حروب “أخوة المنهج” في إدلب: كيف ينجح “الجولاني” في القضاء على منافسيه؟

حروب “أخوة المنهج” في إدلب: كيف ينجح “الجولاني” في القضاء على منافسيه؟

يبدو أن خصومات “أبي محمد الجولاني”، زعيم #هيئة _تحرير_الشام، مع رفاقه السابقين، المنتمين للفكر السلفي الجهادي، قد بلغت مرحله لا رجعة عنها، تُنبئ باندلاع حرب حامية بين “أخوة المنهج” في محافظة #إدلب.

حروب “الجولاني” تفجّرت من جديد، بعد أن رأى في تشكيل غرفة عمليات #فاثبتوا، منتصف حزيران/يونيو الجاري، تهديداً كبيراً لطموحاته، وللتوازنات الجديدة، التي يسعى لترسيخها شمال غرب سوريا، وخصوصاً تفاهماته الأخيرة مع #تركيا، التي تريد منه التخلص من بعض القادة الجهاديين، ما يوحي بنجاح #أنقرة في تنفيذ تفاهمات “أستانة”، ويوقف الانتقادات الروسية، القائلة إن إدارة الرئيس التركي #أردوغان، ليست جديّة في مكافحة الجماعات الإرهابية، داخل مناطق “خفض التصعيد”.

 

خصومات في الخفاء
في الوقت الذي كانت الأنظار فيه مسلّطة على حروب تنظيم #داعش ضد بقية التنظيمات السلفية الجهادية، كانت الخصومات الداخلية ضمن #جبهة_النصرة، تدفع  “الجولاني” لإبعاد أو تحييد عدد من منافسيه عن زعامة تنظيمه الناشئ في سوريا. وقد ساهم “أيمن الظواهري”، زعيم تنظيم #القاعدة الحالي، بتثبيته  على رأس فرع التنظيم في سوريا، ما أبقى تلك الخصومات تدور خلف الكواليس، وقوّض أي حركات انقلابية محتملة، قد يقدم عليها بعض المغامرين من قادة القطاعات، الذين أخذوا بتقوية نفوذهم داخل جماعاتهم المسلحة.

خلال السنوات السابقة، استطاع “الجولاني”  منع خطر تمرد القطاعات العسكرية الكبرى ضمن “جبهة النصرة”، عبر سلسلة من القرارات القاضية بإعادة هيكلة الجيوش ودمجها وإعادة تقسيمها، وبذلك نجح في إضعاف عديد من القادة المنافسين له. وأبرز هذه القرارات تفتيت “قطاع البادية”، بعد أن كان أشد جيوش “النصرة” فتكاً وقوة وعتاداً.

بعد تهجير فصائل “النصرة” وقادتها إلى إدلب، تمكن “الجولاني” من وضع خصومه المحتملين تحت أنظاره مباشرة، ومنهم “أبو ماريا القحطاني”، الذي انقطعت أخباره منذ العام 2016، وبات يعمل تحت إشراف “الجولاني”، بعد أن كان المنافس الأكبر له، خاصة بعد الشهرة الواسعة التي اكتسبها، إثر الحرب التي شنّها ضد تنظيم “داعش” في #دير_الزور عام 2014، والحروب التي خاضها خلال قيادته لقطاع “جبهة النصرة” في #درعا.

يقول مصدر خاص من إدلب لموقع «الحل نت» إن «”الجولاني” اتبع عديداً من التكتيكات في تحجيم خصومه والقضاء عليهم، من أهمها العزل والاعتقال والاغتيال. الأسلوب الأول يهدف لتحجيم أصحاب النفوذ، لمنعهم من كسب المؤيدين، بعد إقامتهم في مناطق إدلب، التي استقدمت المئات من القابلين للانخراط في التنظيمات المتشددة، وهذا الأسلوب مكّن “الجولاني” من السيطرة على منافسيه، مستغلاً أيضاً التناقضات والخلافات الموجودة أصلاً بين القادة».

وحسب المصدر فقد تعمّد “الجولاني” «توريط معظم القادة، خاصة قادة الصفين الثاني والثالث داخل الجماعة، في ملفات الفساد المالي، بغية إشهار هذا السلاح الحساس في وجوههم متى أراد».

أما عن الأسلوب الثاني، فلم يتردد “الجولاني”، وفق المصدر نفسه، في «اعتقال أي قائد حاول الخروج عنه، كما فعل مع “أبي سامي العريدي”، وعديد من قادة التيار الموالي لـ”القاعدة”، الذين شكّلوا تنظيم #حراس_الدين. ومن  جملة القادة الذين اعتُقلوا “أبو العبد أشداء”، الذي أقدم على فضح تنظيم “الجولاني”، عبر فيديو مصوّر حاول من خلاله كشف ممارسات الهيئة وفسادها المالي،  وحجم الثروات التي يمتلكها “الجولاني”، ما أسفر عن اعتقال “أشداء” لفترة، ومن ثم إطلاق سراحه مطلع فبراير/شباط الماضي، وإعفائه من السجن لمدة عامين».

وحول الاغتيالات يقول المصدر إن «عمليات الاغتيال، التي ارتفعت وتيرتها منذ منتصف 2016، وأسفرت عن مقتل عشرات العناصر والقادة الجهاديين، لم تكن سوى انعكاس لتلك الحرب الخفية بين أجنحة الفصائل الإسلامية، وما كان بوسع تنظيم “الجولاني” تبريرها سوى بتحميل المسؤولية عنها لعناصر مدسوسة من “داعش”، أو تابعة للاستخبارات السورية، دون أن يقدّم أي أدلة على ذلك».

 

خروج “الجولاني” عن الجماعة

بعد إعلان فك ارتباط “جبهة النصرة” عن تنظيم “القاعدة”، منتصف 2016، اتضحت أقطاب الصراع في إدلب بشكل جلي: “الجولاني” وأنصاره المؤيدين لنهجه البرغماتي من جهة، ومعارضون له أكثر تشدداً، من جهة أخرى، بدأوا بمحاولة لملمة أشتات الفصائل المنهكة، لتشكيل كيانات تدين بالولاء لتنظيم “القاعدة”.

بعد أيام قليلة من تشكيل فصيل “حراس الدين”، بداية عام 2018، شنّ “الجولاني” حرباً ضد الفصيل الناشئ، كبّدت الطرفين خسائر فادحة، ثم سارع زعيم الهيئة بعدها إلى اعتقال عدد من قادة مجلس شورى “حراس الدين”، بينهم “سامي العريدي”  و”أبو جليبيب الأردني”، وأطلق سراحهم بعد توسّط “أيمن الظواهري”، لحلّ النزاع بين الجماعتين.

من جهة أخرى تكفّلت ضربات #التحالف_الدولي، بشكل غير مباشر، بتخليص “الجولاني” من أهم خصومه الجهاديين، ومنهم “بلال خريسات”، المسؤول العسكري الأول في “حراس الدين”، الذي قُتل بغارة من طائرة مسيّرة، في الثاني والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر 2019. وسبق  ذلك أيضاً اغتيال “ساري شهاب”، الملقب بـ”أبي خلاد المهندس”، وقبله “إياد الطوباس”. فضلاً عن عديد من الضربات، التي استهدفت مراكز دعوية ومقرات عسكرية، ما أسفر عن مقتل عدد من قادة الصف الثاني في تنظيم “حراس الدين”، وكذلك تنظيم #أنصار_التوحيد، المتحالف معه .

 

“فاثبتوا”: الإعلان الأول للانقلاب على “الجولاني”
بعد الإعلان عن تشكيل غرفة عمليات “فاثبتوا”،  في الخامس عشر من  حزيران/ يونيو الجاري، وقوامها تنظيمات: “تنسيقية الجهاد”، و”لواء المقاتلين الأنصار” بقيادة “أبي مالك التلّي”، وجماعة “أنصار الإسلام”، وجبهة “أنصار التوحيد”، وتنظيم “حراس الدين”، تبيّن أن عديداً من قادة “الهيئة”، ممن اتخذوا موقف الحياد سابقاً، كانوا ينتظرون الفرصة للانقضاض على “الجولاني”، ومنهم “أبو مالك التلي”، الذي يعتبر الرجل الأخطر، نظراً للقوة العسكرية الهائلة التي يمتلكها، ومقدار الثروات المالية التي بحوزته.

يرجّح مصدر خاص من إدلب، مطلع على واقع الجماعة، أن «”الجولاني” لم يكن ليعير كل هذا الاهتمام للقضاء على غرفة عمليات “فاثبتوا”، لولا وجود “أبي مالك التلّي” وجماعته، فجميع التشكيلات السابقة كان تُعتبر مفلسة ومحاصرة، ولا تملك وزناً حقيقياً على الأرض، حتى لو كان بعضها، مثل تنظيمي “حراس الدين” و”أنصار التوحيد”، يلعب دوراً ما ضد #القوات_النظامية في المعارك على الجبهات».

وبحسب المصدر نفسه فإن «”أبا مالك التلي” يشكّل تهديداً خطيراً، لقيادته قرابة ألف مقاتل، من أصل ستة آلاف تابعين لـ”هيئة تحرير الشام”، وقد أحضر “التلّي” هؤلاء القاتلين معه، بعد خروجه من #القلمون. كما انضم إليه، بعد استقراره في إدلب، عددٌ من العناصر الطامحين للحصول على جزء بسيط من ثروته الكبيرة، التي تُقدّر بما يزيد عن ثلاثة وعشرين مليون دولار».

ويضف المصدر: «خلال السنوات الماضية، تمكّن “الجولاني” من استمالة عدد من الجماعات المقاتلة المفلسة، عبر منحها بعض الأموال، كما فعل مع #الحزب_الإسلامي_التركستاني. لكن بوجود “أبي مالك التلّي”، قد تتمكن غرفة عمليات “فاثبتوا” من تجاوز أزماتها المالية، بل وستكون قادرة على شراء ولاءات جماعات وأفراد جدد، يمكن أن يتحولوا لمرتزقة يقاتلون في صفوفها، وهذا الأمر قد يقلب الموازين في إدلب».

 

“الجولاني” يفوز بجولة جديدة من الصراع
بعد معارك طاحنة، دارت بين الهيئة وفصائل غرفة عمليات “فاثبتوا”، قُتل خلالها ما يزيد عن ثلاثين عنصراً من الجانبين، تمكّن “الجولاني” من فرض شروطه من جديد، بعد مساومة تلك التنظيمات على حياة قادتها المعتقلين لديه، ومنهم “التلّي” و”أبو صلاح الأوزبكي”.

وتوصّل الطرفان، في السادس والعشرين من الشهر الجاري، لاتفاق فصل بين قواتهم على الجبهات، وأصدر تنظيم “الجولاني” بياناً، تضمّن جملة من الشروط، التي توضّح كسبه لتلك الجولة من المعركة، وهي: منع تشكيل أي غرفة عمليات أوفصيل جدبد، وبذلك تصبح جميع النشاطات العسكرية تحت إدارة غرفة عمليات “الفتح المبين”، التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”.

ليس من المعلوم إن كان “الجولاني” يملك الحق في تجميد الصراع، وإبقائه على حاله في إدلب، فقد تكون لأنقرة كلمة أخرى، خاصة بعد ما اتضح في الأيام الأخيرة تعاون “الجولاني” مع الاستخبارات التركية، لإعادة هيكلة الجماعات الإسلامية، وتقديم “هيئة تحرير الشام” للمجتمع الدولي بوصفها فصيلاً معتدلاً، وهذا الأمر قد يضعه في مأزق جديد، يتطلّب منه تصفية المزيد من “أخوة المنهج”، المتوارين عن الأنظار في إدلب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.