يصادف المارة، في كل حي أو شارع أو بين الأزقة في #إدلب، عشرات الأطفال من بائعي البسكويت، الذين يطلبون من سائقي السيارات أو المارة الشراء منهم، بهدف مساعدتهم على إعالة عائلاتهم الفقيرة. ويتراوح عمر هؤلاء الأطفال بين ثمانية وثلاثة عشر عاماً، وغالبيتهم من الإناث. تنتشر هذه الظاهرة على وجه الخصوص في مدينة إدلب وريفها الشمالي، حيث يوجد كثير من المُهجّرين. وترسل عديد من العائلات أطفالها للعمل أو التسول من أجل تأمين قوت يومها، في ظل حالة الفقر الشديد التي تعاني منها العائلات المُهجّرة.

 

إعالة الأسرة

الطفل “عمار”، البالغ من العمر اثني عشر عاماً، هُجّر مع عائلته من بلدة” قلعة المضيق” بريف #حماة الشمالي، إلى بلدة “كفر تخاريم” بريف إدلب الشمالي، قبل عام وشهرين، بعد أن أصيب والده بشظية، نتيجة قصف مدفعي على البلدة، وأصبح غير قادر على العمل.

تقوم والدة عمار بإرساله صباحاً للعمل في بيع البسكويت، باعتباره الابن الأكبر للأسرة، وعند الانتهاء من بيع العلبة الأولى تقوم بشراء علبة ثانية له، على أمل أن يبيع المزيد، لتأمين قسم من حاجيات المنزل.

يقول الطفل “عمار”: «ترسلني أمي كل يوم في الساعة السابعة صباحاً، وأعود في الثامنة مساءً، أشتري علبة بسكويت وأتجول في أسواق وشوارع المدينة وعلى أبواب المساجد، حيث أطلب من المارة شراء البسكويت، فيقوم البعض منهم بالشراء، فيما يرفض البعض الآخر».

وحول المردود المادي يضيف “عمار”، في حديثه لموقع «الحل نت»: «يتراوح مدخول بيع البسكويت بين ألف وألفين وخمسمئة ليرة يومياً، أي ما يعادل دولاراً، ما يساعدني في جلب الخبز والخضار لوالدتي، في حين يقوم بعض المارة بإعطائي أموالاً دون شراء البسكويت، وذلك بهدف مساعدة عائلتي».

 

زيادة عمالة الاطفال بعد التهجير

تضاعفت نسبة عمالة الأطفال وتسولهم في الشمال السوري بعد موجة النزوح الأخيرة، عقب الحملة العسكرية الروسية على المنطقة، وذلك بسبب فقدان آلاف العائلات لأعمالها وأملاكها، وعدم وتوفر فرص العمل، ناهيك عن تخفيض المساعدات الإنسانية.

الطفلة “نورا”، البالغة من العمر عشر سنوات، وهي مهجّرة من مدينة #معرة_النعمان، يتيمة الأب منذ عامين، وتسكن مع عائلتها في مأوى، كانت #القوات_النظامية تتخذه سجناً قبل عدة أعوام، تقول لموقع «الحل نت»: «لا تستطيع والدتي الذهاب للعمل لجلب حاجيات المنزل، لعدم قدرتها على ترك أخوتي الصغار. كنا سابقاً نعتمد على المساعدات الغذائية للمعيشة، ولكن مع ندرتها ذهبت للعمل في بيع البسكويت والغزلة والسكاكر في الشوارع، بهدف تأمين مردود مالي للمنزل».

وحول العائدات المادية لبيع البسكويت توضح “نورا”: «أحياناً لا أبيع نصف العلبة، فلا يمكننا وقتها شراء الخبز، وأحياناً أحصل على مبلغ يصل لثلاثة آلاف ليرة، إذا قام أحد المارة بالتبرّع بثمن العلبة دون شرائها، ونستطيع عندها شراء قسم كبير من المواد الضرورية، مثل الخبز والخضار والسكر».

وتضيف: «في منطقة المطاعم، التي أعمل بها، يوجد ما يقارب ثلاثين طفلاً، جلّهم يقومون بالتسول، فيما يعمل القسم الباقي في بيع المعروك والسكاكر والبسكويت، لمساعدة عائلاتهم الفقيرة، رغم المضايقات التي يتعرضون لها من أصحاب المحال التجارية».

 

تسرّب مدرسي

تكثر الأسباب التي تحرم أطفال سوريا من أبسط الحقوق التي نصّت عليها الشرعية الدولية، خصوصاً في شمال البلاد، حيث تسيطر فصائل المعارضة المسلحة، فالأوضاع المعيشية المتدهورة لا تسمح بتأمين الحدّ الأدنى من احتياجات الأطفال الأساسية، في حين أنّ التعليم غير المنتظم لا يضمن لهم مستقبلاً واضحاً، بالتالي يصبح عملهم فرصةً لتحسين دخل العائلة، بينما يتعلّم بعضهم مهنة ما، على أمل أن تساعدهم في تأمين مستقبلهم، على الرغم من كلّ الإنتهاكات التي يتعرّضون لها في بيئة العمل.

يقول “فيصل السليم”، الباحث في الشؤون الإجتماعية: «بعد النزوح الأخير من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي وريف #حلب الشمالي زاد عدد الأطفال المتسرّبين من المدارس إلى أكثر من خمسين ألف طالب، قسم كبير منهم بات يعمل أو يتسول لمساعدة عائلته في المعيشة، وهي ظاهرة خطيرة، تحتاج إلى تضافر الجهود بين الجهات السياسية والمنظمات الإنسانية لمواجهتها».

ويضيف “السليم”، في حديثه لموقع «الحل نت»: «يتنوّع عمل الأطفال ما بين العمل في المطاعم والمحال التجارية وتصليح السيارات، وكذلك العمل في مواقع البناء، وبيع البسكويت في الطرقات، فيما اتخذ قسمٌ آخر التسوّل وسيلة لكسب المال، وهي ظاهرة باتت تتكاثر بشكل مرعب، مع ازدياد حالة الفقر بين المدنيين والمهجّرين في الشمال السوري».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة