«كنّا ملاك بيوت، هلأ صرنا بالفعّالة»، يقول “أبو محمد الدمشقي”، كما يُحب أن يكنّى. مضيفاً أن «الأحوال التي مرّت به خلال الأزمة السورية، أطاحت بأملاكه، وأصبح في الوقت الراهن يعمل بـ “الفعّالة”»، وتعني جني محصول الأراضي الزراعية التي ليست ملكه، وهي مهنة شاقة، وتحتاج للتنقل من مكان إلى آخر.

منذ إعلان #الحكومة_السورية سيطرتها على مناطق جنوب العاصمة #دمشق، في مايو/آيار 2018، تحت مسمى “المصالحة الوطنية”، عانت عديد من العائلات مرارة الجوع، نتيجة خسارتها جميع أملاكها خلال سنوات الحرب، ما دفع بعضها للهجرة نحو محافظات أخرى، من أجل تأمين لقمة العيش.

 

“سهام الجوع أصابتنا”

في فترة الحرب، التي عصفت بأحياء جنوب دمشق، خلال الثمان سنوات السابقة، نجت “مريم عاطف” من القصف والمعارك، مع عائلتها المكونة من سبعة أطفال، لكنها جلّ ما تخشاه اليوم ألا تستطيع النجاة من شبح الجوع، لعدم قدرتها على تلبية احتياجاتهم.

تقول “عاطف”، التي تعيش في حي #مخيم_اليرموك، لموقع «الحل نت»، إن «هبوط قيمة الليرة السورية حدّ من قدرتنا الشرائية. خلال الحرب ذقنا أشد أنواع الألم، ولكن أن نعاني المجاعة فهذا ما لا أستطيع تحمله، وقدرتي اليوم على تلبية احتياجات أبنائي من الأكل والشرب باتت شبه معدومة».

وتضيف “عاطف”، وهي تعمل الآن مدبّرة منازل لدى بعض العائلات، أن «ارتفاع الأسعار، لم يجعلني قادرة على شراء مونة المنزل، حتى كيس الطحين أصبح شراؤه يتطلب ميزانيه شهر، لا سيما أن كل ما أتقاضاه في الشهر الواحد لا يتجاوز الثلاثين ألف ليرة سورية».

وتتابع “عاطف”: «لم أتصور في يوم من الأيام أن تصيبنا سهام الجوع، عندما كنا نسمع عن المجاعات في الدول الافريقية عبر التلفاز، لم نتوقع اجتياح الجوع لسوريا، وأن تصل بنا الأحول لعدم القدرة على شراء الأكل، وليس المواد الرفاهية والمقتنيات الكمالية، فالمال لا يدوم في البيت في هذا الغلاء الفاحش».

ومع انتشار فيروس #كورونا توضح “عاطف” أنها «لا تستطيع شراء المستلزمات الوقائية، فالكمامة يقدّر ثمنها بأربعمئة ليرة، ولاتزيد صلاحية استعمالها عن أربع ساعات، كذلك يبلغ سعر زجاجة الكحول، من الحجم الصغير، ألفين وخمسمئة ليرة، والوقاية آخر ما يمكن أن تفكر به الأسرة».

 

أبناء دمشق خارجها

تبدو الصورة غريبة لأبناء دمشق حين يغادرون المدينة التي طالما اعتزّوا بانحدارهم منها، ولكن الأغرب هو أن تنزح العائلة الدمشقية نحو المحافظات الأخرى من أجل كسب لقمة العيش، في حين تستقطب الحكومة السورية عائلات من خارج البلاد، لتوطينها في مناطق دمشق.

يقول “الدمشقي”، وهو اسم مستعار لأحد المنحدرين من حي “التضامن”، رفض الكشف عن اسمه، لموقع «الحل نت»، إن «ظروف الحياة القاسية، وخسارته لبيته في الحي، خلال المعارك عام 2018، اضطره للنزوح نحو محافظة #درعا، والعمل في جني المحاصيل الزراعية بمدينة “طفس”».

ويوضح “الدمشقي” أن «الفكرة لا تروق لعائلته، فهم كانوا سابقاً من أصحاب الأملاك، وفي الوقت الراهن يقتاتون على الأجرة اليومية التي يحصل عليها، وهي لا تكفي لإدخال أبنائه الأربعة إلى المدارس، وتلبية متطلباتهم الدراسية».

ويذكر “الدمشقي” أنه «بنعمة كبيرة، فهناك من لا يعمل نهائياً، وهؤلاء أحوالهم بـ”الويل”، فأصحاب المنازل المدمرة في أحياء دمشق لم يستطيعوا العودة إليها حتى اللحظة، ومن لديه القدرة على إصلاح منزله يحتاج إلى موافقة أمنية، من الأفرع الأمنية التابعة للحكومة السورية، والأمر يحتاج لمبالغ طائلة».

