كشفت تقاريرٌ متواترة عن صفقةٍ نفطية عقدتها #الإدارة_الذاتية في شرقي سوريا مع شركةٍ أميركية، الأمر الذي أثار جدلاً لدى ناشطين يساريين متطرفين مناهضين للولايات المتحدة اتّحدوا في مواقفهم مع جماعاتٍ معارضة لـ #بشار_الأسد ومواليةٍ لتركيا مع أخرى موالية لروسيا والحكومة السورية، في انتقاد ما يرونه «مؤامرة أميركية لسرقة النفط السوري».

و كما هو الحال مع معظم الأشياء في سوريا، فإن الواقع الفعلي على الأرض أكثر وضوحاً من الروايات التبسيطية التي يمكن العثور عليها على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى لسان المحللين الغربيين.

ففي تشرين الأول 2019، قررت #الولايات_المتحدة فجأة الانسحاب من جزءٍ من شمال  شرقي سوريا، مما مكّن تركيا من شن هجوم جديد على المناطق التي يديرها الأكراد، بدعمٍ من الفصائل المتطرفة في المعارضة السورية المسلحة.

وبذلك هاجمت تركيا ووكلائها كل من الأكراد والأقليات الأخرى وقاموا بتطهير المنطقة عرقياً، ما دفع أكثر من 200 ألف شخص إلى مخيمات النزوح ونشر الفوضى وعدم الاستقرار في منطقة شمالي سوريا التي كانت تتعافى تدريجياً من تنظيم #داعش.

وفي أعقاب حالة عدم الاستقرار هذه، ظل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، والذي درّب عشرات الآلاف من أفراد #قوات_سوريا_الديمقراطية وساعدهم بنجاح في هزيمة التنظيم، متواجداً في جزءٍ من شرقي سوريا.

وسبق لـ ترامب وأن أشار صراحةً إلى أن الولايات المتحدة ستبقى لتأمين النفط. وفي الواقع، بقيت هناك من أجل مراقبة القوات الروسية والإيرانية، ولمحاربة خلايا تنظيم داعش النائمة. وكان النفط مجرد أحد أسباب بقاء القوات الأميركية، لكنه أثار الكثير من الجدل، لأن واشنطن غالباً ما تُتّهمُ بشن “الحروب من أجل النفط”.

وكشف تقريرٌ، نشرته (المونيتور) في الثلاثين من الشهر الماضي،  أن الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وقّعت اتفاقاً مع شركة نفطٍ أميركية، وأن ذلك تم بمعرفة ومباركة #البيت_الأبيض.

لكن حقول النفط في شرقي سوريا، ليست منتجة رئيسة للبترول في المنطقة، وقد دمّرت سنوات الحرب بنيتها التحتية. إضافة إلى ذلك، فإن هناك وفرة من النفط اليوم، وأسعاره انخفضت بشكلٍ قياسي بسبب جائحة #كورونا، ما يعني أن عدداً أقل من الناس يحتاجون إلى النفط اليوم للنقل.

فعلى سبيل المثال، وقبل الحرب الأهلية السورية، كانت حقول النفط السورية تُنتج ما يقدر بـ 385 ألف برميل من النفط الخام يومياً، مقارنةً بالكويت، التي كانت تنتج حوالي 2.5 مليون برميل يومياً.

ومع ذلك، يبقى النفط نفطاً ويطمع به الكثيرون. وعلى مر السنين، فإن مجموعةً مُتنوّعة من الحالمين، والدجالين، ورجال المال، والوسطاء، ورجال الأعمال الإقليميين الفاسدين، والعشائر، والأشخاص العشوائيين، والذين يرتبطون بهياكل السلطة من دمشق إلى بغداد وأنقرة وطهران وأربيل، حاولوا جميعاً دسّ أصابعهم في شبكات تجارة النفط في شرق سوريا.

