المختطفون الإيزيديون في “مخيم الهول”: فصلٌ آخر من مأساة الإيزيديين مع “داعش”

المختطفون الإيزيديون في “مخيم الهول”: فصلٌ آخر من مأساة الإيزيديين مع “داعش”

خَلَّف هجوم تنظيم #داعش على مناطق الكرد الإيزيديين، في إقليم #كردستان_العراق، آلافاً من الضحايا، وأكثر من ستة آلاف مختطفة ومختطف، من أطفال ونساء ورجال، إلى جانب تدمير وحرق  التنظيم لقراهم.

وما يزال كثير من الإيزيديين ينتظرون عودة مختَطَفيهم لدى التنظيم، لكن المفارقة أن عوائل التنظيم، التي تسكن اليوم في مخيم “الهول”، بريف #الحسكة، شمال شرقي سوريا، ما يزالون يحتفظون بأطفال ونساء إيزيديين في خيمهم، لا بل يقاومون من يحاول إنقاذ المختطفين من الضيم الذي يلقونه، في ظل محاولات حثيثة، من المنظمات الإيزيدية المدنية  و”الإدارة الذاتية” و”مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين في إقليم كردستان العراق”، لتحريرهم.

ثلاث قصص لعائلة واحدة

«”رونيا فيصل مسكين”، كانت لدى عائلة روسية داعشية تقطن في المخيم، وكان عمرها تسع سنوات حين اختُطفت، وحين قمنا بتحريرها كان عمرها 16 سنة، وبقيت لدى مختطفيها كل هذه الفترة، وتعرّضت للضرب والتعذيب على أيديهم، وحتى الآن تعاني من آلام في الرأس، ونقوم بمعالجتها من آثار الضرب الذي تعرّضت له»، يقول” برجس خضر”، متحدثاً عن قريبته، التي ساعدها في الخروج من “مخيم الهول”، المخصص لعوائل تنظيم “داعش”.

ويتابع  “خضر”، في حديثه لموقع «الحل نت»: «هي ابنة ابن عمي، وفي الخامس والعشرين من شهر نيسان/إبريل أخرجناها من المخيم، وكانت مختطفة لدى عائلة من المقاتلين الأجانب “المهاجرين”. قبل حوالي عام وستة أشهر وصلتنا معلومة أنها لدى عائلة داعشية روسية، وحاولنا أكثر من مرة إخراجها من المخيم، وعاونتنا في ذلك قوات #الآسايش، لكن لم نستطع أن نصل لحل سريع لإخراجها».

ويكمل “برجس خضر” قصة تحرير قريبته من “مخيم الهول”: «قبل مدة من الزمن استطعنا الحصول على رقم هاتفها. في المرة الأولى قالت لنا إنها في #إدلب، وتجهّزنا لدفع فدية لتحريرها. لكن بعد أن تواصلنا معها مرة أخرى، قالت إنها في “مخيم الهول”، لكن تخشى تسليم نفسها لإدارة المخيم، خوفاً من التعرّض للمضايقات».

يوضّح “خضر” الطريقة التي استطاع فيها إقناع قريبته بتسلم نفسها لإدارة المخيم: «قلت لها: “أنا أضمن سلامتك، وسأتواصل مع إدارة المخيم، وسيستلمك شخص من طرفي”. وبهذه الطريقة استطعت إقناعها، وفي اليوم التالي قالت لي: “سوف أذهب لإدارة المخيم”، وأرسلت شخصاً إيزيدياً من طرفي، وهي سلّمت نفسها للإدارة، موضحةً أنها إيزيدية بدورها. وبهذه الطريقة استطعت تحريرها».

«حتى الآن استطعنا أن نحرّر ثلاثة أفراد من عائلتي: طفلتان وامرأة، وبقي في المخيم، حسب معلوماتنا، خمسة أفراد من عائلتنا، ممن استطعنا الحصول على معلومات أكيدة حول وجودهم في المخيم، من مصادرنا الخاصة داخله»، يقول “خضر”، الذي يواصل سرد قصة طفلة ثانية من العائلة، استطاع تحريرها، ولكن بطريقة مختلفة عن الطفلة “رونيا”.

