كانت الساعة 8.19 مساءً في السادس من الشهر الجاري، عندما اُغتيل #هشام_الهاشمي في سيارته الجيب البيضاء أمام منزله في #حي_زيونة شرقي #بغداد. ويبدو أن الخبير البارز في الجماعات الجهادية ونجم القنوات الفضائية العراقية لم ينتبه لراكبي الدراجات النارية المتوقّفة على بُعدِ 20 متراً من منزله.

وبينما كان “الهاشمي” يدير سيارته نحو الباب الأمامي لمنزله، وصل راكب الدراجة النارية الأقرب إليه، وهو يغطي رأسه ويرتدي ملابس سوداء بالكامل، إلى السيارة وحاول إطلاق النار من بندقيته الآلية. ويقول ضابط شرطة كبير شارك في التحقيقات: «إن بندقية الكلاشنكوف أطلقت رصاصة واحدة فقط، لكن كان ذلك كافياً لشلّ حركة الهاشمي».

وتُظهِر لقطات كاميرات المراقبة العطل في البندقية، حيث توقف المسلح لفترة وجيزة أثناء محاولته إصلاح الخلل. وفي نهاية المطاف، قام بدلاً من ذلك بسحب مسدس من سترته، وركض نحو نافذة السائق، وأطلق عدة رصاصات نحو “الهاشمي”، وهرب.

لقد استغرق اغتيال “الهاشمي” أقل من دقيقة. وفي كثير من النواحي، كانت العملية تشبه عشرات الاغتيالات التي نُفِّذت في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية ضد الناشطين والصحفيين والمؤثرين على مدى السنوات الثلاث الماضية.

لكنها كانت مختلفة! فقد كان هذا الرجل، البالغ من العمر 47 عاماً، خبيراً في الجماعات السنيّة المتشددة في العراق، وساعد أجهزة الأمن العراقية والقوات الأميركية على تفكيك أو تحييد العشرات منها على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية.

ولهذا السبب، صنع لنفسه العديد من الأعداء. ومع ذلك، فإن القليل في وسائل الإعلام المحلية والدوائر السياسية، بما في ذلك المقربون من رئيس الوزراء #مصطفى_الكاظمي، يعتقدون أن تنظيم #داعش وأمثاله هم من يقف وراء عملية اغتيال “الهاشمي”.

وبدلاً من ذلك، وُجّهت الاتهامات إلى الميليشيات الشيعية المسلحة، لاسيما كتائب #حزب_الله، وهي منظمة شبه عسكرية قوية تدعمها #إيران وأحد أشد معارضي “الكاظمي” وأكثرهم عدوانية.

ويعتقد المقرّبون من “الكاظمي” أن مقتل “الهاشمي” لم يكن سوى نذير نحو المزيد في المستقبل وتحدياً مباشراً وشخصياً لرئيس #الحكومة_العراقية الجديد. وقالت مصادر استخباراتية: «إن المزيد من حاشية رئيس الوزراء باتوا في مرمى هدف المهاجمين».

تهديدُ وجود

يرى مستشار رئيس الوزراء العراقي، إن عملية اغتيال “الهاشمي” كانت «رسالة تخويف لـ الكاظمي وأعضاء فريقه من عصابة الكاتيوشا»، وهو لقب لكتائب «حزب الله» في إشارةٍ إلى الصواريخ التي تستخدمها هذه الكتائب لمهاجمة المصالح الأميركية في #العراق.

حيث يقول المستشار المذكور، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: «تشير الرسالة بوضوح إلى أنه يمكنهم الوصول إلينا في أي وقت، وأن الكاظمي أضعف من أن يحمي شعبه».

ومع ذلك يُصرّ مستشاران آخران لـ “الكاظمي” على أنه «من السابق لأوانه تأكيد أن كتائب حزب الله هي من تقف وراء اغتيال الهاشمي»، مفضلين بدلاً من ذلك وصف الجاني بأنه «جماعة شيعية متطرفة».

ويقول أحد هؤلاء المستشارين: «نعتقد أنهم سيستهدفون أعضاء الدائرة الداخلية لـ الكاظمي بهدف تحديه وجره إلى مواجهة تقليدية، فلديهم كل الأدوات للنصر في هذه المرحلة»، مُتابعاً: «نحن نعلم أن أسمائنا كلها في القائمة، ويجب على كل واحد منا أن يعتقد أنه هو التالي».

إن اغتيال “الهاشمي” والخطر المحدق اليوم بحلفائه، بات يشكل تهديداً وجودياً لحكم رئيس الوزراء العراقي، الذي  لم يمض عليه سوى شهرين. ويتساءل جميع مؤيدي ومعارضي “الكاظمي”، من داخل وخارج العراق، كيف سيرد؟ يشير التاريخ الحديث إلى أن الرد قد يكون تصادمياً.

