خط الفقر الذي بات أشبه بحزام حول محافظة #السويداء، حكم على السكان بالهجرة نحو الداخل والخارج، ما جعل عدد سكان المحافظة، الذي كان نصف مليون نسمة، يتراجع كثيراً، وبالتالي تراجع النمو السكاني إلى أرقام مخيفة، تهدد استمرار الحياة في هذه البقعة من الأرض.

بلغ عدد سكان المحافظة 415444 نسمة في العام 2018، حسب “المرصد الحضري”، الذي يعتمد على عدة مصادر موثوقة لأرقامه، بعد أن توقفت مديرية الاحصاء الحكومية عن العمل بشكل شبه كامل، خلال سنوات #الحرب_السورية، وباتت أرقامها وتقاريرها غير دقيقة، هدفها الإيحاء بأن الأمور بخير، وتحت السيطرة الحكومية، فقد زاد عدد السكان عن 547498، حسب “مديرية الأحوال المدنية” في كامل السويداء، بينما الحقيقة غير ذلك تماماً.

والملاحظة الصادمة أن عدد سكان منطقة السويداء كان  أقل من الإحصاء الذي أجرته “الأحوال المدنية” بحوالي 1100 نسمة. بسبب الهجرة الداخلية الكبيرة من كافة الأرياف إلى مدينة السويداء، بقصد العمل والدراسة، وهروباً من الفقر والقحط الذي أصاب الأرض خلال السنوات الماضية، فقد بلغ عدد سكان المنطقة  242628، حسب المرصد، و241527 حسب “مديرية الأحوال المدنية”.

 

أرقام صادمة

يتوزع السكان في السويداء على ثلاث مدن هي السويداء وشهبا وصلخد، وعلى 18 بلدة، و148 تجمعاً. ويمكن ملاحظة أن خريطة القرى الفقيرة، تمتد على شكل هلال في قلب المحافظة، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: الأول قرى فقيرة، والثاني قرى فقيرة جداً، والثالث القرى الأشد فقراً. ويمتد هلال الفقر من الشمال الشرقي، ليصل إلى أقصى الجنوب، وينتهي في قرى “خازمة” و”خربة عواد” و”المغير” و”العانات”.

ويعطي التوزع الجغرافي للسكان دلائل كثيرة، فقط بلغت نسبة سكان الريف 57 % من قاطني المحافظة، بينما تركز البقية في المدن الثلاث: 34% منهم في مدينة السويداء،  و6 % في مدينة #شهبا، و3 % في مدينة #صلخد، ويبدو أن نسب السكان في هذه المدن قد زادت، وخاصة بعد هجمات تنظيم #داعش، في الخامس والعشرين من تموز/يوليو 2018، التي كان لها تأثير مهم على الهجرة من الأرياف نحو المدن، بسبب الإحساس الدائم بعدم الأمان، وهو العامل الذي بات أساسياً في إنهاك الريف والأرض الزراعية.

يؤكد المدرس “أدهم الحمود”، القاطن في منطقة #اللجاة، على الأطراف الشمالية الغربية للمحافظة، أن «هناك عوامل أخرى مكملة للنزيف الديمغرافي في المحافظة، منها الهجرة نحو أوروبا وكندا، وغلاء المحروقات، الذي جعل الموظفين يتجهون نحو المدن». ويقول إن «المؤشر الأكبر على إفراغ الريف، واتساع حركة النزوح أو الهجرة، هو أن المدارس في الريف، خاصة البعيدة منها عن مراكز المدن، باتت تضمّ  عدداً قليلاً من الطلاب، ومنها ما لا يتجاوز عدد طلابه العشرين. وهناك مدارس أقفلت نهائياً في العام الماضي، ومدارس تعاني من إحجام المدرسين عن البقاء فيها، وهي مشكلة ليس لها حل في المستقبل المنظور».

فيما يقول الناشط في المجتمع المدني “أحمد العلي” إنه «بعد الخامس والعشرين من تموز/يوليو 2018، بدأت الأصوات تعلو كي تقوم #الحكومة_السورية بمشاريع منتجة، ومحفزات لتثبيت السكان في أراضيهم، خاصة بعد أن اتضح أن أكثر من نصف سكان الريف الشرقي، الذي وقع ضحية إرهاب “داعش”، قد غادر أراضيه. لكن تلك الدعوات ذهبت أدراج الرياح، فتصدى للمهمة المجتمع المحلي نفسه، بمساعدة من المغتربين ومنظمات المجتمع المدني، ومشيخة العقل التي تبنّت فكرة إنشاء مشاريع صغيرة استثمارية وتمويلها دون مقابل، وإجراء دورات مجانية للأهالي كي يستطيعوا الإقلاع بمشاريعهم، وتسويقها. وعلى الرغم من أن هذه الجهود ما زالت في بداياتها، إلا أنها ليست كافية، خاصة أن العيش في المدن أعطى النازحين من الريف فرصة لتحسين أحوالهم، والحصول على أكثر من عمل، وتعليم أبنائهم بشكل جيد».

 

وجع الهجرة وتراجع النمو السكاني

تحتل السويداء المرتبة التاسعة مساحةً في سوريا، والثالثة عشر سكاناً، والثانية على مستوى الهجرة في العالم، حسب تقرير للصحافة الأمريكية عام 2008، وهي بالتالي المحافظة الأقل نمواً في سوريا، لدرجة أن أحد الباحثين أكد بوضوح أن «أهالي هذه المنطقة بطريقهم نحو الانقراض».

فقد بلغ النمو السكاني نسبة 12 بالألف، حسب أرقام حقيقية وغير مسيسة، وهي أدنى نسبة تصل إليها الولادات، لكن الملفت أن هذه النسبة محتسبة مع الوافدين من خارج المحافظة أثناء الأزمة، والذين اختار الآلاف منهم البقاء فيها، فبات أبناؤهم الكثر جزءاً من الإحصائيات.

وعلى الرغم من ذلك، بلغ متوسط عدد أفراد الأسرة، حسب دراسة “المرصد الحضري”، 3.85 فرداً، أي أقل من أربعة أشخاص، موزعين على 121 ألف أسرة، وبلغ مؤشر الهجرة 80% حتى نهاية العام 2018، أي أن نسبة الهجرة إلى خارج المحافظة،  حسب أرقام المرصد، تبلغ 20 % من عدد السكان.

واعتبر “أكرم القش”، رئيس “الهيئة السورية لشؤون الأسرة”، أن «نسبة النمو المتدنية عامل قوة وليس العكس، فهي تخلق أسرة متوازنة ومتعلّمة ومكتفية، وتنعكس بشكل إيجابي على المجتمع». فيما عدّها باحثون آخرون عامل ضعف، خاصة أنها تترافق مع واقع مادي وأمني سيء، وقد شهد السكان خلال السنوات الثمانية السابقة موت أو انتحار كثير من الشباب، بسبب الضغوط الاقتصادية والأمنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.