نجا الرئيسُ السّوري مما يقارب عقداً من الحرب المليئة بدماء السوريين، إلا أن سلطته بعيدةٌ تماماً عن الاستقرار والثبات. فالأزمة الاقتصادية الحادة وعواقب جائحة فايروس #كورونا والانقسامات في الدائرة المقربة للرئيس، توفّر مجتمعةً فرصةً محتملة لتحرك دولي نحو استقرار البلاد الممزقة، ربما حتى في إطار سوريا بدون الأسد.

يواجه “الأسد” في الذكرى السنوية العشرين لاعتلائه السلطة، تحدّيات الحكم والسيادة التي تفرضها الحرب الأهلية التي لم تنته بعد، بما في ذلك تدمير البنية التحتية والحضور الأجنبي في البلاد وانعدام السيطرة في منطقة #إدلب، الجيب الأكبر والأخير للمعارضة المسلحة في شمال غربي البلاد.

وفي الوقت نفسه، تزداد الأزمة الاقتصادية سوءاً بعد فرض عقوباتٍ أميركية جديدة بموجب #قانون_قيصر وتصاعد الاحتجاجات العامة. كما أن هناك انقسامات ضمن الدائرة المقربة من الأسد.

وقد يخلق تقاطع تلك التطورات، فرصةً لتجديد الجهود الدبلوماسية بقيادة #الولايات_المتحدة و#روسيا و#تركيا لمحاولة إعادة #سوريا إلى طريق الاستقرار السياسي والمدني، ربما حتى تحت قيادة جديدة.

«اللي بيقتل شعبوا خاين»، «لا أستطيع أن أتنفس»، «الثورة مستمرة»، «كذابة، الصحافة السورية كذابة»، «بدنا نعيش»، «الشعب يريد إسقاط النظام»، «سوريا حرة حرة، إيران وروسيا برا»، «سوريا لنا، وليست لعائلة الأسد»، «من إدلب للسويداء، نحن معكم».

هذه فقط بعض الشعارات التي تُسمع مؤخراً في سوريا، وعلى وجه الخصوص في مدينة #السويداء الجنوبية. فهناك موجة متصاعدة من الاحتجاجات ضد الأسد وحكمه، حيث تزداد الآن المطالب العامة والآمال في الوقت الذي بدأت فيه الحرب الأهلية السورية تضع أوزارها.

وعلى خلاف الهتافات العامة للاحتجاجات والتي كانت تُسمع بانتظام في المنطقة، فإن هذه الشعارات السورية هي انعكاسات دقيقة لمحنة البلاد، وتشير إلى الوضع المظلم وغير المستقر للرئيس السوري #بشار_الأسد في مواجهته لهذه التحديات.

الأزمة الاقتصادية

بدأت الاحتجاجات في محافظة السويداء، معقل الدروز الذين دعموا الأسد خلال فترة الحرب، من خلال الدعوة إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية. وصارت هذه الاحتجاجات بعد ذلك؛ مظاهرات ضد النظام والتدخل الإيراني في المنطقة.

وقد جاءت هذه الاحتجاجات على خلفية انهيار الليرة السورية، والتي كان يتم تداولها بسعر 48 ليرة مقابل دولار أميركي واحد في الفترة التي تسبق الثورة السورية، في حين يتم تداولها اليوم بسعر 3500 ليرة لقاء الدولار الواحد.

أدت هذه الزيادة إلى ارتفاعات هائلة في الأسعار وأجبرت المحال التجارية على الإغلاق، مترافقاً مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تفوق الـ 50%.

وتسبّبت مجموعة عوامل إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي كانت تعاني منها البلاد مسبقاً بفعل الحرب الأهلية، منها الإغلاق الذي فُرِض بسبب جائحة فيروس كورونا والعقوبات الغربية المفروضة على البلاد والأزمة الاقتصادية العميقة في #لبنان، حيث أدت إلى هبوط قيمة العملة بشكلٍ سريع. وبحسب التقديرات، فإن ما يزيد عن 80% من الشعب السوري يعيش اليوم تحت خط الفقر.

بالإضافة إلى كل ما سبق ذكره، فإن الولايات المتحدة بدأت بتطبيق “قانون قيصر” في سوريا، وهي خطوة وصفتها كل من الحكومتين السورية والروسية بـ “الإرهاب الاقتصادي”، حيث تم فرض عقوبات على 39 من الشخصيات المرتبطة بالنظامين السوري والإيراني بالإضافة إلى أفراد عائلة الرئيس الأسد.

