يعود عمر الآثار العراقية، العائدة للطائفة اليهودية في وسط وجنوب العراق، لمئات السنين، وقد هاجر أبناء هذه الطائفة من مناطقهم مضطرين في خمسينيات القرن الماضي.

الآثار، التي تعكس ملامح حقبة مهمة من تاريخ العراق، تميّزت بالتعايش السلمي بين المكونات الدينية والاثنية المختلفة، لايزال بعضها قائماً، فيما طوى الاندثار والنسيان بعضها الآخر.

 

آثار شاهدة

من #البصرة إلى #الناصرية وصولاً لواسط وبغداد، تحتضن محافظات الجنوب آخر ما تبقى من آثار اليهود العراقيين، أبنية الخانات المتآكلة ودور العبادة، والمنازل السكنية والمقابر، جميعها تعكس، من خلال طرازها العمراني، الحياة الثقافية والدينية السائدة آنذاك.

قصص وحكايات يهود العراق لاتزال عالقة في ذاكرة كبار السن، ممن لايزالون على قيد الحياة، ففي محافظة #واسط، جنوبي العاصمة #بغداد، لا يخفي الحاج الطاعن في السن “فرهود الريس” تأثره، وهو يتذكر زميل دراسته اليهودي “عزرا”، «لا شيء منذ الصغر يفّرق بين أبناء الطائفتين اليهودية والمسلمة»، حسب تعبير “الريّس”، في حديثه لموقع «الحل نت».

وفي مدينة “الناصرية”، لايزال “خان النيدي”، الذي كان يستخدم لبيع الأصواف، قائماً، حسبما يروي المؤرخ “محمد الأسود”، الذي يؤكد لـموقع «الحل نت» أن «بقايا الشناشيل الخشبية والمباني العتيقة، في ما يسمى “سوق العصمليين”، الذي كان يعدّ أحد تجمعات التجّار وأصحاب الحرف اليهود، لاتزال قائمة إلى يومنا هذا».

ووفقاً لما يقوله المؤرخ فإن «يهود العراق تركوا في بعض المدن مقابر وخانات ومعابد يسمونها “التوراة”، تحتوي على محاريب باتجاه الشرق»، مشيراً أن «بعض الآثار اليهودية أمست بنياناً مجهولا ًبلا هوية، بعد طمس الرموز اليهودية على جدارانها».

وأُسقطت الجنسية العراقية عن اليهود، وفقاً للقانون رقم 1 لعام 1950، ورقم 12 لعام 1952، ورغم أن #الدستور_العراقي الحالي، في المادة 18 منه، حظر إِسقاط الجنسية، وأجاز استعادتها، إلا أن قانون الجنسية العراقية لعام 2016، استثنى المشمولين بأحكام هذين القانونين، ما يعني عدم موافقة المشرعين الحاليين على استعادة اليهود العراقيين لجنسيتهم.

 

علاقات ووشائج اجتماعية

رغم مرور سبعين عاماً على ترحيل اليهود العراقيين، مايزال أبناء المدن الجنوبية العراقية يتذكرون بعضاً من الشخصيات اليهودية، «”عزرا” و”عبد الله سمرة”، “مشعل”، “ميخا”، و”شاهول”، أسماء لتجّار يهود كانوا معروفين في السوق، ويمتلكون خبرة كبيرة في تجارة الأصباغ المستخدمة في صناعة السجّاد»، حسبما أكد “أحمد السعدي”، مسؤول مؤسسة “الذاكرة العراقية”.

«الصداقات والتزاور العلاقات الاجتماعية جمعت العوائل اليهودية مع نظيراتها المسلمة، في تعايش امتد لسنين طوال، وسط المدن التي يحنُّ لها من اغترب من يهود المدينة» يضيف “السعدي” في حديثه لموقع «الحل نت».

اندماج العوائل اليهودية، التي عُرفت بطيبتها، مع المجتمع الاسلامي، يؤكده الدكتور “ثامر الحكيم”، أستاذ الأديان في جامعة بغداد، الذي يقول إن «بعض الأملاك في المحافظات الجنوبية استؤجرت في ثمانينيات القرن الماضي من قبل الأهالي، ولاتزال مبالغ الإيجار تودع في حساب خاص لدى المصارف، تحت بند “أموال مجمدة”».

 

المقبرة آخر ما تبقى

وفي ضاحية “الصدر” شرقي بغداد، يرقد أربعة آلاف يهودي في مقبرة هي الأكبر من نوعها في العاصمة. ووفقاً لما يقوله “عمر البياتي”، حارس المقبرة، فإن «شخصيات بارزة ترقد فيها، من أبرزها الطبيبة الشهيرة “فيوليت شاؤل”، والطيار “ساسون”، الذي شارك في حرب 48 ضد #اسرائيل، إلى جانب خمسة أشخاص أعدموا في بغداد، لاتهامهم بالتجسس لصالح اسرائيل».

البياتي يوضح أن «العوائل اليهودية كانت تزور موتاها بشكل دائم قبيل العام 2003، لكن أفرادها انقطعوا عن هذه العادة بعد ذلك العام»، مضيفاً أن «بعض مراسم الدفن اليهودية تتشابه مع نظيراتها الإسلامية، من حيث التغسيل والتكفين، باستثناء الدفن، الذي يكون باتجاه القدس وليس الكعبة».

ولطالما امتزجت الآثار اليهودية بالمباني الإسلامية في مدن العراق، ليشكلا معاً نسيجاً عمرانياً وثقافياً واحداً، يتسم بالتنوع والتجانس في الآن ذاته، كما يؤكد كثير من المختصين في التاريخ والعمارة العراقية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.