فشلُ الأحزاب المدنية قُبالَة الإسلامية في العراق: ما علاقة “ولاية الفقيه” والتّحالف الشّيوعي الصّدري؟

فشلُ الأحزاب المدنية قُبالَة الإسلامية في العراق: ما علاقة “ولاية الفقيه” والتّحالف الشّيوعي الصّدري؟

على امتداد تاريخ #العراق الحديث منذ تأسيسه مطلع العشرينيات، وإلى 2003، لم تكن هناك أيما فرصة للتمثيل المدني السياسي المتنوع في الدولة العراقية، لا في الخانة التنفيذية (الحكومة)، ولا حتى في الخانة التشريعية (البرلمان)، لأسباب كثيرة.

لعل منها، ما ورد في كتاب (قيامة أكتوبر) للمؤلف “محمد كريم” الذي لخّص في جزء منه عراق ما بين (1921 – 2019)، مما جاء فيه، في الصفحة (18) من الكتاب، أن «معظم الأحزاب التي سيطرت في فترات متعاقبة على حكم العراق، كانت استبدادية تسحق نظيراتها».

في فترة الملكية، يذكر المؤلف في ذات الصفحة، أنه «لم يكن المفهوم السياسي ناضجاً بعد من الأساس، لذا كان مُمثل الانتماء السياسي بين متباكٍ على السلطة الزائلة، ومنتمٍ باندفاع للسلطة الجديدة، وكلا الانتماءان لاعتبارٍ مادي». فيما بعد «لم يكن الانتماء السياسي انتماءً عراقياً خالصاً، كان انتماءً للأيديولوجيات».

في عراق ما بعد 2003، كان من المفترض للأحزاب المدنية- على اختلافها- أن تجد نفسها في التمثيل السياسي، وأُسّست بعض الكيانات المدنية، لكن النتيجة كانت “مدوّية” فبعد /17/ سنة، لاتزال هذه الأحزاب تراوح أمكنتها، ولا تحصد أكثر من خمسة مقاعد نيابية فقط.

 

“الثورة الإسلامية” وانهيار “النظام الشاهنشاهي”

لماذا لم تنجح الأحزاب المدنية، قُبالة اكتساح شبه مطلق للأحزاب الإسلامية؟ الإجابة على هذا التساؤل، «تعود لأحداث تاريخية مهمة»، حسب الباحثَين “صفاء صبحي” و”أمين عصام”، أبرزها وفق قولهما لـ (الحل نت): هو ”الثورة الإسلامية الإيرانية”.

«وصول #علي_الخميني لحكم #إيران في 1979، وتأسيسه لنظام حكم ثيوقراطي كلاسيكي، يستند إلى النظرة للحياة من خلال منظار شرعي ديني، أدّى إلى أن نعيش حتى اللحظة في ذروة فترة صعود ما يسمى بجيل “الصحوة الاسلامية”، الذي قدم نفسه سياسياً كبديل لجيل القومية، الذي فشل في بناء دولة العدل والمواطنة والتنمية»، يقول “صبحي”.

“صفاء صبحي” الباحث في التاريخ السياسي العراقي

«منذ ذاك، شهد العالم مرحلة جديدة بظهور “الإسلام الأصولي”، فانهيار “النظام الشاهنشاهي” في إيران “احتُسِبَ” لقوة “الشيعة” و “الخميني”. ومنها شهد العالم لأول مرة ولادة دولة “الولي الفقيه” التي تعطي للولي صلاحيات مطلقة لم يتمتع بها أي إنسان في العالم»، وفقَ “عصام”.

«الثورة الإسلامية» حسب “عصام” وهو الباحث في “التاريخ السياسي العراقي”، «حرّكت “الإسلام الأصولي” في العالم وخاصة في الدول الإسلامية، وحتى العراق تجده في التسعينيات أطلق حملة إيمانية كان من ثمارها تنشيط “الوهابية” في البلاد وقتها».

«بشكلٍ عام نستطيع القول، بأن الانجذاب للإسلام والأحزاب الإسلامية صار أقوى، بفعل الدعاية والنشر لهذا الفكر، من كتب، مجلات، صحف، ومساجد»، كما يقول “عصام”.

وفق “صفاء صبحي”: «نحن حتى الآن نعيش فورة صعود هذا التيار ليس فقط في العراق، إنما في عموم المنطقة، ولو جرت انتخابات حرة ونزيهة في معظم دول المنطقة، لكنا شهدنا صعود الأحزاب الدينية وبفارق كبير».

 

الدكتاتوريات المتعاقبة

«الشيوعيون الذين عقبوا الحقبة الملكية، تجدهم لا يجدون الوطن إلّا في #الاتحاد_السوفيتي و #الصين الشعبية»، حسبما ورد في الصفحة (20) من كتاب (قيامة أكتوبر).