ومع ذلك، أعلنت الإدارة الأميركية، بأنها ستتراجع عن خطتها هذه، والتي تتضمن ثلاث مراحل سيتم تطبيقها مع حلول نهاية شهر آب، في حال عادت سوريا إلى المفاوضات في إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 لشهر كانون الأول من العام 2015، والذي يرسم خريطة طريق لعملية سلام في سوريا.

وكجزءٍ من محاولته لمعالجة الأزمة الاقتصادية، عزل الأسد في الحادي عشر من شهر حزيران، رئيس وزراء حكومته #عماد_خميس، واستبدله بوزير الموارد المائية حينها #حسين_عرنوس.

وأظهرت هذه الخطوة، مدى شعور الأسد بالتهديد إثر الاحتجاجات العامة والأزمة الاقتصادية، حيث قصد بعزل “خميس” تحميله مزيداً من المسؤولية عن هذا الوضع.

ويتركز اهتمام الأسد كذلك حول التصدعات في الدائرة الداعمة له والتي نجت من أضرار الحرب، إلا أنها تضررت الآن بسبب الأزمة الاقتصادية. ويمكن ملاحظة مؤشرات أولية لهذا السخط، في الحديث بين مؤيدي الرئاسة على مواقع التواصل الاجتماعي.

أزمة فايروس كورونا كأزمة ثقة

لم يتم تجاوز جائحة كورونا في سوريا بعد، ولكن حتى الآن لا يزال انتشار المرض محدوداً، بحسب الإحصاءات الرسمية. وعلى الرغم من صعوبة تقدير العدد الفعلي للأشخاص المصابين بشكلٍ دقيق، ومن التقييمات التي تفيد بأن الضرر الاقتصادي للإغلاق محدود لأن اقتصاد البلد المهتز كان معزولاً أصلاً عن الأسواق العالمية، إلا أن تفشي الفايروس القاتل؛ عمّق الأزمة العامة بشكلٍ عام وأزمة الثقة في القيادة بشكل خاص.

وقد أثبتت سياسة التعتيم المتعمَّد من قبل #الحكومة_السورية ووسائل الإعلام التابعة لها، بالإضافة إلى الإجراءات الانتقائية لمكافحة الفايروس، بما في ذلك السماح للرحلات الجوية من #إيران لنقل الميليشيات الشيعية إلى البلاد حتى في ذروة تفشي الفيروس، مرة أخرى للشعب السوري أن مصالح الأسد الشخصية والسياسية والعسكرية تفوق أي اعتبار. ومن المرجح أن يكون الانتشار السريع لـ كورونا في سوريا عاملاً معجّلاً وإضافياً يؤدي إلى اضطرابات عامة واسعة النطاق.

انقساماتٌ في دائرة الأسد الداخلية

مؤخراً، اندلع صراعٌ بين الرئيس الأسد وابن خاله رامي مخلوف، الذي يعد أغنى رجل في سوريا. ويمتلك مخلوف شركة #سيريتل، أكبر شركة اتصالات في البلاد. وبعد دعم حكم الأسد عسكرياً واقتصادياً طوال سنوات الحرب، تم تغريم مخلوف 3 مليارات دولار. وما أن رفض الدفع، بدأت الحكومة باعتقال موظفيه واحتجاز ممتلكاته.

وفي خطوةٍ غير عادية، كشف مخلوف عن الصراع العائلي الداخلي في سلسلة من مقاطع الفيديو التي تم بثها على صفحته على الفيسبوك. وفي أحد هذه المقاطع، يسخر مخلوف من اعتقال موظفيه من قبل أفراد من قوات الأمن والمخابرات، التي كان قد دعمها وموّلها لسنوات. ويعكس صراع الأسد – مخلوف التوتر بين بشار ودائرته الداخلية، ويعكس الضغط الاقتصادي على الرئيس.

التّدخل الأجنبي يتحدّى السيادة

تُعبّر الشعارات الاحتجاجية، عن الاستياء والاشمئزاز من الوجود الأجنبي على الأراضي السورية. وتشير التقارير الواردة في الأشهر الأخيرة إلى أن روسيا تزيد من قبضتها على البلاد من خلال إنشاء قواعد عسكرية جديدة، والسيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي، وتوسيع نطاق وصولها إلى البحر الأبيض المتوسط.

ويُظهر تجنيد مقاتلين سوريين للقتال إلى جانب خليفة حفتر، المدعوم من روسيا في ليبيا، عزم روسيا على جعل سوريا مركزاً لنشاطها وقاعدة لصراعاتها الإقليمية.

في الوقت ذاته، يتم توجيه انتقادات للأسد في وسائل الإعلام الروسية الرسمية، حيث تم وصفه بأنه ضعيف وفاسد ويفتقر إلى الدعم الشعبي. ودوافع روسيا في هذا الشأن ليست واضحة! ربما تكون روسيا قد اكتفت من حكم الأسد وهي تستعد لإقالته، ولكن ربما أنها تمارس الضغط عليه فقط حتى يسمح لها بالسيطرة على الموارد الاقتصادية السورية. على أي حال، فإن هذا النقد وتوقيته لا يجعلان الوضع سهلاً بالنسبة للأسد.

كما أن هناك نزاعٌ إضافي يدور حول الوجود الإيراني في سوريا. حيث تشير التصريحات الأخيرة في الولايات المتحدة وإسرائيل إلى أن إيران تقلل من وجودها في سوريا بسبب زيادة الهجمات الإسرائيلية على أهداف إيرانية في البلاد وبسبب الضغط الاقتصادي الشديد التي تتعرض له.

وسواء كانت إيران تحدّ من قواتها أم لا، فمن الواضح أنها تغيّر شكل انتشارها في سوريا وتسعى لإخفاء نشاطها، من خلال دمج عملائها في الهيئات العسكرية السورية، وتوفير غطاء اقتصادي ومدني للنشاط العسكري، وتجنيد مقاتلين محليين.

إن تقليص الوجود الإيراني في سوريا يخدم نظام الأسد، من خلال تقليل إظهاره كدمية إيرانية. كما أنه يخدم موسكو، التي يُنظر إليها بعد ذلك دولياً على أنها قد قيّدت النشاط الإيراني.

وعملياً، فإن إيران وروسيا، اللتان أنقذتا الأسد من الانهيار خلال الحرب، لا تحدان من قدرته على تعزيز سيطرته على كل سوريا فحسب، بل تفتقرا أيضاً إلى القدرة العملية لإنقاذه من الأزمة الاقتصادية السورية.

كما تشكل تركيا عقبةً أخرى أمام جهود الأسد لاستعادة سيطرته على كامل البلاد. فهي تسيطر بحكم الواقع على مناطق في شمال سوريا، وتمنع الأسد من شن هجوم عسكري كبير لغزو إدلب. كما أدخلت الليرة التركية كعملة في الأراضي التي تسيطر عليها، في مواجهة الهبوط السريع لليرة السورية. وهكذا أضرّت #أنقرة بشكلٍ أكبر بصورة الأسد كرئيس للبلاد.

هل حان الوقت لسوريا بدون الأسد؟

إن عجز الأسد وضعفه يمنح المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، فرصةً سانحة. فقد ارتكب الأسد جرائم حرب وتسبب في كارثة إنسانية ودمار واسع النطاق.

وحتى الآن، قَبِل المجتمع الدولي حكمه المستمر، ولكن في ضوء تقاطع الأحداث الأخيرة، والتي تعكس ضعفاً كبيراً في الدعم المحلي للأسد، فإن التقييم المتجدّد لهذه السياسة؛ أمرٌ لابد منه.

وتشارك إسرائيل في حملةٍ عسكرية ضد الترسخ الإيراني في سوريا، بينما تعمل الولايات المتحدة على تعزيز حربها الاقتصادية ضد الأسد. والحلقة المفقودة في هذه المعادلة هي عملية دبلوماسية قوية تقودها الولايات المتحدة، كبديلٍ للقنوات الدبلوماسية الضعيفة التي فشلت حتى الآن في إنهاء الحرب وإعادة سوريا إلى مسارها، من خلال الإصلاح السياسي وإعادة الإعمار المدني والاقتصادي.

وتتطلب مثل هذه الخطوة، تعاوناً أكثر صرامة بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تهتم كذلك بإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في البلاد، مع الاستفادة من مصالحهما المشتركة تجاه تركيا.

وستشمل أهداف هذه الخطوة، توطيد نظامٍ أكثر تمثيلاً وقائماً على المساواة، وعملية انتخابات خاضعة للإشراف والشفافية، وإصلاحات دستورية، وخطة إعادة إعمار شاملة مدفوعة بدعمٍ إقليمي ودولي.

وفي ظل الظروف الحالية، يبدو أن أي شكلٍ بديل من الحكم في سوريا، سيكون أفضل من الوضع الحالي، وكلما كان ذلك أسرع سيكون أفضل.

 

المصدر: معهد الأمن الوطني الإسرائيلي للدراسات (INSS)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.