 

الشمال السوري “حلم”

«بات الشمال السوري حلماً يتوارد في أذهان كثير من العائلات الفقيرة في مختلف المحافظات، التي تقبع تحت سيطرة #القوات_النظامية، فعديد من الأهالي حاول الهروب نحو محافظتي #إدلب وحلب، ومنهم من استطاع الوصول، ومنهم من فشل»، حسبما أكد “عادل سقر”.

وأوضح “سقر”، الذي كان يعمل سابقاً في المجلس المحلي بحي “القدم”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «ارتفاع الأسعار وأجارات البيوت في المنطقة ساهم في إقدامه على النزوح نحو مناطق سيطرة #المعارضة_السورية، لا سيما أنه يستطيع هنالك العيش في مخيم، دون اضطراره لدفع أجرة منزل».

لكن ارتفاع أسعار الأجارات لم يكن الدافع الوحيد لـ”سقر” فـ«العائلات الفقيرة تطمع في النزوح نحو مخيمات الشمال السوري للاستفادة من دعم المنظمات الدولية والمحلية، إضافة لتلقي عديد من قاطنيها مساعدات نقدية، تعينهم على تلبية احتياجاتهم».

ويسترسل “سقر” في حديثه قائلاً إن «العائلة في دمشق تحتاج ما يقارب سبعين ألف ليرة سورية كي تؤمن قوتها خلال الشهر، وإن لم تكن موظفاً لدى الحكومة السورية فأنت في مأزق. ولكن الهروب نحو الشمال كان الحل بالنسبة لعائلته، التي استطاعت الوصول بعد رحلة استغرقت أسبوعين، دفع تكلفتها ما يقارب ألفاً وخمسمئة دولاراً أمريكياً، في حين أن أقاربه، وعديد من عائلات منطقته فشلوا، وأُجبروا على العودة إلى دمشق من قبل القوات النظامية».

 

المواد الغذائية بالتقسيط

«إن الحكومة السورية لا تعبأ بشكاوى المواطنين وتردي أحوالهم، فهي مشغولة بتحسين أوضاعها الخارجية، وكسب الولاء عبر تقديم مساعدات محدودة لموظفيها، كانت آخرها إعلان “المؤسسة السورية للتجارة”، في تموز/ يوليو الجاري، عن إمكانية بيع المواد الغذائية وغير الغذائية بالتقسيط»، بحسب “نور التركماني”.

وقالت “التركماني”، العاملة في وزارة التربية والتعليم بدمشق، في حديثها لموقع «الحل نت»، إن «الإعلان بدا غريبا بعض الشيء، لشموله الموظفين في الدوائر الحكومية فقط، وهو ما يدلّ على أن الحكومة عاجزة عن تقديم المساعدات للشعب، وليس لديها خطط».

وأكدت “التركماني” أن «الإعلان إشارة لتمسك الحكومة بموظفيها، لضمان استمرار أعمالها، لا سيما أن سقف القرض المطروح يبلغ مئة وخمسين ألف ليرة سورية فقط، على أن يتم تسديده خلال اثني عشر شهراً دون فوائد، شريطة إحضار العقود السنوية غير المنتهية، والعقود الدائمة للموظفين المُثبَتين، إضافة لتعهد من محاسب الإدارة وآمر الصرف بتسديد الأقساط في مواعيدها، للاستفادة من القرض المطروح».

في المقابل، وعلى الصعيد الدولي، حذّر برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، في تموز/يوليو الجاري، من أن «سوريا تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9.3 مليون شخص إلى الغذاء الكافي، في وقت قد يتسارع فيه تفشي فيروس “كورونا” بالبلاد»، مشيراً أن «عدد الأشخاص، الذين يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية، ارتفع بواقع 1.4 مليون، في غضون الأشهر الستة المنصرمة».

وذكرت “إليزابيث بايرز”، المتحدثة باسم البرنامج، أن «أسعار السلع الغذائية ارتفعت بأكثر من 200% في أقل من عام، بسبب الانهيار الاقتصادي في #لبنان المجاور، وإجراءات العزل العام التي فرضتها سوريا لاحتواء مرض “كوفيد-19″».

في حين قالت “أكجمال ماجتيموفا”، ممثلة #منظمة_الصحة_العالمية في سوريا، إنه «بعد تسع سنوات من الصراع المسلح يعيش أكثر من 90% من سكان سوريا تحت خط الفقر، البالغ دولارين في اليوم، بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة