«ابني عايش عند الحكومة السورية، وميت عنا بالبيت، وزوجته عزباء في سجلات الحكومة وأرملة عنا» يقول “أبو محمد المقداد” من أهالي مدينة #بصرى_الشام، بعد أن أُعدِم ابنه على يد تنظيم #داعش نهاية 2014.

ورغم مرور نحو ستة أعوام على الحادثة، إلا أن “أبو المقداد” لم يتمكّن من الحصول على شهادة ميلاد لحفيده أو بطاقة عائلية لولده المقتول، لأن حادثة إعدامه؛ تحتاج لشهودٍ من أجل الحصول على شهادة وفاة.

«لسنا قادرين على تسجيل حفيدي (ابن المقتول) في المدرسة، لأنه غير مُسجّل لدى الحكومة السورية في السجلات الرسمية». يُضيف “أبو محمد المقداد” ويؤكّد في حديثه لـ (الحل نت) على أن أقاربه «يرفضون الذهاب معه للإدلاء بشهادتهم حول حادثة إعدام ابنه، حتى المختار رفض تسجيل الحادثة لسببٍ آخر غير الإعدام، خوفاً من المسائلة القانونية».

هذا واقع آلاف الأُسر في محافظة #درعا بعد أكثر من عام على سيطرة القوات النظامية على جنوبي البلاد، فلأسبابٍ شخصية؛ ليس لدى الأهالي القدرة على استخراجِ شهادة وفاة أو إثبات زواج وتسجيل المواليد الجُدد، أبرزها الخوف من الإجراءات التي ستتخذها المؤسسات الأمنية بحقهم، بعد إصدار الأخيرة بيانات شفهية للمؤسسات المدنية والمخاتير في مدن وبلدات درعا، بمنع استخراج شهادات وفاة لكل حوادث الموت التي حصلت في الفترة الممتدة منذ 18 آذار/مارس 2011 وحتى آب/أغسطس 2018، باستثناء حالات الوفاة الطبيعية.

مراجعة الفروع الأمنية بداية الطريق

«أصدرت الحكومة السورية أوامر شفهية لجميع المخاتير في المحافظة، بعدم استصدار أي وثيقة وفاة لأيّ شخصٍ مات بحادثٍ غير طبيعي خلال الأعوام الثمانية السابقة، تحت المساءلة القانونية» يقول المختار “أبو موسى” /اسم مستعار لأسبابِ أمنية/.

ويُضيف في حديثٍ لـ (الحل نت): «تعاني آلاف الأسر في درعا من عدم قدرتها لاستصدار وثيقة، وذلك لأن أبناءهم قُتِلوا إما بمواجهةٍ مع القوات النظامية، أو اقتتالٍ داخلي بين الفصائل المُسلّحة، فيما قُتِل آخرون أثناء سيطرة التنظيمات الإسلامية المُتشدّدة على بعض المناطق كـ داعش والنُّصرة».

وأشار المختار “أبو موسى” إلى أن أغلب المراجعين «من النساء اللاتي يطلبن إما تسجيل أبنائهن  كمتوفي، أو تكون إحداهن أرملةً تريد تسجيل أبناءها بعد مقتل زوجها في اقتتالٍ داخلي، لكن الأمر ليس بيدي، وإنما عليهن استكمال الإجراءات بمراجعة القضاء الشرعي مع شاهدَين اثنين لتثبيت واقعة الوفاة».

وأوضح “أبو موسى” «هناك عدة إجراءات قبل الحصول على شهادة الوفاة،  وهي استجواب صاحب القضية والشاهدّين من قبل الفروع الأمنية في تحقيقٍ قد يستغرق عدة شهور، ثم يُحال الشخص إلى مديرية الأحوال المدنية لإحالته لمخفر الشرطة التابع لمكان إقامة المتوفي، من أجل كتابة ضبط وإجراء دراسة حول المتوفي وحيثيات مقتله، بعدها يُصدر القرار النهائي، إما الرفض أو القبول حسب الحادثة».

«قتلوه الإرهابية»

«قتلوه الإرهابية» كانت العبارة التي سهّلت مُهمّة “منصور الزامل” العامل في مديرية الزراعة بمدينة #داعل، باستخراج شهادة وفاة لشقيقه الذي قُتِل خلال مواجهاتٍ مع القوات النظامية عام 2015، وعجز عن استخراجها منذ ستّة أعوام، مع معرفته المُسبقة بعدم اعتراف السلطات السوريّة بالثبوتيات التي أصدرتها مؤسسات الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة.

«كنا نخشا استكمال الأوراق الرسمية بعد سيطرة الحكومة، بسبب الخوف من الدخول في دوامة التحقيق ومراجعة الفروع الأمنية، والمَخْرَجُ الوحيد كان باتهام الإرهابيين بقتل شقيقي، وهي نصيحةٌ أفادنا بها محامي في المدينة» يقول “الزامل” في حديثه لـ (الحل نت).

