ترافقت الاحتجاجاتُ المناهِضة لـ #بشار _الأسد في مدينة #السويداء ذات الغالبية الدرزية؛ بغضبٍ واضح وبشكلٍ متزايد لدى الطائفة العلوية، التي ينحدر منها الرئيس السوري الذي كان يأمل في الاحتفال، بشكلٍ مختلف تماماً، بالذكرى العشرين لوصوله إلى السلطة، بعد ثلاثين عاماً من حكم والده #حافظ_الأسد.

وبات مَنْ قدّم نفسه متطوّعاً على أنه “حامي” الأقليات في مواجهة الأغلبية السنيّة من السكان،  في مواجهة تحدٍّ غير مسبوق حتى داخل الأقليات التي كانت تعد حتى الآن محايدة، وحتى مؤيّدة له.

فمنذ بداية هذا الشهر، يتحدى المتظاهرون حكم “الأسد”، في محافظة السويداء، جنوب #دمشق، في قلب المنطقة حيث يتركز معظم الدروز في البلاد. لكن الغضب الواضح بشكلٍ متزايد يأتي من داخل الطائفة العلوية، التي أتت منها عائلة “الأسد”، هو الذي يقلق “بشار الأسد” أكثر من غيره.

الورقةُ العلويّة

كان حُكم عائلة “الأسد”، ابتداءً من “حافظ” ومن ثم  ابنه “بشار”، حريصاً دائماً على خنق أدنى تمرّد داخل الأقلية العلوية، التي تمثل عُشر السكان السوريين. ومع ذلك، لم يكن دعم النظام الحاكم من قبل هذه الطائفة غير مشروطاً، وشاركت العديد من الشخصيات العلوية في الحراك الثوري عام 2011.

وقد تم ملاحقة المعارضين العلويين بلا رحمة بما يسمى بـ “الخيانة المزدوجة”، سواء للنظام أو لطائفتهم. لكن التصعيد العسكري وإضفاء الصبغة الطائفية على الصراع، مع صعود الجماعات الإسلامية، ومن ثم الجهاديين، أقنع معظم العلويين بالتوحّد حول حكم “بشار الأسد”.

وتم تعبئة البعض للتعويض عن الفرار الهائل في الجيش الحكومي وانضم آخرون إلى الميليشيات الموالية للأسد. وبذلك دفعت الطائفة العلوية ثمناً باهظاً في سنوات الحرب السورية الطويلة، وباتت محرومةً إلى حد كبير من شبابها.

لكن وعلى الرغم من “ضريبة الدم” الباهظة التي دفعوها، فإن الغالبية العظمى من العلويين؛ رأوا انخفاضاً في مستوى معيشتهم، في الوقت الذي كدّس فيه المستفيدين المرتبطين برئيس الدولة، ثرواتٍ طائلة لا يستحقونها.

وفي هذا السياق المشحون أصلاً، تحدّى #رامي_مخلوف، ابن خال “بشار الأسد” ومموّله الكبير لفترة طويلة، ابن عمته علناً ثلاث مرات. فـ “مخلوف”، الذي كان في السابق رمزاً للفساد المتفشّي، تم تجريده ولو جزئياً من ثروته الهائلة.

لكنه تمكّن، بعد أن حافظ بسخائِه على قاعدته الطائفية، من تقديم نفسه كمتحدث باسم العلويين الذين يشعرون بأنهم باتوا مهجورين أو حتى مضطهدين من قبل النظام.

كما أن غطرسة #إيران والميليشيات التابعة لها، وعلى رأسها #حزب_الله اللبناني، فاقمت من استياء العلويين، الذين يعتبرهم المسلمون الشيعة في أحسن الأحوال “مسلمون درجة ثانية”.

وبذلك ازدهرت الشعارات المناهضة للأسد على جدران محافظتي #اللاذقية و#طرطوس، المدينتان اللتان تمتلك فيهما #روسيا قواعد جوية وبحرية. ومن هنا بدأ قلق #موسكو من هذا الاحتجاج غير المسبوق.

المظاهراتُ الدرزيّة

يُشكّل الدروز ما يزيد قليلاً عن 2٪ من السكان السوريين، لكن معظمهم يقيمون في السويداء وفي منطقة #جبل_الدروز الاستراتيجية، جنوب العاصمة. وقد حاولوا الحفاظ على حيادهم نوعاً ما منذ عام 2011، الأمر الذي لم يعفهم، في العام 2018، من الهجمات الجهادية.

لكن الكارثة الاقتصادية وعمليات التهريب المتعددة للنظام، في هذه المنطقة الحدودية مع #الأردن، أدت مؤخراً إلى سلسلة من المظاهرات التي تردد “الثورة والحرية والعدالة الاجتماعية” و”الشعب يريد إسقاط النظام”.

و في العاشر من شهر حزيران  الجاري، الذكرى العشرون لوفاة “حافظ الأسد”، تجرّأ المتظاهرون على الصدح بـ “يلعن روحك يا حافظ”. لكن وبمجرد قمع المظاهرات واعتقال الناشطين، نظّمت الحكومة تظاهراتها المضادة الخاصة بها، حيث تم إدانة العقوبات التي فرضتها #الولايات_المتحدة على سوريا باعتبارها مصدر كل العلل السورية.

الغضب الدرزي والاحتقان العلوي، يعتبران تحذيرات خطيرة للحكم في سوريا. فبعد أن برّر حكمه برفض أي تنازل لأغلبية مصورة على أنه “إسلامية” أو “إرهابية”، فإن “بشار الأسد” يشهد اليوم تراجعاً في دعم الأقليات لحكمه.

فالمسيحيون، الذين ليس لديهم منطقة جغرافية خاصة بهم في سوريا، باتوا يميلون بشكل متزايد إلى الهجرة، حيث يتّجه اليوم جزء من الأرثوذكس اليونانيين نحو الحماية الروسية، التي يمجّدونها ويعتبرونها “روما الجديدة”.

أما الكُرد، فهم يحاولون جاهداً اليوم تشكيل جبهة معارضة موحّدة ضد مطامع “الأسد”، من أجل الحفاظ على جزءٍ من الحكم الذاتي في الشمال الشرقي من البلاد، وهي الجبهة التي تتيح أخيراً فتح المفاوضات بين #حزب_الاتحاد_الديمقراطي والأحزاب الكردية الأخرى في البلاد والمنضوية تحت #المجلس_الوطني_الكردي.

وحتى الطائفة الشيعية الصغيرة في سوريا، لم تعد تُأتمر إلا بأمر إيران وحزب الله، على خلفية العداء المفتوح بين العلويين والشيعة.

وبذلك، تعود عمليات إعادة التشكيل الطائفية هذه مرة أخرى إلى المعادلة الأساسية للأزمة السورية، حيث لا تزال البلاد بأكملها، أغلبية وأقليات مجتمعة، رهينة لـ بشار الأسد وعائلته.

 

المصدر: (lemonde.fr)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة