عَمِلت القوة الجويّة الإسرائيليّة على توجيه ضرباتٍ في العُمق السوري بشكلٍ متكرّر منذ عام ٢٠١٣، وبينما كانت الضربات تتركز على محيط دمشق والمنطقة الوسطى من الداخل السوري، نرى اليوم تحوّلاً كبيراً بحيث بات المجال الجوي السوري مفتوحاً بالكامل أمام الصواريخ الإسرائيلية، ونلاحظ مؤخراً استهداف مناطق جديدة لم يتم استهدافها سابقاً؛ كريف السويداء ودير الزور والسلمية.

ويبدو أن هذا التحول في منهج الضربات وطبيعتها، ليس مؤقتاً أو عارضاً، بل حالة تصعيد يمكن أن تشعل المنطقة قريباً. هناك أربعة أسباب لهذا التحول. أولاً ، يبدو أن إسرائيل ترى إيران غير راغبة في التخلي عن مشروعها في سوريا، بل تسعى إلى استخدام وسائل أكثر تعقيداً لتهديد الحدود الشمالية لإسرائيل.

والسبب الثاني، أن القضية السورية باتت على شفا التوصل إلى حلٍّ نهائي روسي – أميركي يعيقه التعنت الإيراني دون نسيان الرعونة التركية، والسبب الثالث فقد عبرت عنه صحيفة (هأريتس) الإسرائيلية: «تقف إسرائيل أمام واحدة من أصعب الفترات التي عرفتها على الإطلاق، من أزمة اقتصادية لفيروس كورونا إلى هجوم نتنياهو على سيادة القانون. لكن خطته لضم الضفة الغربية يمكن أن تقودنا إلى شفا الحرب – وما بعدها»، أما السبب الرابع والأكثر خطورة هو التصعيد السيبرانية “حرب الكترونية” بين إيران وإسرائيل.

هناك ثلاثة أغراض معلنة لاستخدام سلاح الجو الإسرائيلي، الأول والثاني يمكن اعتبارهم في خانة الأغراض بسيطة التحقيق، بينما الثالث يتطلّب المزيد من التدقيق . ١- تحديد وتقنين سلاسل الإمداد العسكري الخاصة بمحور إيران- حزب الله وتقليص حجم الإمداد للميليشيات الحليفة التي من الممكن أن تعمل على فتح جبهة باتجاه اسرائيل. ٢- تمكين وتثبيت حرية إسرائيل في العمل والتفوق التقني الجوي والاستخباراتي في المنطقة بشكل عام، وتقليل القدرات العسكرية السورية إلى حدٍّ ما قبل التدمير النهائي وبالتحديد قدرات الدفاع الجوي وسلاح الجو السوري . ٣- إرسال رسالة ردع وليس مشروع إنهاء لثلاثة أطراف وهي إيران، نظام الأسد وحزب الله.

يمكن اعتبار الاستراتيجية التي تنتهجها إسرائيل تجاه إيران في سوريا هي أفضل أو الأسلم من خياراتها المتاحة، ومع ذلك فيما يتعلق بالأهداف الثلاثة السابقة، فإن لهذه الاستراتيجية فجوات يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكس الأهداف تماماً. فبينما تزيد إسرائيل من الاستهداف الجوي لمواقع الجيش السوري وطرق الإمداد العسكري، فإنها تستدعي تمسك الأسد باعتماده على إيران، فالأسد ليس لديه أي بدائل اليوم خصوصاً مع فتح روسيا الكريدورات الجوية للطيران الإسرائيلي وفشل منظومة S300 في ردع الهجمات، فكلما قامت إسرائيل بضرب مواقع عسكرية سورية، كلما زادت تبعية قسم مهم من نظام الأسد لإيران، حيث بات واضحاً اليوم النزاع الإيراني الروسي على جثة الدولة السورية.

لا تنحصر الحرب الإسرائيلية الإيرانية في الأرض السورية، ففي نيسان/ أبريل الماضي ، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن هجوم إلكتروني محتمل على العديد من مرافق معالجة المياه والصرف الصحي في جميع أنحاء البلاد.

