيح ذَكَر أن الحكومة العراقية «اعتمدت مبدأ العدالة أساساً لبرنامجها الإصلاحي، وحماية ذوي الدخل المحدود والمنخفض، وعدم شمولهم بأي استقطاعات».

 

قيمة العجز المالي

ووفقاً لما يقوله الدكتور “هيثم الجبوري”، رئيس اللجنة المالية في #مجلس_النواب_العراقي، فإن «ميزانية رواتب موظفي الدولة تعاني من عجز مالي قدره 60% من قيمتها البالغة 70 ترليون دينار عراقي شهرياً». كاشفاً عن أن «مجموع ما يدخل للبلاد من ايرادات بيع النفط يبلغ 30 ترليون دينار فقط».

ويضيف “الجبوري”، في حديثه لموقع «الحل نت»: «العراق يعاني من أحادية الموارد الاقتصادية، ويعتمد بالدرجة الأساس على بيع النفط فقط، وهو ما اضطره للاستدانة من الخارج لسدّ العجز المالي».

وحول حجم الديون المترتبة على العراق يقول: «حجم الديون الخارجية بلغ 76 مليار دولار، وقد استدانها العراق من مصادر متنوعة، مثل #صندوق_النقد_الدولي و”البنك الفدرالي الإميركي”، فضلاً عن الكويت والسعودية والإمارات، وغيرها من الدول». عازياً ذلك إلى ما يسميه «عدم وجود إدارة رشيدة للموارد، واتساع رقعة الفساد المالي في العراق».

من جهته دعا النائب “جمال كوجر”، عضو اللجنة المالية النيابية، الحكومة العراقية «إلى البحث عن منافذ أخرى لتسديد العجز المالي، لتعضيد الموارد المستحصلة من شركات الهاتف النقال، ورواتب الدرجات الخاصة، والتحاسب الضريبي، والمنافذ الحدودية، وغير ذلك».

وقال “كوجر”، في اتصال هاتفي مع موقع «الحل نت»: «تنوّع منافذ تسديد العجز المالي كثيرة ومتوفرة، لكنها تحتاج لمعالجات جريئة وصادقة». رافضاً أن يتحمل الموظف الحكومي «تبعات الفساد المستشري، ويصبح راتبه الحلقة الاضعف في هذه المعادلة». معتقداً بأن «تعقّب سرّاق المال العام، ومكافحة رؤوس الفساد، التي تهيمن على مقدرات الدولة العراقية، يمثّل حجر الزاوية لأي اصلاح سياسي ومالي مزعوم»، حسب تعبيره.

 

المليشيات أيضاً تعاني من الأزمة

الأحزاب السياسية وميلشياتها ليست بمنأى عن التأثر بقلّة التمويل الخارجي والإفلاس المالي، فقد قال مصدر حزبي، رفض الكشف عن هويته، إن «أغلب الأحزاب السياسية تعاني من تراجع حاد في وارداتها المالية، وتعجز عن دفع مرتبات العاملين معها، بعد صعوبة حصولها على المقدّرات المالية، التي كانت تستغلّها لتمويل ميليشياتها». مضيفاً أن «بعض الجهات المسلحة اضطرت لتسريح عدد من عناصرها».

المصدر الحزبي كشف لموقع “«لحل نت» عن مبالغ طائلة كانت توفرها المكاتب الاقتصادية الحزبية لصالح المليشيات، لكنَّ «هذه العائدات تراجعت بشكل ملحوظ، ما اضطر عدداً من  الأحزاب إلى اغلاق بعض المكاتب التابعة لها».

وكان رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” قد أقرّ، خلال مؤتمر صحفي عقده في الثاني عشر من حزيران/يونيو الجاري، بهيمنة بعض الجهات المسلحة والحزبية على المنافذ الحدودية ووارداتها، مؤكداً أن عدم سيطرة الحكومة العراقية على هذه المنافذ هو أحد أوجه هدر المال العام.

وتوّعد “الكاظمي” خلال المؤتمر بـ«ضرب الخارجين عن القانون بيد من حديد، وفرض هيبة الدولة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.