بالتالي أدّت «اندفاعاتهم ومعاركهم ضد خصومهم لصعود ندّهم الآخر “القوميين” أو #حزب_البعث، وهؤلاء لا يجدون الوطن إلّا في وحدة #مصر و #سوريا والعراق»، يذكر المؤلف في الصفحة (21) من الكتاب.

(حزب البعث) له تأثيرٌ مهم، حسب الباحث السياسي، “صفاء صبحي”، لأن «الديمقراطية أقحمت في العراق بعد عقود من الدكتاتوريات المتعاقبة لـ “البعث”، وهذه الدكتاتوريات المتعاقبة جرفت الحياة السياسية، ولم تتح الفرصة لبناء تيار ثقافي ديمقراطي يوازي التيار السياسي الديمقراطي».

 

حربٌ طائفية، وتكريسٌ للهيمنة الدينيّة

لكن، هل يمكن أن تكون هذه الأسباب فقط هي من أدّت لصعود الأحزاب الإسلامية وفشل نظيرتها المدنية؟ هل الأسباب تنحصر في نتائج “الثورة الإسلامية” و”دكتاتورية البعث” تجاه “الإسلاميين” الذين جاؤوا لحكم العراق بعد 2003؟

«ثمة أسباب أخرى يُمكن تأشيرها، منها التشويه المتعمد لمفاهيم الدولة المدنية العلمانية لدى قواعد الناخبين الذين تحرّكهم المشاعر الدينية وليس المصلحة السياسية، فأمست العلمانية نظيراً للكفر والاستبداد»، يقول “صبحي”.

يُردف: «إضافة إلى أن النظام الديمقراطي في العراق صُمّمَ خصيصاً لتكريس هيمنة التيار الديني على حساب بقية التيارات، ابتداءً من الدستور وانتهاءً بقانون الانتخابات ومروراً بقانون المفوضية العليا للانتخابات».

سببٌ آخر يطرحه “أمين عصام”، وهو “الحرب الطائفية” بعد 2003، فـ «”الشيعة” كانوا يريدون حكومة شيعية، و “السُنّة” كانوا يشعرون بضياع الحكم منهم، فتحوّلوا إلى مقاومة “شريفة، وغير شريفة” في آن»، حسب قوله.

«لذا تجد الناس انقسمَت في المجتمع بشكلٍ أفقي بين قطبين (شيعي، سني)، والنتيجة “حربٌ أهلية” أكلت الأخضر واليابس، وفي ظل “الحرب الأهلية”، لا وقت للحديث عن العقلانية، لذلك ظلَّت الأحزاب العلمانية واليسارية تندب حظّها في مجتمع يأكل بعضه بعضاً»، وفقاً لـ “عصام”.

 

القشّة التي قصمَت الظَهر

بالنظر إلى العملية السياسية في عراق ما بعد “صدّام” والتي استحوذ عليها #الإسلام_السياسي، كانت هُناك فئات رافضة لاستحواذ “الأحزاب الإسلامية” على العملية السياسية، تلكم الفئات واظبت منذ 2011 على حراك لم ينضب البتة، وآخره “حراك أكتوبر”.

الكاتبة والناشطة السياسية العراقية “أمل الجبوري”

لكن، لِمَ لَمْ تصعد هذه الأحزاب المدنية في ظل حراك خرج ضد نظيرتها الإسلامية؟ هل ثمة انعدام للثقة ما بين الحراك وهذه الأحزاب المدنية؟ أم أن السبب في الأحزاب نفسها، ولم تنجح في بناء وإنتاج مشاريع تجعلها تجذب الحراك والمجتمع لها وينتخبها؟

«الأحزاب العلمانية لم تفلح في إقناع الناس بأهمية الدولة المدنية»، وفق “عصام”، الذي يُضيف: «والمصيبة “البروليتاريا” تتبع #مقتدى_الصدر وتترك #الحزب_الشيوعي الذي ينادي منذ التأسيس: “يا عمال العالم اتحدوا”. تخيّل الجمهور المستهدف “الكادحين” من قبل “الحزب الشيوعي” يُصلّي خلف “مقتدى”».

«هُنا يمكن تفسير فشل الحزب الشيوعي»، حسب “أمل الجبوري”، التي تقول: «بدل أن يقوم بإعادة إنتاج نفسه بطريقة تجذب الناس التي يستهدفها “الكادحة” له، راحَ خلف الناس التي يريد استهدافها التي تتبع “مقتدى” فتحالفَ مع #سائرون التابعة لـ “الصدر”، وهُنا كانت “القشّة” التي قصمت ظهرَ البعير».