الحيلةُ ذاتها، اعتمدتها “أمل منير” أرملة مقاتلٍ في “الجبهة الجنوبية” قُتِل هو الآخر خلال مواجهاتٍ مع القوات النظامية، والخوف ذاته كان يراود أهل زوجها من مراجعة الجهات الأمنية والقاضي الشرعي، «لكن محامياً في مدينة #نوى، نصحنا باتّهام الإرهابيين بقتله» تقول في حديثٍ لـ (الحل نت).

وتُضيف: «نَصَحَنا المحامي بعرض مبلغٍ مالي على مدير الناحية لاستكمال الأوراق، وهي طريقةٌ اتبعها أهالي المنطقة في الفترات السابقة، أو انتظار عفوٍ يصدر من رئاسة الجمهورية حول تسهيل إجراءات التسجيل».

ميّتٌ مطلوبٌ للخدمة..!!

قد تكون حكاية “سمية الحراكي” في سعيها للحصول على شهادة وفاة لشقيقها، ليست بأقلّ غرابةً عن سابقاتها، فهي كما تقول، لم يكن لديها القدرة على البوح لشعبة التجنيد في مدينة درعا، بأن شقيقها قُتِل بانفجار عبوةٍ ناسفة على طريق كحيل – صيدا عام 2016.

«منذ دخول “درعا” في تسويةٍ مع #الحكومة_السورية، تلقّينا ثلاثة إشعارات لسحب شقيقي “وليد” لأداء الخدمة الإلزامية، ويضطرّ والدي في كل مرة لرشوة المُرسل بعشرة آلاف ليرة سورية لتسجيل عدم استلام المعني للبلاغ» تقول “الحراكي” لـ (الحل نت).

يرى “سمير الأسود” موظفٌ في دائرة السجل المدني بمدينة #درعا، أن الإجراءات التي تتّخذها الحكومة السورية «صحيحة وفي مصلحة المواطنين»، مُبرّراً ذلك على أنها «لحماية الأهالي من المطلوبين بجرمٍ إرهابي أو ممن خرجوا بطريقةٍ غير شرعية خارج البلاد».

ويؤكّد في حديثٍ لـ (الحل نت): «أن التّهرّب من الالتزام القانوني وممن صدرت بحقهم مذكرات اعتقال لارتكابهم أعمال قتل وإرهاب، هو ما أجبرت الحكومة لاستصدار هذه الأوامر، وكذلك سجّلت بعض الحالات للتهرب من الخدمة الإلزامية من خلال تسجيل الشخص كمتوفى».

الحلُّ بـ “مفقود”

قد يكون اتّهام الإرهابيين بقتل صاحب شهادة الوفاة، هو أحد الحلول لإقناع السلطات السورية، لكن بالنسبة لـ “زاكية العمري”، هناك طريقةٌ أكثر نجاعة وأكثر سهولة، فهي تمكّنت بعد عامٍ واحد من التسوية، في استصدار عقد زواج وشهادة ميلاد لابنتها من زوجها المقتول في معارك #حي_المنشية في منطقة #درعا_البلد، «من خلال جمعيةٍ خيرية تسعى لتسهيل معاملات الأرامل بالتعاون مع عدد من المحامين» تقول لـ (الحل نت).

وتضيف “العمري”: «تُسجّل الجمعية القتيل بأنه مفقود وليس لدى الأهل علمٌ بمكان وجوده منذ أعوام، ولأنه لا يجوز أن يبقى كل شيء معلّقاً لحين عودة الشخص المفقود أو لحين إثبات حياته أو وفاته، فقد عالجت الحكومة أحوال المفقودين في قانون الأحوال الشخصية في المواد (202 إلى 206)«.

وتؤكّد قائلةً: «يُعيّن وكيلٌ قضائي للمفقود عن طريق طلبٍ يُقدّم للقاضي الشرعي من قِبل أحد أقاربه، يطالب بتعينه وكيلاً قضائياً عن المفقود، ويمكنهم الحصول على إذنٍ من القاضي الشرعي للقيام بإجراءاتٍ معينة لتدبير شؤون أرملة وأولاد القتيل ورعايتهم، كالتسجيل في المدارس أو استصدار جوازات سفر وغيرها».

لكن حتى طريقة الجمعيات الخيرية بتسجيل القتيل «مفقوداً» قد لا تكون واقعاً تعتمده السلطات السورية أو يكون قراراً  يُعمّم على جميع القتلى، خاصةً مع الإحصائية الكبيرة في عدد الضحايا الذين سقطوا منذ ربيع 2011. مع تأكيدات (مكتب توثيق الشهداء) في مدينة درعا لـ (الحل نت)، بأنه «وثّق أكثر من 15 ألف شخص قُتِلوا في محافظة درعا منذ بدء الاحتجاجات وحتى توقيع اتفاق التسوية في آب/أغسطس 2018، حيث بلغ عدد المقاتلين في الفصائل المسلحة 5417، وحوالي 9680 مدنياً قضوا نتيجة العمليات العسكرية».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.