مازال الكلدآشوريون، أهل الحضارات الآشورية والسومرية والبابلية في العراق، وأغلبهم من الطائفة المسيحية، يعانون التهميش والاضطهاد، مما جعل كثيراً منهم يهاجر خارج وادي الرافدين.

مأساة الكلدآشوريين ليست وليدة اليوم، فهي امتداد لمجزرة “سميل” عام 1933، في شمال العراق، التي قُتل خلالها أكثر من ثلاثة آلاف كلدآشوري من قبل الدولة العراقية الناشئة، التي قامت على أسس قومية وطائفية.

 

تاريخ التهجير

أوضح “يعقوب كوركيس”، نائب السكرتير العام لـ”الحركة الديمقراطية الآشورية”، أن «مجرزة “سميل”، ارتُكبت من قبل #الجيش_العراقي، بقيادة “بكر صدقي”، أحد كبار الضباط آنذاك، وعدد ضحايا المجزرة كان بين ثلاثة إلى خمسة آلاف شخص»، لافتاً الى أن «الحكومة العراقية استغلّت غياب “فيصل الأول”، ملك العراق آنذاك، وسفره إلى سويسرا بغرض العلاج، لارتكاب المجزرة».

وشدّد على أن «الآشوريين لم يطالبوا وقتها سوى بحقوقهم، التي أكدت عليها عصبة الامم، المانحة لاستقلال العراق، لكن كان يراد من هذه المذبحة إسكات وإخضاع بقية مكونات الشعب العراقي، وخاصة أهالي مناطق جنوب العراق، والكرد في الشمال».

ولفت إلى «نزوح نحو عشرين آلف كلدآشوري الى مدينة #الحسكة السورية، لسيطرة الفرنسيين عليها في ذلك الوقت، الذين منحوا المُهجّرين الأمان».

مشيراً إلى أن «عمليات نزوح الكلدآشوريين، أو المسيحيين عامة، وهجرتهم خارج العراق، تصاعدت مع انطلاق الحركة الكردية المسلحة عام 1961، وصراعها مع الحكومة العراقية»، معللاً ذلك بـ«وقوع مناطق المسيحيين بين الطرفين  المتحاربين، وكذلك الظلم والتمييز الذي وقع عليهم».

 

تمييز ديني وقومي في “كردستان”

وأكد “كوركيس” أن «الضرر الاكبر على الكلدآشوريين حصل بعد 2003، نتيجة الوضع الأمني. فقد هاجر العدد الأكبر منهم بعد دخول تنظيم #داعش لمدينة الموصل»، مبيناً أنه «وفق التقديرات الكنسية، كان عدد المكون الكلدآشوري قبل 2003، في عموم العراق، نحو مليون وثلاثمئة ألف فرد، والآن لا يتجاوز عددهم الثلاثمئة آلف».

وأشار الى أن «أكثر المناطق التي يتواجد فيها المسيحيون هي “سهل نينوى” بمحافظة #نينوى، وتشهد المنطقة صراعات سياسية وميلشياوية، فضلاً عن الاستيلاء على كثير من أراضي الكلدآشوريين، من قبل بعض المنتميين لحزب كردي متنفّذ في #إقليم_كردستان العراق».

وأضاف أن «وضع المسيحيين في الإقليم أفضل بكثير من أبناء جلدتهم في بقية مناطق العراق، لكن يوجد تمييز ديني وقومي في “كردستان”».

 

تمييز قانوني

من جهته تحدث “ادد يوسف”، القيادي في حركة “أبناء النهرين” (حزب سياسي مسيحي)، عما سمّاه «الظلم الواقع على الكلدآشوريين».

وقال “يوسف”، في حديثه لموقع «الحل نت»، إن «الدستور ضمن حقوق الأقليات، وفق المادة 125، لكن #البرلمان_العراقي لم يشرّع قوانين متعلقة بهذه المادة»، مشيراً إلى «وجود تشريعات ظلمت الشعب الكلدآشوري بشكل مباشر، منها تعديل قانون الأحوال الشخصية».

معتبراً «الفقرة 26/ب من قانون الأحوال الشخصية مثالاً على ذلك، فقد نصّت أنه في حال أسلم أحد الابوين، فالأطفال سيكونون مسلمين»، مضيفاً: «توجد فقرة تمنع إضافة خانة القومية الآشورية للبطاقة الشخصية، والاكتفاء بكتابة مصطلح “قومية أخرى”».

 

نرفض مليشيا مسيحية

ولفت “يوسف” الى أن «المسيحيين أصبحوا أداة صراع سياسي وعسكري بين الأحزاب القومية والطائفية، فمناطق “سهل نينوى”، ذات الكثافة الكلدآشورية، فيها ميليشيات حزبية متعددة، منها ميلشيات مسيحية».

مشدداً على «رفض وجود أي ميلشيات في هذه المناطق، بما فيها الميلشيات الكلدآشورية، فالملف الامني يجب أن يُدار من القوات العراقية».

وأشار “يوسف” إلى أن «الكوتا المسيحية، التي ذكرها قانون الانتخابات العراقي، تُستغلّ من قبل الأحزاب القومية والإسلامية، عبر إنشاء قوى مسيحية تابعة لها. يوجد الآن في البرلمان العراقي نواب عن الكوتا المسيحية تابعون للأحزاب الإسلامية، ونواب ببرلمان إقليم كردستان يعملون لصالح أحزب كردية».

 

الدستور يؤسلم للمجتمع

فيما انتقدت “باسمة يوسف”، المشرّعة القانونية الكلدآشورية، #الدستور_العراقي، الذي كُتب بعد 2003.

وقالت “يوسف” إن «الدستور يحتوي على تعبيرات إسلامية، ومواد يمكن أن تؤسلم المجتمع، وتهدد الحريات والحقوق الأساسية».

وأوضحت، في حديثها لموقع «الحل نت»، أن «المادة الثانية من الدستور العراقي نصّت على أن الإسلام الدين الرسمي للدولة، ومصدر أساسي لتشريع قوانين الدولة العراقية، وتحظر هذه المادة تشريع أي قانون يتعارض مع المبادئ الثابتة للأحكام الإسلامية».

وانتقدت “يوسف” أيضاً تسمية شمال العراق بـ”إقليم كردستان”، ورأت فيه «تهميشاً للآخر غير الكردي، وكأن الآخرين دخلاء أو ضيوف على أرض هي بالأساس مهد الحضارات السومرية والبابلية والآشورية»، حسب تعبيرها.

 

مهمات سياسية شاقة

“سعد سلوم”، الخبير في شؤون التنوّع الديني في العراق، تحدث عن «وجود ضمور هائل بالوزن الديموغرافي للمسيحيين بالعراق، وهم يواجهون تحدي البقاء، مثل الأقليات الاخرى»، حسب تعبيره.

وقال سلوم، في حديثه لموقع «الحل نت»، إن «المسيحيين أقلية منتشرة في كل انحاء العراق، لكن بسبب الوضع الأمني تمركزوا مؤخراً في مناطق محدودة»، مبيناً أن «الذين نزحوا، في منتصف القرن الماضي، من #الموصل إلى وسط العراق وجنوبه، بدأوا بالرجوع لمحافظة نينوى، وكذلك لمحافظات إقليم كردستان، بسبب الوضع الأمني».

وأكد “سلوم” أن «لدى المسيحيين خمسة مقاعد في البرلمان العراقي، وهو أكبر عدد من المقاعد نالته الأقليات العراقية، وكذلك يستلمون وزارة الهجرة بالحكومة العراقية»، مضيفاً أنهم «يطالبون، رغم ذلك، بتحسين تمثيلهم السياسي، وأن ينالوا اهتماماً أكبر، وتمكينهم من الرجوع للمناطق التي نزحوا منها. وهذا يحتاج لضبط الوضع الأمني، وإعادة إعمار البنى التحتية للبلاد، وهي مهمات صعبة، تلاقي #الحكومة_العراقية صعوبات شديدة في تنفيذها».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.