“الجبوري”، وهي كاتبة وناشطة سياسية، تقول لـ (الحل نت)، إن «مجرّد التماهي ولَو قليلاً في لعبة التحالفات مع مجموعة أو كيان سياسي “ميليشياوي” لا يمكن. له أن ينتج دولة  فيها القوانين والحقوق مصانة، فهذا هو الفشل، لذا كان تحالف “الشيوعيين” مع “الصدر” ميتاً؛ قبل ولادته أصلاً».

 

«لسنا وحدنا.. الأحزاب الأخرى تتحمّل»

“الحزب الشيوعي”، كان قد تحالف في شتاء 2018 مع #سائرون وهي كتلة “إسلامية”، يتزعمها رجل الدين #مقتدى_الصدر وحصدت المقاعد النيابية الأكثر في انتخابات العام ذاته، لكن السؤال: لماذا يتحالف حزبٌ مدني مع حزبٍ إسلامي؟ ما الهدف منه؟ هل ثمة إيجابيات تحقّقت في هذا التحالف؟

«الحراك المدني الذي كان في #العراق في 2015، كان له دور في هذا التحالف، إذ انخرط #التيار_الصدري مع الحراك وقتها، وشاركنا ذات الطموحات والمبادئ الطامحة للنهوض بالبلاد من مستنقع الفساد، بالتالي جاءت فكرة التحالف معه لتكوين كتلة متنوعة عابرة للطائفية، وفق مشروع وطني»، يقول “حسين النجار”.

القيادي في الحزب الشيوعي العراقي “حسين النجار”

يُضيف، وهو القيادي في الحزب الشيوعي: «كنا نبحث عن أي أمر يمكنه تحقيق فكرة القضاء على هيمنة الأحزاب التي ترفض مشاركة الأحزاب المدنية معها في العملية السياسية، والتي تحاربنا بوساطة المال الفاسد، وإعلامها، بالتالي لا بد من إيجاد تحالفات لكسر حاجز هيمنة تلك الأحزاب، و”سائرون” كان الأقرب وتوجهاتنا من بين البقية».

«ليس “الشيوعي” وحده من تحالف مع “سائرون”، ثمّة أحزاب مدنية أخرى تحالفت معه في وقتها، لذا نرفض أن يتم إخضاع فشل الأحزاب المدنية في مُجاراة نظيرتها الإسلامية كله على تحالفنا مع “سائرون”، الأحزاب المدنية الأخرى مسؤولة عن هذا الفشل، لعدم توحدها، واختلاف زعاماتها»، يؤكّد “النجار”.

يلفت خلال حديثه لـ (الحل نت) «بعد احتجاجات أكتوبر، لم يعد لهذا التحالف أي وجود، كانت مواقفنا واضحة من العنف الذي تعرّض له الشارع، ولم نصمت كما صمَتت “سائرون”، اختلفنا معها، عندما وجدنا أقوى مركز “البرلمان” قد سكت مع ما جرى إبّان الاحتجاجات، ولم يحرّك ساكناً. “الشيوعي” حزبٌ عريق ولا يترك مبادئه التي أولها وآخرها الشعب».

 

الربح بمعرفة أصول اللعبة

اليوم، البعض من الجمهور يمقت الأحزاب الإسلامية، ولذا كان النتاج بخروج هذا البعض إلى الشارع في “انتفاضة تشرين” في أكتوبر 2019، فهل يمكن أن تنتعش الأحزاب المدنية بعد هذه الانتفاضة التي استمرت لخمسة أشهر ونصف في الانتخابات المقبلة؟

“صفاء صبحي”، الذي وصفها بـ «ثورة تشرين»، يقول إنها هي «وما سبقها من احتجاجات، أطلقت إنذاراً كبيراً، مفاده أن الانغلاق السياسي سيؤدي بالضرورة إلى انفجار اجتماعي قد يتطور، ويصير واسع النطاق».

«هناك دائماً فرص، وعلى الأحزاب استغلالها، فأخطاء الأحزاب الإسلامية يمكن استخدامها كذخيرة حية لكسب عقول وقلوب الناس، وهذه الانتفاضة وفّرت أعظم فرصة لهذه الأحزاب، وعليها قبضها، وما عليك سوى أن تعرف أصول اللعبة ومراكز الثقل»، يقول “أمين عصام”.

“أمل الجبوري”، التي دخلَت على الخط السياسي بعد 2003 من بوابة “المنظمات المجتمعية”، بدت مُتفائلَة كثيراً، بقولها: «إنها بداية نهاية “الإسلام السياسي”، وبداية نهاية العملية السياسية الحالية، وأعتقد أن حكومة “الكاظمي”، هي آخر الحكومات في عهد هذا البرلمان، وهذه الأحزاب وميليشياتها».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة