تزدادُ حدّة الصراعات بين أطراف الحرب السورية، وذلك قبل ما يقل عن أربعة أشهر من الانتخابات الأميركية المزمع إجراؤها خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث تنحصر المنافسة بين الرئيس الحالي دونالد ترامب، ومنافسه “الديمقراطي” جو بايدن.

ارتفاع منسوب التدخلات الروسية والتركية، وبدرجة أقل الحكومية السورية، خلال الفترة القليلة الماضية؛ كانت سمة بارزة للأحداث في المنطقة، من زيارة قائد القوات الروسية في سوريا “ألكسندر تشايكو” لقائد قوات سوريا الديمقراطية، والتي تلت تجديد الخارجية الروسية تأكيدها على دعم أيّ تفاوض محتمل بين الكُرد والحكومة السورية، وكذلك القصف التركي لعدد من مدن الشمال السوري، ومنها مدينة كوباني/ عين العرب.

بالإضافة إلى زيادة محاولات الحكومة السورية في تنظيم احتجاجات شعبية ضد الوجود العسكري الأميركي في سوريا، حيث اعترضت عدة مرات دوريات أميركية في مدينة تل تمر، وريف القامشلي الشرقي، ما استدعى رداً روسياً تمثّل في الطلب من عناصر الجيش السوري الخروج من إحدى البلدات التي شهدت احتجاجات عنفية ضد الدوريات الأميركية.

القوات التركية هي الأخرى تحاول الاستفادة من فرصة اقتراب الانتخابات الأميركية، حيث قصفت أكثر من مرة مُدناً في الشمال السوري، وكَثُرَ الحديث مؤخراً عن صفقة روسية تركيّة تتمثل في تسليم مدينة عين عيسى، وربما كوباني للقوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، مقابل سيطرة الجيش السوري على مدينة الباب، كخطوةٍ أساسية في السيطرة على كامل الطريق السريع M4 الواصل بين العراق مروراً بمحافظتي الحسكة وحلب وصولاً إلى اللاذقية في الساحل السوري.

حيث يهدف المخطط الروسي إلى إيجاد بدائل للحكومة السورية في مواجهة قانون قيصر، الذي بدأ تطبيقه الشهر الماضي، والمتوقع تشديد بنوده خلال الفترة القريبة القادمة، عبر ضم البنك المركزي السوري إلى قائمة عقوباته، وذلك وفقاً لنص القانون الذي أمهل وزير الخزانة الأميركية مدة ثلاثة أشهر لتحديد ما إذا كان “المركزي السوري” جزءٌ من آلة تبييض الأموال السورية.

كما تسعى موسكو إلى تشكيل كيانات رديفة للجيش السوري في المناطق التي تضعف فيها سيطرة الحكومة السورية، وتلك التي لا تتمتع بولاء مواطنيها لدمشق، وقد بدأت بالفعل جمع عدد من العشائر العربية التي تقف موقفاً وسطياً بين دمشق و”قسد” وبنفس الوقت ترى في موسكو خياراً مثالياً لإخراج القوات الأميركية من سوريا، وإيجاد تسوية سياسية تكون فيها موسكو الضامن الرئيسي لها.

الانخراط العميق للحكومة التركية في المستنقع الليبي، ووصولها إلى حدود مدن استراتيجية مثل (سرت والجفرة) اللّتان تُعتَبران جزءاً من الأمن القومي المصري، ما حدا بالبرلمان الليبي الموالي للّواء خليفة حفتر إلى طلب تدخّل الجيش المصري لوقف تقدم القوات الليبية بمساندة الجيش التركي، وعدد من المرتزقة السوريين الموالين لأنقرة، والدعم التركي لأذربيجان في مواجهة أرمينيا، هي ملفات تشكل نقاط خلاف مع روسيا من الممكن أن تتطور إلى حدود ربما ينفك فيها عرى العلاقة بين الجانبين.

كما أن اجتماع (أستنة) الأخير بين الدول الضامنة الثلاث، قد أرسل رسائل شديدة اللهجة إلى الإدارة الذاتية، معتبرة إياها مشروعاً انفصالياً لا يجب السماح باستمراره، وهو ما قد يُفَسَّر بإعطاء ضوءٍ أخضر لتركيا لتنفيذ عملية عسكرية جديدة مشابهة لتلك التي شنتها في عفرين ورأس العين وتل أبيض.

الاتفاق العسكري الإيراني السوري الموقّع مؤخراً في دمشق، هو حلقة أخرى في سلسلة السياسات الرسمية السورية الداخلة في الحلف الإيراني، غير آبهة في عواقب هذا التحالف، وهو ما قد يؤجل مسار الحل النهائي في سوريا، فالمطلب الرئيسي للولايات المتحدة وإسرائيل هو تحجيم الدور الإيراني في سوريا، وهو ما لم تنجح القيادة الروسية بالوصول إليه إلى الآن.

أما قوات سوريا الديمقراطية فتركز بالدرجة الأولى على استراتيجية ترتيب البيت الداخلي الكُردي سعياً إلى كسب دعم أميركي لمشروعها المتمثل بالإدارة الذاتية، والتعويل على دعم العشائر العربية لها في شرق الفرات، في مواجهة النفوذ الإيراني، سعياً لإرضاء الولايات المتحدة، التي تعلن باستمرار أن هدفها الأساسي هو منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وكذلك مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

تبدو الولايات المتحدة غير معنية بدعم أي مشروع سياسي في سوريا، وتحصر اهتمامها بالجانب العسكري وحسب، ويمكن استدلال ذلك عبر اللقاءات التي يجريها المسؤولون الأميركيون رفيعو المستوى العسكري، دون أيّ نظيرٍ سياسي لها، وما زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال (كينيث ماكينزي) إلى شرق الفرات ولقائه بالقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “مظلوم عبدي” إلّا حلقة في سلسلة التأكيدات الأميركية على اقتصار التعاون على الجانب العسكري مع الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، وترك مهمة بناء استراتيجية أميركية، من عدمها، في شرق الفرات إلى الإدارة الأميركية التي تلي الانتخابات المقبلة، في حال تجديد ولاية الرئيس “ترامب”، أو تنصيب “بايدن” سيداً جديداً للبيت الأبيض، وهو الذي أعلن أنه يؤيد بقاءً محدوداً لقواته في سوريا، والانسحاب بعد مرحلة ما، تضمن فيه تحقيق مصالح بلاده في المنطقة.

الأمر الذي يتقاطع مع موقف الرئيس الحالي، وبالتالي فإن الرهان على تغيير موقف الولايات المتحدة من الملف الكُردي السوري، وملف شرق الفرات بشكل عام، محفوف بمخاطر عدة، فتركيا مستعدة لأيّ خلل في هذه العلاقة للانقضاض على ما تبقى من مشروع الإدارة الذاتية، واستكمال مشروعها بالقضاء على القوات الكُردية في سوريا، بعد أن بدأت بعمليتها المسماة “مخلب النمر” في إقليم كُردستان العراق لقتال حزب العمال الكُردستاني في معقله الرئيسي في جبال قنديل.

حيث تهدف أنقرة إلى دق إسفين في الطرق الحيوية الواصلة بين قنديل والمدن الكُردية في تركيا، وهي تريد استغلال الفترة الحرجة قبيل الانتخابات الأميركية لتمرير مشاريعها التي لا يمكن لها تحقيقها في الظروف العادية.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.