المُهجّرون في السويداء: انتعاشة اقتصادية رغم الطائفية والفوضى الأمنية

المُهجّرون في السويداء: انتعاشة اقتصادية رغم الطائفية والفوضى الأمنية

ما يزال العدد الحقيقي للنازحين والمُهجّرين في #السويداء غير محدد بدقة، رغم نشاط كثير من المؤسسات الحكومية والمنظمات الإنسانية. المؤكد أن عشرات آلاف النازحين يقطنون في المدن والبلدات الكبرى للمحافظة منذ سنوات، حُشر منهم ما يزيد عن خمسة آلاف شخص في معسكر “رساس”، المخصص لمنظمة “طلائع البعث”، والذي يسيطر عليه الأمن العسكري، ويمنع على  قاطنيه الخروج منه إلا في حالات خاصة.

وبعد استقرار الأوضاع نسبياً في دير الزور والرقة ودرعا وريف دمشق، غادر غالبية النازحين المعسكر، ولم يبق فيه إلا حوالي ألف شخص. غير أن عدداً كبيراً من النازحين استقرّ بشكل نهائي في السويداء، وأسس لأعماله الخاصة، رغم كل ما تعرّض له المُهجّرون من خوف وضغوط أمنية، ومنها عمليات الخطف التي طالتهم.

يقول الناشط المدني “سلام النوح” (اسم مستعار لاعتبارات أمنية): «بلغت حالة النزوح إلى المحافظة ذروتها عام 2013، إذ قُدّر عدد النازحين بثلاثمئة ألف شخص، بحسب العاملين في المنظمات الأغاثية، في حين لم يتجاوز عدد المستفيدين من المساعدات الإنسانية، وفق قوائم منظمة #الهلال_الأحمر، أكثر من خمسة وتسعين ألفاً. وقد وثّقت منظمة “بيتي أنا بيتك”، العاملة في الشأن الإنساني، هذه الأرقام بتاريخ 15/7/2013، وكانت المنظمة الوحيدة التي يمكن اعتبار أرقامها أقرب إلى الواقع، كونها  حاولت الوصول لكل النازحين عن طريق فريقها الكبير».

 

الخوف من الآخر

ويتابع “النوح” بالقول: «عند بدء موجات النزوح، في أواسط عام 2012، عمدت #الحكومة_السورية إلى محاولة عزل النازحين عن المجتمع المحلي، في أماكن إيواء تعود ملكيتها للدولة، إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل، لعدم توفر أماكن كافية لاستيعاب العدد الكبير من النازحين، إضافةً إلى قيام ناشطي الإغاثة في مدينة #شهبا بالتهديد بعودة الحراك الشعبي إلى الشارع، إذا ما تم وضع النازحين فيما يشبه المعتقلات الجماعية».

«مع بدء موجات النزوح، كان كثيرون يتخوفون من المجيء إلى المحافظة، واقتصر الأمر على بضع عائلات من المناطق الأكثر تضرراً»، يقول المحامي “عماد السمان”، من سكان محافظة السويداء. ويُرجع هذا لعدة أسباب، منها «الصورة المسبقة التي كانت سائدة بأن المحافظة تقف ضد الحراك الشعبي، وبالتالي لا ترحب بأبناء المناطق المؤيدة له. وكذلك التوجّس من الآخر المختلف دينياً أو مذهبياً، الأمر الذي يشي بحجم الشرخ الاجتماعي المتجذّر في المجتمع السوري، فضلاً عن الخوف من الملاحقة الأمنية».

وتابع “السمان”، في حديثه لموقع «الحل نت»: «مع ازدياد وتيرة العنف في المحافظات المجاورة، بدأت أعداد النازحين بالارتفاع، وتبدد التوجس المتبادل، وصار النازحون يشعرون بالأمان، فنشأت علاقات بينهم وبين المجتمع المحلي، حتى أن بعض النازحين أصبحوا أكثر انفتاحاً على عادات وتقاليد المنطقة. وبعض النساء النازحات، القادمات من مجتمعات محافظة، صرّحن بأنهن استطعن الحصول على مساحات من الحركة والحرية الشخصية، أكبر من تلك التي كن يتمتعن بها في مناطقهن الأصلية».

 

انتعاش اقتصادي مجهض

“محمد الديراني”، النازح إلى مدينة شهبا، قال إنه «سكن وعائلته في “المنطقة الصناعية” بالمدينة في ظروف موحشة، لكنها كانت أفضل بكثير من الظروف التي عايشها في #داريا مدينته، واستطاع تأسيس مَنجَرة خاصة، بالشراكة مع شخص من أهالي المحافظة». وأضاف “الديراني”: «أهالي السويداء لا يهتمون بالصناعة، على الرغم من توفر البنية التحتية المناسبة لها، ما جعل المحافظة أشبه بقرية كبيرة، ليس بها نشاط يذكر، فالناس يفضّلون الذهاب إلى #دمشق على المغامرة باستثمار أموالهم في السويداء، لهذا كان عمل المهجّرين المَهَرة مثمراً جداً، وأسس لورش وصناعات جديدة، غير مألوفة في المنطقة. لكن الذي حصل بعد ذلك لا يتصوره عاقل، فالشياطين خرجت علينا من كل صوب»، حسب تعبيره.

ويوضّح “الديراني” سبب نهاية هذه الانتعاشة الاقتصادية الواعدة: «جميع من كانوا يعملون في المصالح الصناعية خُطفوا ثم خرجوا بفدية مالية باهظة، وتعرضوا لكل أنواع التعذيب والإهانة. اضف إلى ذلك التقارير الأمنية التي تصف أي مهجر عامل بالانتماء إلى #جبهة_النصرة وتنظيم “داعش” أو #الجيش_الحر على أقل تقدير. فضلاً عن تسلّط البلطجية والزعران والشبيحة، وهو ما دفع الصناعيين والتجّار الكبار للفرار بأرواحهم».

 

 ثورة زراعية في الريف الغربي   

«وجدت عشرات العائلات المهجّرة إلى الريف الغربي لمحافظة السويداء مكاناً آمناً للسكن، على الرغم من انتشار أخطر العصابات في المنطقة، وتوفرت لهم مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية غير المستغلّة، أو التي يعجز أصحابها عن استثمارها، فعملوا على زراعة الخضار من كل الأصناف، ودخلوا بشراكة مع الأهالي، الذين حفروا الآبار الارتوازية العميقة والسطحية، بعد أن كانت الحكومة السورية تمنعهم من ذلك، ما أدى لثورة زراعية غير مألوفة في إنتاج الخضار، أنعشت الأسواق، ووفرت فرص العمل. وهو ما دفع عدداً كبيراً من المُهجّرين قسراً للاستقرار النهائي في المنطقة، بعيداً عن مسقط رأسهم»، يقول “محمد الدوماني”، النازح من مدينة #دوما في الغوطة الشرقية، الذي استقر مع كل أشقائه وأبناء عمومته في ريف السويداء الغربي.

وأوضح “الدوماني” لموقع «الحل نت» أن «أولاده يتابعون تعليمهم بعد انقطاع طويل عن الدراسة، وتأقلموا مع العادات والتقاليد في المنطقة، على الرغم من الأوضاع الأمنية الخطيرة التي تعيشها السويداء».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.