أكثر من /50/ يوماً مضت على منح البرلمان العراقي الثقة لرئيس جهاز المخابرات “مصطفى الكاظمي” لرئاسة الحكومة، في ظروف صعبة وتكاد تكون الأكثر قهراً منذ عام 2003 ولحد الآن، إذا ما تم استثناء احتلال تنظيم “داعش” عام 2014، حيث تستمر الاحتجاجات بشكلٍ متقطع، إضافة إلى الأزمة المالية التي سببتها جائحة فيروس “كورونا”.

كان الكاظمي قد وعد المتظاهرين في ساحات وميادين البلاد، أنه سيكشف عن قتلة إخوانهم، بل أنه كان يعرف القتلة وينتظر نتائج التحقيقات التي لابد أن تطيح بالعصابة المسلحة التي استهدفت جماجم العراقيين في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، ولحد الآن لم تصدر أي إجراءات بهذا الخصوص، ويخشى المعتصمون في خيام ساحتي الصدرين والتحرير أن يُسوَّف الملف ويمسي مصيره كما ملفات “سقوط الموصل وسبايكر والخسفة والمغيّبين”.

الكاظمي لا يدير البلاد وحده، فإلى جانب استماعه للأحزاب النافذة المتّهمة بالفساد والإرهاب واختلاس وتهريب أموال العراقيين، فهو يحظى بمستشارين من الصحافيين والأصدقاء القدامى وكُتّاب التقارير والمقالات في اختصاصات مختلفة ومدوّنين على “فيسبوك” يفهمون ما يريده الناس عبر مواقع التواصل، وهؤلاء، الأكثر تأثيراً على الرئيس وقراراته وتوجّهاته، بل وخطابه الإعلامي.

ولا تعني أن حكومة الكاظمي هي “حكومة فيسبوك” كما كانت حكومة عبدالمهدي “حكومة واتساب”، بل أنها تراقب العراقيين على مواقع التواصل وتعرف مطالبهم من خلالها، ولعل التطرق إلى قانون “رفحاء” ووضع المعالجات لمشكلته المتجددة، كان بفضل مبادرة إعلاميين وناشطين على مواقع التواصل، وبالرغم من أن “رفحاء” ظلّت مشكلة منذ أكثر من عشرة سنوات ويكتب عنها مئات الصحافيين، إلا أنها لم تُعالج، لكن الكاظمي وأصدقاؤه تمكنوا منها.

أصدقاء الرئيس هم الحكّام حالياً، غالبيتهم لم يشتركوا في العملية السياسية كسياسيين، ولكنهم كانوا دائماً مقرّبين من السلطة، بل كانوا شهود عيان على كثيرٍ من الصفقات الفاسدة وناقلي بريد بين الأحزاب وقادتها.

التوكل على الأصدقاء، يبدو أنه الشكل الجديد في الحالة العراقية بعد تظاهرات “تشرين”، لأن الآصرة الحزبية تبخّرت ولم يعد أي من الأحزاب والكيانات السياسية متماسكة، كلها سقطت في ساحة التحرير وداس عليها “التكتك”، ولا الآصرة الأسرية بقيت على حالها، فقد شملها الاجتثاث هي الأخرى، وهذا لا ينفي أن الكاظمي بعيد عن الأحزاب، بل أنه ربيبهم وحبيبهم، ولكن المفارقة أن الآثار الحزبية على قرارات “الرئيس” تراجعت، ولا نقول انتهت.

يراقب العراقيون حراك الكاظمي وأصدقائه، خبراء الإعلام والصحافة، ما ستؤول إليه الأمور، بالرغم من أن الفترة الماضية لم تشهد أي تطورات على مستوى المطالب القليلة للمتظاهرين (كشف القتلة والانتخابات المبكرة وحصر السلاح)، كما يخشى ناشطون وعلمانيون من أن يتحوّل “أصدقاء الريّس” إلى خطوط حمر جديدة وقادة ينسجمون مع السلطة.

لحد الآن لم يبهر الكاظمي العراقيين بأي منجز، وحتى الخطط الاقتصادية التي تحدث عنها في خطابه الأول لإنقاذ البلاد من أزماتها، لم نعد نسمع عنها، ربما لأنه لم ينسلخ لحد الآن من سنوات خدمته في جهاز المخابرات، وكثرت خلال الأسابيع الماضية تصريحاته العسكرية وزيارته لمعسكرات القوات الأمنية، مع أن الأخيرة ليست بحاجة لزيارته، وحدهم المعتصمون في خيم الاحتجاج ينتظرونه، والمتقاعدون الذين خدموا العراق، والمصابون بكورونا.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.