يضيف: «”وطفية خضر”، عمرها الآن اثنتا عشرة سنة، وحين اختطفت كانت تبلغ من العمر ست سنوات، وفي العشرين من شهر مايو/أيار من العام الماضي، أخرجناها من المخيم، وكانت عند امرأة من #الرقة اسمها “أحلام”،  تعيش مع ابنتيها في إحدى الخيم، وعبر أحد المتعاونين معنا عرفنا أن هناك فتاة إيزيدية في الخيمة، اتخذتها هذه العائلة خادمةً لها».

ويتابع: «في البداية لم نكن نعلم أنها ابنتنا “وطفية”، وقد أعطينا المعلومة لقوات “الآسايش”، وأبلغنا إدارة المخيم أن هنالك من سيدلهم على خيمة فيها فتاة إيزيدية. وقامت قوات “الآسايش” بمداهمة الخيمة، وسلمت “وطفية” لإدارة المخيم».

“سيفي خلف قاسم”، زوجة ابن عم “برجس خضر”، كانت في “مخيم الهول” أيضاً. «وصلتنا معلومات عن وجودها في المخيم، لكن لم نستطع إخراجها، وبعد فترة عرفنا بوجودها في منطقة #إعزاز بريف #حلب».يقول “خضر”.

ويتابع: « تواصل معي بعض الأشخاص، وأرسلوا لي صورة لها، وعرفتها، وقمت بدفع اثني عشر ألف دولار حتى يعيدوها للحسكة، ومن ثم استطعنا أن نعيدها لكردستان العراق، وبعدها علمنا أن بعض المهربين المتعاونين مع “داعش” قاموا بتهريبها من “مخيم الهول”، وإيصالها لمدينة “إعزاز”، بهدف أخذها لتركيا».

ويؤكد “ميسر الأداني”، الإعلامي في “مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين في إقليم كردستان العراق”، ما يقوله “برجس خضر”، ويضيف: «هناك معلومات عن وجود أعداد أخرى من المختطفين، ما يزالون يعيشون مع عوائل “داعش” في “مخيم الهول”».

وهذا ما يذهب إليه أيضاً الشيخ “زياد عفدال”، رئيس “بيت الإيزيديين”، في مدينة #عامودا بريف الحسكة،  الذي يؤكد في حديثه لموقع «الحل نت»: «عملنا، وما نزال نعمل، في “مخيم الهول” وخارجه، على استعادة المختطفين، ولكن عملنا يواجه عراقيل عدة، فنحن نتعامل مع تنظيم إرهابي، يفعل كل شيء ليُبقي المختطفين بعيداً عن الأعين».

بيت الإيزيديين: نواجه الموت حين ندخل المخيم

يعمل “بيت الإيزيديين” على متابعة قضايا المختطفين الإيزيديين، معتمداً على مجموعة من الشباب، الذين يعملون بشكل تطوعي، حسب ما يقول الشيخ “عفدال”، مضيفاً أنهم قاموا حتى الآن «بتحرير نحو مئة وخمسين مختطفاً إيزيدياً من مخيم “الهول”، بينهم نحو ثمانين طفلة وطفل».

ويؤكد أن هناك أعداداً أخرى من المختطفين ما يزالون في المخيم، ويوضح أسباب ذلك بالقول: «المخيم كبير، يعيش فيه  نحو سبعين ألف شخص، والفتيات يلبسن “اللباس الشرعي” وفق النمط الداعشي، أي أن وجوههن مغطاة، ويرتدين القفازات. وأيضاً  يتفنن الداعشيون بإخفاء كثير من الإيزيديين، سواء من الأطفال، وحتى بعض الكبار أيضاً، كي لا يعلم أحد بوجودهم».

ويشير “عفدال” إلى قضية وصفها بـ”الأخطر”، وهي أن المختطفين تعرضوا لـ”غسيل دماغ”، حسب قوله، ويتابع: «لقد قاموا بغسيل أدمغتهم، وأقنعوهم أنهم تحولوا من الكفر للإسلام وطريق الحق، وهذا يُصعّب المهمة علينا. كذلك تمّ تلقينهم بأن عليهم أن يرفضوا العودة لأهاليهم، حتى لو تم تحريرهم، كي لا يصبحوا “مرتدين”. وهذا الأمر واجهناه مع نساء تجاوزن سن الطفولة، فما بالك بالأطفال، والأطفال غالباً هم الأكثر تضرراً».

ويستطرد “الشيخ زياد عفدال”، في حديثه حول ما يعانيه الأطفال المختطفون على يد عوائل “داعش” في “مخيم الهول”، قائلاً: «هناك كثير من الأطفال الذين حررناهم، ونتيجة للحديث معهم أخبرونا أنهم كانوا عبارة عن غلمان وخدم لهذه العائلات، يقومون برعاية أطفالهم، أو بخدمتهم في جلب حاجيات المنزل، ويعملون داخل المخيم لصالحهم».

«لقد واجهنا صعوبة كبيرة، في الوصول لمن حصلنا على معلومات عنهم، خاصة أن التنقل داخل المخيم خطر كبير، وتعرضنا لهجوم بمسدسات مجهزة بكواتم صوت، أكثر من مرة»، يوضّح “عفدال”، مضيفاً أنهم يحاولون التعامل مع نساء من داخل المخيم، للحصول على معلومات حول المختطفين. «نحن نقوم بجمع المعلومات عن طريق مصادر من نساء “داعش”، ونعطيهن مبالغ مالية، ونقوم بمداهمة الخيم في المساء، وفي وقت متأخر، وذلك لأنه لو قمنا بذلك في النهار سنتعرض للهجوم، وهذا حصل فعلاً».

كما يصف “الشيخ زياد عفدال” المخيم بأنه عبارة عن #باغوز ثانية، «أستطيع أن أصف “مخيم الهول” بـ”باغوز” الثانية، لديهم نظام إداري متكامل وفقاً للعقلية الداعشية. وحسب المعلومات التي وصلتني، قام الداعشيون، بعد أن علموا بأن الأيزيديين يبحثون عن أطفالهم، بالتعميم على كل الخيم بأن يخفوا الإيزيديين، حتى لا نستطيع أن نصل لهم».

وفيما أكد “عفدال” على أن إدارة المخيم وقوات “الآسايش” تتعاون معهم بشكل جيد، في حال توفرت معلومات عن أي مختطف إيزيدي، ناشد إدارة المخيم ومنظمة #الأمم_المتحدة باتخاذ تدابير تساعدهم أكثر في عملهم.

في كردستان العراق.. أرقام وإحصاءات ومعاناة مستمرة

بلغ العدد الإجمالي للناجين الإيزيديين “3514” شخصاً، منهم “339”رجلاً و”1199″ امرأة، و عدد الأطفال الذكور “952”، والإناث “1044”.  فيما بلغ عدد المختطفين اللذين لم يتم تحريرهم حتى الآن “2883”، منهم “1548” من الذكور و”1305″ من الإناث،  وذلك حسب إحصائية رسمية، حصل عليه موقع «الحل نت»، من “خيري بوازني” مسؤول “ملف إنقاذ المختطفين الإيزيديين في إقليم كردستان العراق”.

ويقول “بوزاني”، في حديثه لموقع «الحل نت»: «منذ العام 2014 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، تم تأسيس مكتب خاص لإنقاذ المختطفين الإيزيديين، برعاية من مكتب الرئيس “نيجرفان بارزاني”، من الناحية المادية والمعنوية، وحتى الآن قمنا بتحرير 83%  من المختطفين، وتم إنفاق ستة ملايين دولار لتحرير الإيزيديين من تنظيم “داعش”».