من حَمَلٍ وديع إلى بُعبع

الصحفيون والسياسيون، الذين عملوا مع “الكاظمي” أو التقوا به في المنفى في التسعينيات، يصفونه بأنه «معتدل وطموح ومهذب للغاية ومستمع جيد ورجل لا يميل إلى الاصطدام باللفظ أو الفعل مع منتقديه أو معارضيه».

ويميل رئيس الوزراء العراقي الحالي إلى الاختلاط بالمثقفين والكتاب. وقد بنى سمعة طيبة باعتباره شخصاً برع في توثيق العنف ضد ضحايا نظام البعث، وتمكّن من تشكيل علاقات جيدة مع جميع الأطراف المشاركة في الصراعات المحلية والإقليمية.

ومنذ إطاحة نظام #صدام_حسين عام 2003، ظلّت خصائص هذا الرجل كما هي في الغالب، وفقاً لعدد من الزملاء السابقين الذين عملوا معه في تأسيس شبكة إعلامية عراقية مملوكة للدولة ومجلة The Weekly.

وعلى الرغم من أن “الكاظمي” ساعد في إنشاء العديد من المشاريع الإعلامية، بما في ذلك موقع #المونيتور الدولي، إلا أنه «لم يلفت الانتباه كصحفي أو كمفكر»، وفقاً لصحفي عراقي بارز عرف رئيس الوزراء منذ أيام عملهم في المعارضة ضد #صدام_حسين.

وحتى خلال فترة السنوات الأربع التي قضاها كرئيس لجهاز المخابرات العراقية، تجنّب “الكاظمي” الاشتباكات مع كل القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية أو الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران.

يقول قائد شبه عسكري شيعي مقرّب من كتائب «حزب الله»: «إن الكاظمي تمكّن من فعل ذلك، على الرغم من وجود معلومات لديه تثبت أن معظمهم متورطون في قضايا جنائية واقتصادية واستخباراتية»، وهو ما يكفي لحبسهم أو على الأقل إنهائهم سياسياً.

لكن ومنذ تولّيه رئاسة الحكومة، اتّخذ هذا الرجل، الذي كان معروفاً في السابق بالعمل بهدوء في الظل، العديد من المواقف الاستفزازية. وقد أحاط نفسه بعدد من الباحثين والصحفيين والناشطين الذين قادوا أو دعموا حركة الاحتجاج التي أطاحت سلفه المدعوم من إيران، #عادل_عبد_المهدي.

ويصف “منقذ داغر” الرئيس التنفيذي للمعهد المستقل للإدارة ودراسات المجتمع المدني ومقرّه بغداد، “الكاظمي” بأنه «خبيرٌ في لعبة الإعلام»، ولهذا السبب أحاط نفسه بشخصيات إعلامية.

ويتابع قائلاً: «إنه رجلٌ توافقي، لذلك لم يقم بأي تغييرات كبيرة في موظفي مكتب رئيس الوزراء السابق، لكنه أنشأ بالمقابل مكتباً موازياً صغيراً ضم إليه فريقه الخاص ومجموعته ومستشاريه».

ومع ذلك، فإن الفصائل المدعومة من إيران تنظر إلى دائرة رئيس الوزراء المقرّبة على أنها «معادية لها، وتسعى إلى الانتقام منها وإبعادها عن السلطة»، بحسب أحد مستشاري “الكاظمي”.

من جهتها، لم تُخفِ كتائب «حزب الله» ازدرائها للرجل الذي تُحمّله مسؤولية مقتل مؤسس الفصيل المسلح، #أبو_مهدي_المهندس، الذي قُتِل في غارةٍ أميركية بطائرةٍ من دون طيار إلى جانب الجنرال الإيراني #قاسم_سليماني في شهر كانون الثاني الماضي.

مُتجاهلةً طلب إيران لدعم – أو على الأقل ترك- رئيس الوزراء الجديد وشأنه، لم تُضيّع كتائب «حزب الله» أيّة فرصة لمهاجمة “الكاظمي” من خلال وسائل الإعلام. كما زادت من معدل الهجمات الصاروخية التي تستهدف المصالح الأميركية في #المنطقة_الخضراء في بغداد والقواعد العسكرية العراقية.

ورداً على ذلك، أمر “الكاظمي” في الشهر الماضي فرقة مكافحة الإرهاب بمداهمة أحد مقرات هذه الميليشيات واعتقال مقاتليها هناك. حيث يرى أحد قادة كتائب حزب الله «إن ذلك كان تصعيداً خطيراً من جانب الكاظمي أدى إلى تعهّد كتائب حزب الله بتلقينه درساً، لأنه تجرأ على اقتحام أحد مقارها واعتقال عدد من مقاتليها».

تأمينُ السّيطرة

بينما كان معارضو “الكاظمي” مشغولين بالتفتيش في ماضي حاشيته والتآمر لحملات إعلامية ضخمة للتشكيك في ولاءاتهم والتشكيك فيها، أحاط رئيس الوزراء نفسه بشخصيات مرموقة بعيدة عن النفوذ الإيراني. وخلال الأسابيع الستة الماضية، أصدر “الكاظمي” مجموعة قرارات زعزعت قيادة الجيش وخففت قبضة إيران على قوات الأمن العراقية.

