يبدو أن تصفية الحسابات بين أنصار #بشار_الأسد تتم في الوقت الذي تغرق فيه المناطق الخاضعة لسيطرة #الحكومة_السورية في أزمة سيولة مالية خانقة.

عزفت الفرقة الموسيقية العسكرية بقبعاتها الحمراء، ترنيمة في جنازة أحد كبار الشخصيات لدى السلطات السورية في شهر تشرين الأول الماطر 2013.

وبينما كانت سيارة الإسعاف المُزيّنة بأكاليل الزهور، والتي تحمل نعش اللواء “جامع جامع”، من المخابرات العسكرية، تمر عبر الجبال العلوية المطلة على #البحر_المتوسط، كان موالو النظام يطلقون الأعيرة النارية في الهواء. وتم أداء الطقوس العلوية أمام النعش المسجى بالعلم السوري في مسقط رأس اللواء “جامع” في مدينة #جبلة.

وأفادت حينها وكالة الأنباء الرسمية، بأنه قُتِل على يد “إرهابيين” خلال تأديته واجبه الوطني والعسكري في محافظة #دير_الزور، شرقي البلاد. كما بثت قنوات التلفاز الموالية لقطات من مراسم الدفن.

وتبنى كلّ من تنظيم #داعش و#جبهة_النصرة، المرتبطة بـ #تنظيم_القاعدة، وعلى الأقل جماعة مسلحة محلية أخرى عملية مقتل اللواء “جامع”. لكن مسؤولاً أمنياً كبيراً أخبر “ذا ناشيونال” أنه وبعد مرور سبع سنوات، ما زالت إدارته غير قادرة على تأكيد من كان وراء مقتل اللواء “جامع”.

وفي الشهر الماضي، أُبلِغ عن مقتل ستة من قادة النظام في الجيش والمخابرات، لكن عملية اغتيال اللواء “جامع” تظهر مدى الصعوبة المحتملة في اكتشاف ما حدث مع هؤلاء الضباط الستة.

فلم يكن لأي منهم منصب رفيع مثل اللواء “جامع”، لكن اقتصاد الحرب، إضافةً لشبكات المحسوبية الإيرانية والروسية، رفعتهم إلى السلطة والثروة بما يتجاوز ما يوحي به دورهم الرسمي، وظهورهم كلاعبين مهمين يرجع إلى التغيرات في الديناميكية الاجتماعية وهياكل السلطة في مناطق الحكومة، مدفوعةً من الداخل ومن قبل القوى الخارجية، منذ اندلاع الثورة ضد حكم عائلة الأسد 2011.

“نزار زيدان” والعميد “سليمان خلوف”

كشفت المعارضة والصحف العربية عن معظم هذه الوفيات. وأكدت مصادر رسمية سورية تقارير عن مقتل رجلين: قائد إحدى الميليشيات “نزار زيدان” والعميد “سليمان خلوف”، رئيس كلية الإشارة العسكرية في حمص.

وقالت مجموعات مؤيدة للأسد على الفيسبوك: «إن “خلوف” استشهد الشهر الماضي». حيث قالت إحدى هذه المجموعات وتدعى (سوريا حبيبتي) إن “خلوف” «قُتِل على جبهة #جبل_الزاوية، في #إدلب». وألقت المجموعة نفسها باللوم على “كلاب” ميليشيا تسمى #الفيلق_الخامس لتسببها في مقتل “زيدان” قبل أسبوعين.

وشُكِّل الفيلق الخامس من مقاتلي المعارضة السورية السابقين الذين استسلموا للنظام، ومعظمهم من جنوبي سوريا، بموجب اتفاقيات توسّطت فيها #موسكو.

وقال ضابطٌ في #الجيش_السوري مُنشق على اتصالٍ مع الفيلق الخامس: «إن الميليشيا لا علاقة لها بمقتل زيدان وأن التصفية الداخلية هي الأكثر احتمالاً».

واستبعد الضابط  المذكور أن يكون العميد “خلوف” قد قُتِل في المعارك، قائلاً: «إنه ربما مات في حادث سيارة أو من فيروس كورونا»، مشيراً إلى أن أهمية “خلوف” نمت بين الطائفة العلوية في حمص لأن ضباطه لعبوا دوراً رئيسيً في سحق الثورة.

وقد بات امتلاك قاعدة شعبية مستقلة بين الطائفة العلوية أمرٌ غير مستحب بشكلٍ متزايد بعد التدخل الروسي عام 2015، الذي أعاد مناطق كبيرة إلى سيطرة الحكومة السورية مجدداً وحسّن بشكل كبير التوقعات ببقاء الأسد في الحكم.

وربما تكون الدلائل على مقتل الرجلين في المسارات التي سلكوها للارتقاء في صفوف النظام، الأمر الذي جعلهما في نهاية المطاف عرضةً للتصفية.

الكعكةُ باتت أصغر

كان “زيدان” قائداً لميليشيا سُنيّة ملحقة بالفرقة الرابعة بقيادة #ماهر_الأسد، شقيق بشار، وهو كذلك قائد الجيش الفعلي الذي يسيطر عليه العلويون.

ومثل الفيلق الخامس ولكنه أصغر، فإن تكوين ميليشيا سنيّة هو عيبٌ رئيسي داخل الهيكل العسكري الموالي. وتتألف ميليشيا “زيدان” من مقاتلين معارضين سابقين في منطقة #وادي_بردى، شمال غربي #دمشق، والذين استسلموا للنظام في صفقةٍ ضمّنتها روسيا عام 2017.

وعلى الرغم من أن النظام اعتبر مجموعة “زيدان” حطباً لحربه، إلا أن الارتباط بالفرقة الرابعة، كان مفيداً من الناحية المادية. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذه الفرقة تشرف على العديد من حواجز الطرق المربحة في المنطقة.

لكن مثل هذه التدفقات النقدية غير المشروعة بدأت تجفّ بعد أن فُقِد الدخل من احتكار الإمدادات للسكان المحاصرين، عندما انتهت حرب الحصار على مناطق المتمردين قبل عامين وسيطر الجيش السوري على كافة المناطق في دمشق والجنوب.

كما أن السنّة الذين يساهمون في جوهر النشاط الاقتصادي اليومي، نزحوا أو فروا من #سوريا بشكلٍ جماعي، مما قلل من إمكانية ابتزاز السكان المدنيين.

من جهةٍ أخرى، أدى الانهيار الاقتصادي في #لبنان في تشرين الثاني الماضي، إلى حظر سحب الدولار من مصارف #بيروت، وتقليل تدفقات العملات الأجنبية إلى مناطق الحكومة السورية والمساهمة في تجدد انهيار الليرة السورية.

وكتب أحد ضباط النظام على الفيسبوك، أن راتبه الشهري البالغ 73 ألف و719 ليرة سورية يساوي الآن 32 دولاراً، وأنه لا يمكنه شراء أكثر من موزة واحدة في اليوم لعائلته.

وكان هذا الراتب نفسه كان يساوي 1.475 دولاراً في شهر آذار 2011، عندما بدأت الثورة السورية، و 123 دولاراً قبل الأزمة المالية اللبنانية في نهاية العام الماضي.

وبصفته سنيّاً، حاول “زيدان” تحصيل الأجور لنفسه ولمرؤوسيه من مجموعة موارد أصغر من تلك المتاحة لرؤسائه العلويين.

وبينما كان مديناً لروسيا بوضعه كأمير حرب محلي، كان يُنظر إلى الفرقة الرابعة على أنها تدور بشكل متزايد في الفلك الإيراني، مما قد يسهم في جعل منصبه في خطر لا يمكن درئه.

ويرى دبلوماسيان مقيمان في الشرق الأوسط إن “زيدان” وآخرين، ممن تواترت التقارير عن مقتلهم، كانوا على ما يبدو ضحايا لترتيب البيت الداخلي للنظام. حيث يقول أحد هذين الدبلوماسيين: «الكعكة أصبحت أصغر والمشهد مزدحم للغاية».

ما علاقة رامي مخلوف؟ 

كان الأمر الأكثر غموضاً هو وفاة العميد “خلوف”، الذي عززت الحرب سمعته بين الطائفة العلوية في حمص. ويقول المحلل السياسي السوري “أيمن عبد النور” أنه كان على ما يبدو مقرّباً من ابن خال بشار الأسد، #رامي_مخلوف. فقد اكتسب “مخلوف” الدعم بين العلويين في حمص من خلال توجيه الأموال إلى أحيائهم.

ولكن ظهر “خلاف” بينه وبين ابن عمته “بشار” في شهر أيار الماضي، حيث ظهر “مخلوف” في مقاطع فيديو يشكو فيها أن بعض فروع القوة الأمنية التي كان يمولها انقلبت عليه.

وتزامن مقتل “خلوف” مع أنباء عن اعتقال ما لا يقل عن 15 من المقربين من “مخلوف” من قبل المخابرات. وقال مصرفيون إقليميون إن الانهيار المالي في لبنان في العام الماضي أثار تدقيقاً من قبل الدائرة الداخلية بشأن وضع “رامي مخلوف” كرجل المال الأول للنظام.

وكان ذلك دوراً ورِثه عن والده “محمد مخلوف”، الذي انتقل إلى موسكو بين عامي 2012 و 2014. وقد مُنِع “مخلوف” الابن هذا العام من مغادرة سوريا وأمرت الحكومة بالاستيلاء على أمواله. لكن يُقال إن علاقاته مع روسيا كانت عاملاً رئيسياً يحميه من التصفية الجسدية.

وكان “مخلوف” لاعباً رئيسياً في اقتصاد الحرب. فقد قام بتمويل الميليشيات الموالية للنظام ودفع تعويضات للعائلات التي فقدت أفراداً يقاتلون من أجل النظام.

ويرى “عبد النور” إن “خلوف” «كان ممراً لـ رامي مخلوف للسيطرة على النظام». حيث يقول: «خلوف كان لديه شبكة بين سلك الضباط، وهو مدين بالولاء لمخلوف. وبالنسبة للنظام، هؤلاء الضباط هم قنبلة موقوتة».

من جهته، قال “محمد حلحل”، وهو رجل دين علوي، إن العميد خلوف «ضحى بروحه من أجل وطنه»، مبيناً أن «لا شيء أجمل من الاستشهاد»، مع لقطات ظهرت على صفحة فيسبوك لقريته، #تل_ترمس، شمالي حمص.

كما ألقى ضابط غير معروف في الجيش خطاباً في تأبين “خلوف”، قائلاً: إنه «كان دائماً متفائلاً بشأن مستقبل سوريا. وقد ألهم مرؤوسيه بالحب والأخلاق العالية».

سادةُ الخِداع

الغموض يحيط بوفاة أربعة آخرين من ضباط النظام، بينهم “علي جنبلاط” و”معن إدريس”، الملازمين لـ ماهر الأسد. وكان الاثنان الآخران العميد “سومر ديب”، الذي أشرف على الاستجواب في سجن #صيدنايا العسكري سيئ السمعة شمالي دمشق، والعميد “ثائر خير بك” من المخابرات الجوية.

والمخابرات الجوية، هي إدارة أمنية رئيسية يُعتقد أنها تخضع كذلك لنفوذٍ قوي من #إيران. ولم يُعثر على أي تأكيد أو إنكار لوفياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للأسد.

ويقول الضابط في المعارضة إنه من المعقول جداً أن الأربعة «تمت تصفيتهم»، بسبب الاضطرابات الداخلية في النظام.

لكن “عبد النور” يميل إلى الاعتقاد بأن الأربعة جميعهم على قيد الحياة وما زالوا نشطين داخل النظام، حيث يقول: «إن النظام يريد صرف الانتباه عن القضية الرئيسية وهي رامي مخلوف».