ويتابع “بوزاني”: «وحتى بعد هزيمة “داعش”، هناك إيزيديون لدى عرب المنطقة، ونقوم بدعم الأهالي لاستعادة مختطفيهم، في كثير من الأحيان يقول لنا الأهالي أنهم علموا بمكان وجود المختطفين، لكن لا نستطيع تأمين المبلغ المطلوب لاستعادتهم، إلا أننا نقوم بدورنا بمساعدتهم مالياً. وقبل هزيمة “داعش”، كان هناك فريق كامل يتعاون معنا للتوسط لتحرير المختطفين، ومازلنا نعمل بالأسلوب ذاته».

وحول ما يقدمه “مكتب إنقاذ المختطفين” لمن يتم تحريرهم، يقول “بوزاني”: «عملنا في المكتب فقط هو تحرير المختطفين، وبعد أن تتم استعادتهم، نتواصل مع الهيئات والمنظمات المهتمة بمتابعة النساء والأطفال المحررين، أيضاً نتعاون مع منظمة الأمم المتحدة، وحكومة إقليم كردستان العراق، والحكومة العراقية أيضاً».

ويوضّح “بوزاني” أن دعم الناجين محدود جداً: «للأسف، لا يتم مساعدة ودعم هؤلاء الأطفال والنساء بالشكل اللازم، سواء من الحكومة أو المنظمات غير الحكومية. المساعدات قليلة جداً لدرجة أنها لا تذكر، ودوماً نعاني من هذا الأمر».

وبحسب تحقيق للصحافي “ميسر الأداني”، نُشر بتاريخ 31 مايو/أيار، على موقع “يزيدي نيوز”، يوجد نحو خمسمئة طفل إيزيدي من الناجين، محرومون من التعليم، ولا تقدم لهم رعاية كافية.

ويقول “أداني” في تحقيقه: «نحو 500 طفل من الناجين يواجهون مشاكل وتحديات عديدة في العودة إلى التعليم، أبرزها ما يتعلق بمسألة السن القانوني، فلم يصدر أي قانون من حكومتي (بغداد – اربيل) لمعالجة أوضاع هؤلاء الأطفال، الذين يواجهون مستقبلاً مجهولاً، في ظل غياب مدارس خاصة لاستقبال حالاتهم».

وعن التنسيق بين “مكتب إنقاذ المختطفين في إقليم كردستان العراق” و”الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا”، يقول “خيري بوزاني”: «لا يوجد تنسيق بيننا وبين “الإدارة الذاتية”، وحاولنا أكثر من مرة أن ننسق فيما بيننا، وأرسلنا أكثر من وفد من “المجلس الروحاني الإيزيدي”، والتقينا مع “البيت الإيزيدي” و”الإدارة الذاتية”، لكن لم يكن هناك تجاوب كاف، فقط أرسلوا ثلاثة نساء محررات مع الوفد، لكن لم يتعد التنسيق هذا».

وناشد “بوزاني”، في ختام حديثه، #الإدارة_الذاتية وكذلك #قوات_سوريا_الديمقراطية، بأن « يكونوا متعاونين معنا أكثر، لتحرير من تبقى في “مخيم الهول”، ونتمنى أن يتم أخذ الاعتبار الإنساني بعيداً عن باقي الاعتبارات السياسية، لأنها قضية إنسانية وليست سياسية».

من المؤكد أن معاناة الإيزيديين لم تنته بتحرير مناطقهم من سيطرة تنظيم “داعش”، فعدا عن القصص والمآسي الذي خلّفها التنظيم. يعاني المجتمع الإيزيدي اليوم للنهوض مرة أخرى، فما يزال ملف المختطفين لدى التنظيم، ومعالجة آثار هجوم التنظيم داخل مناطق الإيزيديين، يخلّف أحمالاً تثقل كاهل المجتمع المنكوب.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.