في العام 2014، استولى تنظيم #داعش على مدينة #الموصل وأعلن لاحقاً إقامة دولة “الخلافة”. وبينما ركزت جهود مكافحة الإرهاب في البداية على مراكز التنظيم في الموصل والرقة، أثبتت المناطق المجاورة للحدود العراقية السورية أنها آخر معقل للتنظيم بعد هزائمه الكبيرة.

فقد كانت منطقة شرقي #سوريا بمثابة نقطة عمق استراتيجي عندما نشأ التنظيم في أعقاب سقوط نظام #صدام_حسين. كما كانت المنطقة بمثابة نقطة انطلاق لظهور التنظيم في أواخر 2000 وأوائل العام 2010، وفي العام 2013 – 2014، سمحت المنطقة للتنظيم بتحويل العراق وسوريا إلى ساحة معركة فريدة من نوعها.

واليوم، توفر هذه الثغرات القابلة للعبور ضمن الحدود النظام البيئي الذي يحتاجه التنظيم للبقاء وتجديد قدراته. وبالتالي، فإن أية استراتيجية لتحقيق الهزيمة الدائمة للتنظيم، يجب أن تركز على إلغاء الملاذ الآمن على كلا جانبي الحدود العراقية السورية، ومعالجة العوامل الأخرى بما فيها التلاحم الاجتماعي والفرص الاقتصادية والأمن والثقة بالحكومة.

وفي الوقت الذي يغيب فيه أي نظام من المحتمل أن يفعل ذلك في سوريا، هناك خطوات ملموسة يمكن للسلطات العراقية اتخاذها لتقويض قاعدة دعم التنظيم في المنطقة.

الظروف الملائمة

كانت الصورة الرمزية التي رافقت الإعلان عن دولة “الخلافة”، هي تدمير القواعد العسكرية وقواعد الشرطة، بالإضافة إلى الحواجز الرملية التي شكلت الحدود العراقية السورية في تسجيل فيديو ترويجي لتنظيم داعش بعنوان “إزالة الحواجز”.

وقد دفعت العملية التي جسدت تقديم فكرة خلافة بلا حدود الجهاديين من كافة أنحاء العالم إلى التوجه إلى سوريا والعراق للانضمام إليها.

وقد أظهر تسجيل فيديو نشر في حزيران 2014، #أبو_محمد_العدناني، والذي كان المتحدث الرسمي باسم التنظيم قبل أن يقتل في آب 2016 في مدينة #حلب. حيث صرّح “العدناني” في التسجيل قائلاً: «بعد إزالة الحواجز بين سوريا والعراق، سوف تكون الخطوة القادمة بالتأكيد الإعلان عن الخلافة الإسلامية».

ومن ثم تم تأكيد الإعلان عن الخلافة من خلال أنشودة “الأيدي الممتدة للتعهد بالولاء للإمام”، في إشارة إلى زعيم التنظيم آنذاك #أبو_بكر_البغدادي، الذي أعلن بدوره الخلافة فيما بعد من خلال مؤسسة #أجناد الإعلامية. وقد أعاد التنظيم الفكرة ذاتها من خلال إنتاج عنوان “نهاية سايكس بيكو” باللغة الإنكليزية.

وساهمت العديد من العوامل في تمكين التنظيم من السيطرة على المنطقة الحدودية السورية العراقية، أهمها الاقتتال الداخلي بين المتطرفين والانقسامات العرقية والقبلية والتصدعات الاجتماعية والقبول الواسع الانتشار لفكرة إزالة الحدود بين الجماعات الدينية.

وقد سيطر التنظيم على مسافة 610 كيلو متر على الجانب العراقي من الحدود ما بين #الأنبار و#نينوى في الفترة الممتدة من العام 2014 إلى العام 2017. أما على الجانب السوري فقد سيطر التنظيم على المناطق الممتدة من جنوب #القامشلي إلى #التنف من العام 2012 إلى العام 2019.

وأسس التنظيم تموز 2014 ولاية الفرات، والتي تضمنت مدن حدودية منها #البوكمال و#هجين في سوريا و #القائم في #العراق. ثم أسس في شهر آذار من العام 2015 ولاية الجزيرة، والتي تضمنت #سنجار و#زمار و#تلّعفر وتل عبطة والحمدانية والقيروان وشمال والعياضية والبعاج.

وقد أنشأ التنظيم هذه المناطق الإدارية كجزء من إستراتيجيته للحفاظ على العمليات تحت قيادة محلية واحدة على الأراضي المتجاورة. ويذكر أن هذه المناطق تميل أيضاً لأن تكون معاقل قديمة للجهاديين والمهربين.

وكانت المنطقة الحدودية حيوية فيما يخص الأمور المالية والعسكرية للتنظيم، حيث تشكل ممراً لكل من التنقلات العسكرية والتجارية. كما أن بعض المناطق غنية بزراعة الحبوب والقمح والقنّب.

كما لأن هناك صحارى واسعة تحتوي خنادق يمكن استخدامها كملاذ آمن للعمليات العسكرية والاحتياجات اللوجستية، بالإضافة إلى إنشاء معسكرات للتدريب. وبالإضافة إلى كل ما سبق، ترتبط العشائر في البلدات والقرى العراقية بروابط عائلية واقتصادية قوية مع العشائر على الجانب الشرقي من سوريا.

ويوجد ما يقدر بألف قرية في غربي وجنوب غربي نينوى وغربي #صلاح_الدين وشمال غرب وغرب الأنبار، من ضمنها أكثر من أربعمائة قرية، حيث منع سكانها السنّة من العودة إليها لأسباب عديدة منها التوترات العرقية والطائفية والأمنية.

وتقع خمسون قرية على الجانب العراقي على بعد عشرة إلى خمسة وعشرون كيلومتراً من الحدود إلى داخل الأراضي العراقية. أما على الجانب السوري، فهناك حوالي /51/ قرية تقع بين اثنان إلى عشرة كيلومترات داخل الأراضي السورية. والمعابر الرسمية بين البلدين هي #معبر_ربيعة في نينوى ومعبر القائم و #معبر_الوليد في الأنبار.

وكانت منطقة الحدود هذه أساسية بالنسبة لقادة داعش. فبحسب ما يقال، كان البغدادي يتردد على المناطق الحدودية للاجتماع مع نوابه في هذه المدن، كما جاء إعلان العدناني بـ “إزالة الحواجز” من هذه المنطقة. وقد تم أسر أو قتل العديد من قادة التنظيم في المنطقة ذاتها.

إن معظم المناطق الحدودية تقع خارج سيطرة الدولة، نظراً لضعف الحدود على كلا الجانبين وهشاشة الحواجز ووجود الأنفاق وشبكات التهريب التقليدية والمهنية. القرويون والعشائر والعصابات جميعهم متورطون في نشاطات غير مشروعة في جميع أنحاء المنطقة الممتدة من #أم_جريص إلى جنوب #فيشخابور غربي نينوى.

وقد ترعرع تنظيم داعش في تلك المنطقة واستمر في الاستفادة من الظروف هناك. من جانبهم، واصل مسؤولو المخابرات العراقيون تحذيراتهم من استخدام تنظيم داعش وشبكات التهريب المحلية الأنفاق والطرقات في العراق وسوريا.

ونظم التنظيم عام 2020 هياكله المحلية ضمن منطقتين للعمليات في العراق وسوريا، والتي تضمنت الجزيرة والأنبار، امتداداً من #سنجار إلى المثلث حيث الحدود تتقاطع الحدود العراقية والسورية والأردنية، على الجانب العراقي، والفرات وشمال #الحسكة إلى التنف والصحراء السورية جنوب غرب الفرات على الجانب السوري. وكانت عملية إعادة هيكلة التنظيم خير دليل على أهمية تلك المنطقة بالنسبة للتنظيم.

الموارد البشرية على طول الحدود

بحسب أرشيف مكتب الأوقاف السنّي في العراق، فإنه يوجد أكثر من ألفي مسجد ومركز للصلاة في منطقة الحدود، حيث تخدّم مساحة تمتد من 41 إلى 43 ألف كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل تقريباً 10% من الأراضي العراقية. وما يزيد عن 85% ممن يترددون على تلك المساجد ويديرونها هم من التيار السلفي، و5% من أتباع الطوائف الصوفية التقليدية، و8% يتبعون للإخوان المسلمين.

ويبلغ عدد سكان المناطق المتاخمة للحدود في العراق حوالي 800 ألف نسمة، من ضمنهم 500 ألف من الإيزيديين والأكراد و300 ألف من العرب السنّة.

وقد استغل رجال الدين وأنصار تنظيم داعش انتشار المعتقدات السلفية للترويج للأفكار التكفيرية والدفع من أجل إنعاش دولة “الخلافة”. كما عملوا على تشجيع المشاعر المعادية للشيعة وحشدوا الناس للترويج لتلك المشاعر من خلال استخدام مجموعة مؤلفة من 350 إلى 400 من الأئمة ورجال الدين.

حيث نجحت تلك المجموعة في تجنيد 8700 إلى 9000 من الأعضاء الذين عملوا على قضايا مختلفة في مراكز تنظيم داعش في تلك المنطقة، بحسب الوثائق التي وجدتها قوات التحالف في قرية #صكار في قضاء #البعاج بعد تحرير المنطقة في آب 2017.

وركزت معظم الجماعات الجهادية المسلحة في تلك المناطق، بما فيها تنظيم داعش، على تجنيد أفراد من كل العشائر وتحويلهم إلى مبشرين وقادة على المستويين المتوسط والأعلى.

وقد استخدم تنظيم داعش هؤلاء الأفراد كورقة ضغط على السكان في تلك المناطق، حيث كانت أكثر الشخصيات التي تتمتع بمكانة ونفوذ في تلك المناطق من أقوى أعضاء التنظيم. الأمر الذي أدى إلى إلغاء دور رجال الدين المعتدلين بشكلٍ تدريجي.

ويمكن اعتبار هذه المناطق مخزون استراتيجي للموارد البشرية للتنظيم. ففي ذروة انتشار داعش في العراق وسوريا في 2014، كان لدى التنظيم جيوش مؤلفة من حوالي 32 ألف من الأعضاء بما فيهم المقاتلين والمدنيين والأعضاء اللوجستيين. حيث وفرت تلك المناطق الحدودية 25% من الموارد البشرية للتنظيم بما فيهم المصلين والمؤيدين والعمال والخدم.

ازدهارٌ بدون دعم واسع النطاق

بالرغم من أن تنظيم داعش وجد دعماً كبيراً لإيديولوجيته، إلا أن العديد من السكان المحليين قاوموا تفسيراته المتطرفة للإسلام وتكبدوا خسائر فادحة إثر ذلك.

فبحسب السجلات الرسمية، قام مقاتلو التنظيم بقتل 3400 شخص وإصابة 10 آلاف آخرون وتشريد 250 ألف شخص في نينوى والأنبار، في الفترة ما بين حزيران 2014 وتشرين الثاني 2017.

وكان هناك ثلاث شرائح من السكان في تلك المناطق الحدودية قدمت فرصاً لتنظيم داعش:

  1. اعتنقت الشريحة الأولى معتقدات جهادية مشتركة ويمكن اعتبارها نواة دائمة للتنظيم. حيث تبنّى أعضاء هذه الشريحة إيديولوجية التنظيم وفرضه للخلافة وقواعدها الصارمة على الجميع خاصة العرب السنّة، وكانوا على استعداد للموت في سبيل الخلافة.
  2. لم تعتنق الشريحة الثانية عقيدة التنظيم، إلا أنها تشاركت معه المظالم والأهداف السياسية المهمة وركزت على تقويض النظام السياسي والانتقام منه ومحاربة قوات الأمن المحلية. ولا يمكن اعتبار هذه المجموعة نواة التنظيم الدائمة، لأن أفرادها لم يؤمنوا بـ “الخلافة”. وازداد دعمهم مع مشاعر التهميش على أيدي النظام السياسي العراقي الذي يسيطر عليه الشيعة.
  3. أما الشريحة الثالثة فيمكن وصف أفرادها بالانتهازيين الذين انضموا إلى التنظيم لأسباب عملية، من ضمنها الأسباب المالية. ولا يمكن النظر إلى هذه الشريحة كقاعدة دعم بأي شكل من الأشكال، لأنه بمجرد تقديم الدولة العراقية الفرص الاقتصادية لهم سوف ينهي الكثيرون منهم دعمهم للتنظيم.

ولم يمكن الدعم الشعبي لتنظيم داعش السبب الذي دفعه إلى اختيار المنطقة الحدودية في كل من سوريا والعراق كقاعدة له. وإنما فعل ذلك مستغلاً فرصة الاستفادة من الحرمان السياسي والاقتصادي واسع النطاق بين العرب السنّة الذين تنفرهم كل من #دمشق و#بغداد.

بالإضافة إلى انعدام وجود الدولة والأمن، ووجود هياكل اجتماعية محددة يمكن التعاون معها. وقد منح كل ذلك، بالإضافة إلى التضاريس الصحراوية في المنطقة وشبكات التهريب وأنظمة الأنفاق والموارد الزراعية الغنية، التنظيم تدفقاً مستمراً للمجندين والاكتفاء المالي الذاتي.

الفراغ في منطقة الحدود بين سوريا والعراق

تزداد المنطقة الحدودية ضعفاً بسبب الصراع بين السلطات التنفيذية وجماعات التهريب على طول الحدود، بالإضافة إلى الاقتتال بين تركيا وحزب العمال الكردستاني المعارض.