وعيّن الفريق الركن “عبد الأمير يار الله” رئيساً لأركان الجيش، والفريق الركن “عبد الأمير الشمري” نائبا لقائد العمليات المشتركة، والفريق الركن “عبد الوهاب الساعدي” قائداً لفرقة مكافحة الإرهاب.  كما عين اللواء الركن “فايز المعموري” مديراً للمخابرات العسكرية.

غير راض عن تلك القرارات وحدها، فقد عزل “الكاظمي” #فالح_الفياض، رئيس وحدات #الحشد_الشعبي شبه العسكرية، من أدواره كمستشار للأمن القومي وفي جهاز الأمن الوطني، الذي كان يديره بالوكالة منذ العام 2009، وعيّن الفريق الركن “عبد الغني الأسدي” رئيساً لجهاز الأمن الوطني، و”قاسم الأعرجي” وزير الداخلية السابق، مستشاراً للأمن القومي.

كما رسم “الكاظمي” خطّاً واضحاً بين القوات المقاتلة من ناحية ومديرية المخابرات العسكرية والوكالة المكلفة بالتحقيق في الانتهاكات العسكرية من جهة أخرى. وفَصَلَ قاعدة بيانات وكالة الأمن القومي عن مديرية الأمن شبه العسكرية المدعومة من إيران، وأمر جهاز المخابرات بتولي قيادة أمن الاتصالات والمعلومات.

وفجأةً، بات لـ “الكاظمي” مستوى من السيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية العراقية غير المرئية منذ سنوات، واحتفظ بالقيادة الفعّالة لوكالة المخابرات التي كان قد تركها للتو.

يقول ضابط مخابرات عراقي سابق وصديق للكاظمي، طلب عدم الكشف عن هويته: «كل هؤلاء القادة العسكريين الجدد معروفون بعدم خضوعهم لتأثير الفصائل المرتبطة بإيران. الكاظمي هو أجرأ رئيس وزراء في العراق، فسرعان ما أعاد ترتيب البيت الداخلي للجيش. كل رؤساء الوزراء الذين سبقوه لم يتمكنوا من تحديد العيوب في الجيش، لكن عمل الكاظمي في المخابرات على مدى السنوات الماضية ساعده على تحديد أوجه القصور».

ويرى الضابط المذكور، أن هذه التعيينات هي فريق الكاظمي الحقيقي، واصفاً إياها بأنها حكومة عسكرية قد يستخدمها رئيس الوزراء في القريب العاجل. ويتابع قائلاً: «أما فريق الصحفيين والباحثين فقد استخدمهم الكاظمي لإلهاء خصومه. لقد ألقى بهم إلى خصومه لينشغلوا بأنفسهم، وذهب للعمل في مكان آخر دون إزعاج».

قوى خطيرة

يُحيط “الكاظمي” نفسه حالياً باثنين من أخطر القوى في العراق: الإعلام والجيش. وقد أثار ذلك خصومه، وخاصة القوى المرتبطة بإيران. ويقولون أنه يتشبّه بالرئيس الروسي #فلاديمير_بوتين، الذي كان أيضاً ضابط مخابرات، وأنه يسعى لضرب خصومه من جانب واحد أثناء وجوده في السلطة، بما في ذلك قادة الفصائل المسلحة والمقاتلين.

وقد كثّف الهجوم على مقر كتائب «حزب الله» الشهر الماضي واعتقال مقاتليه، إضافةً إلى التغييرات في القيادات العسكرية، شكوك خصوم “الكاظمي” في أنه يستهدفهم، مما أشعل التوترات. ويرى أحد مستشاري “الكاظمي” أن «اغتيال الهاشمي كان أحد عواقب هذا التوتر»، مضيفاً أن رئيس الوزراء «لا يسعى إلى محاكاة شخصية بوتين، لكنه يريد أن يكون للقانون أسنان».

ويُضيف: «وصل هذا النظام السياسي إلى حافة الهاوية ولن ينتج عنه أي شيء بعد اليوم، وبالتالي فإن الكاظمي مقتنع بأن لحظة التغيير الحقيقي قد حانت. لكن للأسف جاء ذلك في وقتٍ حرج للغاية وتزامن مع أزمة مالية حادة وانهيار كبير في أسعار النفط وجائحة كورونا القاتلة».

ويؤكّد: «إنه يسعى إلى تمكين القانون، وعلى هذا النحو، يحاول أن يضرب خصومه المسببين للفوضى التي تجتاح البلد، كلما سنحت الفرصة. لكن موارد وقدرات أنصار الفوضى لا تزال أكبر بكثير من موارد وقدرات أنصار الدولة».

 

المصدر: (Middle East Eye)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.