تحدثت وكالة المياه الوطنية الإسرائيلية في البداية عن عطل فني لم يتسبب أي أضرار سوى حالات انقطاع محدودة في أنظمة توزيع المياه المحلية. ليتضح لاحقاً أن إيران شنت  هجوماً إلكترونياً ضد منشأة مياه إسرائيلية وإن كان ضئيلًا، فإنه يعد تهديداً حقيقياً للبنية التحتية الحيوية لإسرائيل. تم تحليل البرمجيات الخبيثة المتورطة في الهجوم من قبل مديرية الإنترنت الوطنية الإسرائيلية وقررت أنها نشأت مع بعض الوحدات السيبرانية الهجومية للحرس الثوري الإسلامي.

ردت إسرائيل في أوائل شهر أيار/ مايو الماضي، بهجوم إلكتروني على ميناء إيراني في مضيق هرمز ، ما تسبب في مشاكل لعمليات الشحن الإيرانية. استهدف الهجوم ميناء الشهيد رجائي، وإن عطلت بالتأكيد التجارة والتبادل التجاري مؤقتاً، إلا أنه لم يصل إلى حد الآثار المدمرة, وبحسب منظمة الموانئ البحرية الإيرانية، فإن الهجوم لم يخترق أنظمة الأمن المركزي والمعلومات؛ بل تعطلت أنظمة شركات التشغيل الخاصة لعدة ساعات.

في 18 مايو / أيار ، استشهدت صحيفة واشنطن بوست بمسؤولين لم تسمهم حددوا إسرائيل على أنها صاحبة ما يبدو أنه هجوم انتقامي. في تناقض مع المزاعم الإيرانية الرسمية بتأثيرات لا تذكر ، ذكرت الصحيفة أن الهجوم تسبب في ازدحام خطير للطرق والممرات المائية لعدة أيام.

لم يعترف رئيس أركان جيش الدفاع “أفيف كوخافي” مباشرة بالمسؤولية ، لكنه ألمح إلى الحدث عندما أعلن أن “إسرائيل ستواصل العمل [ضد أعدائها] بمزيج من الأدوات”. ولأن إسرائيل تفتخر بكونها من بين وحدات الحرب السيبرانية من الأكثر تقدمًا في العالم، فإن الطبيعة المحدودة التركيز والنتائج لم تكن بسبب نقص القدرات من جانب الإسرائيليين. بل كان القصد من هذا  الهجوم، إرسال إشارة كوسيلة للرد على الإجراءات الإيرانية في سوريا وأنشطة طهران الإلكترونية المتنامية في جميع أنحاء المنطقة.

إن الصراع المتبادل جزء لا يتجزأ من نزاع الظل الطويل الأمد بين إسرائيل وإيران، والذي ينحسر ويتدفق، ويتضمن أحيانًا قصف إسرائيل لمواقع إيرانية في سوريا. وضرب الإسرائيليون أيضاً وكلاء إيرانيين في لبنان والعراق.

يبدو أن المناوشات العسكرية والسيبرانية،  تشير إلى بداية تحول في الصراع الإيراني – الإسرائيلي ، وهو تحول من المرجح أن يكون أكثر عنفاُ وخطورة، فالتحول إلى المرافق المدنية والبنية التحتية هو مخاطرة كبيرة للطرفين، وبالمقارنة بين طبيعة الهجمات، نلاحظ أن الهجوم الإيراني استهدف مرافق المياه وكان من الممكن أن يؤثر على وحدات معالجتها وأنظمة حقن الكلور وهذا يقابل حرب بيولوجية حقيقية ضد إسرائيل،  بينما كان رد إسرائيل بإحداث اضطراب في ميناء (شهيد رجائي) ما كان ليؤدي للقتل.

المخاطرة الإيرانية بهذا النوع من الهجمات، سوف يكون له عواقب كبيرة لن تقتصر نتائجها المميتة على إسرائيل بكل تأكيد. اليوم ترد إسرائيل بهجمات جوية محدودة داخل سوريا وهجمات إلكترونية مربكة وليست قاتلة، لكن إلى متى؟ يبدو أن الواقع الداخلي الإسرائيلي والتهور الإيراني؛ لن يؤدي إلى تصعيد أكبر ومخاطر أعظم على كل من يقطن في هذه المنطقة من العالم.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.