ومع اعتبار النظام على دراية جيدة بالخداع، قد لا يتم التأكد من أن الأربعة ماتوا أو أحياء، لاسيما أن أسماء عائلاتهم علوية. فقد كانت الوحدة بين العلويين في الأمن هي الأساس الذي قام عليه النظام منذ تولي #حافظ_الأسد السلطة في انقلاب عام 1970.

وكان سفك الدم العلوي من قبل النظام في المؤسسات العسكرية والأمنية أمراً نادراً نسبياً. وقد حافظت وحدات الجيش والاستخبارات على التماسك على مدى عقود. لكن حرب العصابات بين القوات شبه العسكرية الموالية للأسد زادت في السنوات القليلة الماضية، ولم يتردد النظام في التخلص من المعارضين العلويين غير العنيفين.

ولعل أهم شخصية أمنية علوية تعتقد المخابرات الإقليمية أنها قُتِلَت على يد النظام السوري كان صهر الرئيس العماد #آصف_شوكت. فـ ماهر الأسد، على وجه الخصوص، كان يكره “شوكت” وأطلق عليه النار في بطنه في التسعينيات. ونُقِل “شوكت” إلى فرنسا للعلاج ونجا وعاد إلى سوريا.

وفي عام 2012، أدى انفجار في دمشق إلى مقتله وثلاثة شخصيات أمنية بارزة أخرى ، كانوا أعضاء في “خلية الأزمة” لقمع الثورة السورية. وادّعت ثلاث جماعات متمردة المسؤولية حينها.

لكن مسؤولي المخابرات الإقليمية قالوا إن مقتل “شوكت” كان عملية داخلية. ووصف دبلوماسي أوروبي شوكت بأنه «كل شيء ليس بشار الأسد: كاريزمي، محبوب من العلويين ومختص عسكرياً».

كما كان العماد “شوكت” واللواء “جامع” من بين كبار ضباط الأمن السوريين المتورطين في تحقيق للأمم المتحدة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق #رفيق_الحريري عام 2005. حيث قُتِل “الحريري” في انفجار شاحنة مفخخة في بيروت مع 21 آخرين. وأدى اغتياله إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان في ذلك العام.

واستجوب محققو #الأمم_المتحدة اللواء “جامع” في #فيينا في شهر كانون الأول عام 2005 مع أربعة مسؤولين سوريين آخرين. وقاوم النظام طلبات المحققين بإرسال “شوكت” رئيس المخابرات العسكرية السورية في ذلك الوقت، إلى “فيينا” لاستجوابه.

وقد كان “جامع” القائد الفعلي للمخابرات السورية في لبنان عندما قُتِل الحريري. أما #رستم_غزالة، رئيس “جامع” الشكلي في لبنان، فقد قُتِل كذلك في دمشق في عام 2015.

وقالت قناة الميادين اللبنانية المؤيدة للأسد حينها إن “غزالة”، وهو سنّي من #درعا، توفي في المستشفى، لكن وسائل الإعلام الرسمية في دمشق لم تذكره.

وقال مسؤول استخبارات إقليمي إن “غزالة”، الذي استُجوِب في “فيينا” أيضاً، كان يتطلّع إلى الانشقاق قبل أن يقتله النظام  لكن «لم يكن أحد يريده».

وقالت وسائل إعلام النظام إن #غازي_كنعان، رئيس غزالة السابق وزير الداخلية،  قد انتحر في عام 2005 في مكتبه بدمشق. لكن قلة صدّقوا رواية النظام في ذلك الوقت.

وكان “كنعان”، وهو علوي، حاكم النظام السوري في لبنان منذ أوائل الثمانينيات وحتى أوائل العقد الأول من القرن الحالي.

ويقول مسؤول أوروبي: «على الرغم من أن التفاصيل قد لا تظهر أبداً،  إلا أنه كان يتوقع من النظام السوري الشروع في التطهير الداخلي، نظراً لأنه يعتبر أنه ربح الحرب».

وقد لا يتم الكشف عن مدى اختفاء الرموز القديمة والجديدة للنظام من المشهد، لكن هناك مقولة بين السنّة المهزومين في سوريا تقول: «فقط العلويون يقتلون العلويين».

 

المصدر: (The National)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.