في محاولةٍ للخروجِ من منطقة الليرة السورية في المناطق الشمالية الغربية من البلاد، التي سيطر عليها #الجيش_التركي بمساعدة فصائل #المعارضة_السورية ما بين شهر آب 2016 وتشرين الأول 2019، انتشر استخدام الليرة التركية على نطاقٍ واسع منذ شهر حزيران الماضي.

وقُدِم هذا التغيير الخطير، كردِّ فعلٍ على انهيار الليرة السورية، لكنه في الواقع تتويجٌ لعمليةٍ تركية بطيئة. فبالنسبة للعديد من السوريين، المعارضين أو المؤيدين لحكم #بشار_الأسد، فإن هذا التطور واضح بأن #تركيا تنوي تعزيز وجودها في المناطق التي تسيطر عليها. ويخشى البعض من “التقسيم النقدي” التدريجي لبلدهم.

وانطلاقاً من مدينة #تل_أبيض إلى جيب #عفرين، ذو الأغلبية الكردية، عبر مدينة #الباب والبلدات الحدودية لـ #جرابلس و#إعزاز، يدفع للجنود الأتراك والمرتزقة السوريون والمسؤولون المحليون بالليرة التركية.

كما تنتشر الليرة التركية كذلك في محافظة #إدلب، وهي منطقة تقع تحت سيطرة المعارضة المُسلّحة وتهيمن عليها جماعة #هيئة_تحرير_الشام الجهادية، حيث يوجد الجيش التركي بطبيعة الحال، وتُدفع الرواتب في هذه المنطقة، على سبيل المثال، لطواقم المستشفيات. وثمن المنتجات الأساسية، مثل الخبز، بالليرة التركية.

في شهر حزيران الماضي، أُرسِلت قطع العملة التركية الصغيرة إلى الصرّافين ومكاتب للتعامل بها. وهذا لم يكن ممكنا لولا موافقة #أنقرة. وتعمل مكاتب البريد المفتوحة في الشمال الغربي السوري، ولكن ليس في منطقة إدلب، عمل البنوك.

ومن خلال هذه المكاتب، تُحوّل الجمعيات السورية، التي أُسِّست في تركيا، على وجه الخصوص، الأموال المخصصة للموظفين أو المشاريع إلى إدلب، وهي منطقة تتدفق إليها المساعدات الإنسانية بغزارة.

منطق التكامل الاقتصادي

بات يُنظر إلى تعميم استخدام الليرة التركية كمقياس للاستقرار في مواجهة انهيار الليرة السورية، على الرغم من أن قيمة الليرة التركية نفسها متقلبة. «هذا يسمح بتوحيد التعامل التجاري في شمال غربي سوريا، لكن للتعامل مع تضخم الأسعار، نحتاج إلى السيطرة على الفعاليات التجارية، الأمر الذي لا وجود له اليوم»، يقول ناشط في مجال المساعدات الإنسانية، وهو مواطن من منطقة إدلب ومنفي اليوم في تركيا لانتقاده (هيئة تحرير الشام).

لكن من الصعب كذلك احتواء التضخم، حيث تستمر السلع، مثل السلع الزراعية، في القدوم من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، حيث تلتهب الأسعار.

التركيز على إعادة الإعمار

لتأكيد نفوذها على الشمال الغربي من سوريا، ركّزت تركيا على موضوع إعادة الإعمار. حيث أُعيد تعبيد الطرقات وترميم المدارس وشبكات توزيع المياه والكهرباء جزئياً. كما تشهد النقاط الحدودية مرور جميع أنواع السلع، من السلع الاستهلاكية إلى مواد البناء.

«نحن في حضرة منطق التكامل الاقتصادي الذي يهدف إلى جعل هذه الأراضي، التي تديرها تركيا وحلفاؤها من السوريين، سوقاً مخصصاً لتصدير المنتجات التركية. الهدف هو بناء بيئة مواتية للتبادل التجاري، الأمر الذي سهّل تداول الليرة التركية دون عوائق»، يوضح “يوهانان بنهايم”، الباحث والمؤسس المشارك لمركز (نوريا) للأبحاث والمرتبط بمركز اسطنبول للسياسات.

كما تشارك منطقتا #غازي_عنتاب و#هاتاي التركيتين، بنشاطٍ في تنمية التبادل التجاري هذا. وقد أُنشأت غرف تجارية محلية، في شمال غربي سوريا، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بغُرف التجارة التركية، وبرزت مناطق صناعية في “إعزاز” و”الباب”.

وبذلك، فإننا نشهد إنشاء مجال نفوذ متكامل لتركيا في المنطقة. إن حقيقة أن حكام منطقتي (غازي عنتاب وهاتاي) مسؤولون عن الإشراف على المناطق السورية الخاضعة للسيطرة التركية هو مثال صارخ على ذلك.

كما لم يُستبعد التعليم من سياسة تركيا في سيطرتها على الشمال السوري. ففي شهر تشرين الأول من العام 2019، افتتحت جامعة غازي عنتاب ثلاث كليات في شمال غربي سوريا: كلية علوم التربية في مدينة عفرين، وكلية العلوم الإسلامية في مدينة اعزاز، وكلية الاقتصاد والإدارة في مدينة الباب.

منطقٌ محدود

لكن «منطق التكامل الاقتصادي» التركي هذا له حدوده. فالاستثمارات ليست مضمونة من قبل اللاعبين الرئيسيين في سوريا، مثل #روسيا. كما أن حلفاء أنقرة في عملية #أستانا، وتحديداً #موسكو و#طهران، لا تتوانيان أبداً عن التذكير بأن الوجود التركي مسموح به في الوقت الحالي.

ولكن على المدى الطويل، سيتعين على هذه المناطق العودة إلى “حضن” دمشق. وبعد أن اعترف الموقعون على اتفاقيات أستانا بمبدأ السلامة الإقليمية لسوريا، لا يمكن الاعتراف بأي مطالبة سياسية بالانفصال على أنها مشروعة.

وقد كيّفت تركيا سياستها مع احتمال عودة هذه المناطق لسيطرة #الحكومة_السورية، حيث يتميز نظام الحوكمة الذي أنشأته بالاستثمارات في البنية التحتية الأساسية، مثل الكهرباء والطرق والمراكز الحدودية.

ومع بعض الاستثناءات، كان هناك بعض الاستثمارات المحدودة في الصناعة. ويؤكد “يوهانان بنهايم” أن الهدف هو بناء إطار قادر على تمكين هذه المناطق من أن تصبح سوقاً بالإضافة إلى مساحة مخصصة لاستقبال اللاجئين القادمين من مناطق أخرى في سوريا أو العائدين من تركيا.

وتؤدي هذه الطريقة في الإدارة، إلى عدم الاستقرار كما هو الحال في مدينة عفرين، المنطقة الزراعية ذات الأغلبية الكردية في شمال غربي سوريا، حيث تم اقتلاع العديد من المالكين الأكراد من أراضيهم.

ومنذ أن غزا الجيش التركي المنطقة في العام 2018، يُصدّر  إنتاج هذه المنطقة إلى أوروبا عبر تركيا. ويشكّل هذا دخلاً هاماً للأتراك ومرتزقتهم من الميليشيات السورية المرتبطة بهم، لكنه يساهم في تعزيز انعدام الأمن في المنطقة. وكثيراً ما تكون المكاسب المالية غير المتوقعة من هذه الصادرات مصدر الاشتباكات بين الفصائل المسلحة المختلفة.

 

المصدر: (Le Monde.fr)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.