وتواجه المنطقة تهديدات كبيرة في الجانب العراقي من الحدود بسبب وجود معسكرات التنظيم والتوتر المستمر، وكذلك بسبب عدم الاستقرار في الجانب السوري منها.

فمنذ شهر نيسان من العام الماضي، تستعد وحدات التنظيم في كل من البادية (الصحراء السورية بالقرب من حمص) والجزيرة (الصحراء العراقية بالقرب من الموصل) وغرب نينوى لخطر تحويل العمليات الإرهابية في منطقة الحدود إلى معارك على المدن والبلدات الحدودية.

وبالرغم من ذلك، تؤكد تقارير الأمن العراقية أن شبكات فلول التنظيم لا تزال قادرة على تهريب الأشخاص والبضائع والنفط والأسلحة والمخدرات عبر الحدود مع سوريا، الأمر الذي يزيد إيراداتهم المالية إلى 100 ألف دولار يومياً.

ومما لا شك فيه أن مشاعر الكساد الاقتصادي والتهميش الاجتماعي المتنامية بين سكان القرى الحدودية، بالإضافة إلى الاستياء من وجود القوات ذات الغالبية الشيعية بينهم، سوف تخفّض رغبتهم في حماية الحدود، وقد يلجئون للعمل مع التنظيم.

وبحسب اعترافات لمعتقلين من أعضاء التنظيم، يساهم المال في تسهيل عمليات التهريب عبر الحدود العراقية السورية. ففي الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، تنقّل حوالي 1200 من أعضاء داعش عبر الحدود في مجموعات صغيرة بمساعدة شبكات التهريب المحلية القائمة منذ فترة طويلة.

بالإضافة إلى ضباط الأمن الفاسدين وزعماء العشائر، خاصة بعد معارك شرق الفرات التي انتهت في شهر نيسان من العام ذاته. وقد ساعد ذلك على توسيع شبكات تجنيد داعش ضمن #مخيم_الهول.

فبحسب مصادر من داخل المخيم المذكور، سجلت المخابرات العراقية ما بين 60 إلى 70 حالة تعهد بالولاء للتنظيم في الشهر الواحد، حيث بلغ عدد الموالين ما يصل إلى 959 رجلاً و570 امرأة من جنسيات مختلفة.

كما تمكن ضباط المخابرات العراقية، وبدعم من قوات #التحالف_الدولي، من تحديد المعسكرات المستخدمة لتدريب المقاتلين الذين عبروا الحدود إلى العراق، بالإضافة إلى مخابئ الأسلحة والأنفاق التي تستخدمها خلايا التنظيم.

وقد أنعش داعش علاقاته مع السكان المحليين من خلال الانخراط في أنشطة اقتصادية غير شرعية مع الجهات الفاعلة الجديدة المتورطة في تهريب السلع والتجارة غير المشروعة بالدخان والعقاقير والأسلحة والنفط والمخدرات والآثار والخردة المعدنية والنحاس والأسمنت والمواد الغذائية والإلكترونيات.

حيث دُعمت هذه الجهود من خلال الاتصالات المقطوعة داخل بعض شبكات التهريب في البلدات الحدودية مع حراس واستخبارات الحدود بسبب العداوة التي نشأت خلال عمليات التحرير وبسبب منع النازحين من العودة.

وتأتي هجمات تنظيم داعش من القرى والمناطق المهجورة بين المناطق التي تسيطر عليها #البيشمركة والمناطق التي تسيطر عليها قوات الأمن العراقية، والتي تشمل مساحات مفتوحة من الأراضي التي لا يتم تفتيشها أو مراقبتها عن كثب.

ففي هذه المناطق، يقلل التدهور المستمر في القدرات اللوجستية للقوات المشتركة من القدرة على السيطرة على المنطقة الحدودية وفرض سيادة القانون.

وعندما تكون قوات الأمن غير قادرة على توفير الأمن، فسيمكن لأي قوة مسلحة أن تملأ الفراغ. وقد باتت الجماعات المسلحة فعالة ومؤثرة، خاصة فيما يتعلق بالتهريب عبر الحدود.

وعائدات داعش من اقتصاد الحدود، تزوّد التنظيم بالأموال لتنفيذ هجماته الإرهابية والحصول على الأسلحة والطعام والأدوية والمركبات وأي شيء آخر مطلوب من أجل البقاء ومواصلة أنشطتها، وكذلك للتجنيد لوظائف الدعم.

وتتمثل الاستراتيجية الأحدث لإدرار الدخل في استنزاف الناس في المناطق الريفية مالياً على مشارف المحافظات العراقية المحررة عن طريق حرق المحاصيل الزراعية وفرض الضرائب على المزارعين والرعاة.

 

المصدر: (cgpolicy.org)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.