وعلى طول الطريق، كانت هناك قصص عن صفقات غامضة مع دمشق، وتهريب تنظيم داعش النفط إلى تركيا، وحتى رجال الأعمال الأميركيين والإسرائيليين الذين يحاولون الحصول على صفقات نفطية، من شأنها أن تربط قوات سوريا الديمقراطية بواشنطن وتؤدي بطريقة ما إلى أرباحٍ خيالية.

ويُقدَّر تهريب النفط الخام، على سبيل المثال عندما كان تنظيم داعش يسيطر على بعض الحقول، بحوالي 25 ألف إلى 40 ألف برميل فقط في اليوم. وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان في آب 2019،  أن 16 ألف برميل يومياً يتم تهريبها من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. كما تشير التقديرات إلى أن حوالي 8000 برميل يومياً فقط يتم نقلها إلى شمال العراق عبر شبكةٍ غير رسمية.

ومع ذلك، تبقى هذه المبالغ ضئيلة، حيث يشير الخبراء إلى أن منطقة الإدارة الذاتية يمكنها إنتاج 70 ألف برميل يومياً فقط، ويمكن رفعها إلى 125 ألف برميل مع تحديث البنية التحتية. وبالتالي فإنه ليس هناك الكثير من الأرباح التي يمكن تحقيقها مثل ما يحاول البعض الترويج لها.

وكشف السيناتور “ليندسي غراهام” أن ما هو معروف اليوم هو أن وكالة أنباء الشمال ذكرت في 31 من تموز الماضي أن قوات سوريا الديمقراطية قد «وقعت صفقة مع شركة نفط أمريكية لتحديث حقول النفط في شمال شرق سوريا».

ويبدو أن “غراهام” كشف قليلاً، وربما عن طريق الخطأ، في تعليقٍ مرتجل عن التحدث إلى الجنرال #مظلوم_عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، مشيراً إلى أنه «على ما يبدو، فقد وقعوا صفقة مع شركة نفط أميركية». وكان كلامه في الواقع على شكل سؤال لوزير الخارجية الأميركي #مايك_بومبيو.

وكان رد “بومبيو”، في اجتماع لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بأن الولايات المتحدة كانت على علمٍ بالاتفاقية وأنها ستساعد شمال شرق سوريا وسيستمر تنفيذ الاتفاق. وكانت (المونيتور) قد كشفت أن اسم شركة النفط هو (دلتا كريسنت). كما أكد مسؤولون من مجلس سوريا الديمقراطية إبرام الصفقة المذكورة.

لكن قضية صفقة النفط هذه تفتقر إلى الوضوح، لأن مكتب “بومبيو” معروف أنه يحتوي على كوادر مؤيّدة لتركيا بشكلٍ صارخ، بما في ذلك الكوادر الموجودة حول #جيمس_جيفري، المبعوث الأميركي للتحالف المناهض لتنظيم داعش.

كما أن الإدارة الأميركية مختلة للغاية عندما يتعلق الأمر بسوريا، لدرجة أنه عندما اختار ترامب المغادرة في عام 2019، لم يخبر جيفري! ولا يبدو أنه أخبر “غراهام” أو “بومبيو” أو حتى قادة الجيش الأميركي.

إن الجيش الأميركي، ولا سيما القيادة المركزية الأميركية، قريبٌ من قوات سوريا الديمقراطية ويعتبر الشراكة معها أمراً حيوياً لسحق تنظيم داعش. ولكن يبدو أن وزارة الخارجية تعمل أحياناً مع #أنقرة ضد #البنتاغون، أو على الأقل خدعته العام الماضي عندما طلبت تركيا دوريات أمنية في شرق سوريا كوسيلة لاستكشاف السبل المستقبلية للغزو.

ووسط هذه المنافسة الداخلية الأميركية للسيطرة على شرقي سوريا، يجب على أي شركة نفط تدخل في اللعبة أن تعرف أنها لا تواجه تركيا والنظام السوري الذي يسعى للغزو فحسب، بل أيضاً تهديدات تنظيم داعش والمناورات الروسية والمنافسة على الصفقات في أربيل وبغداد، بالإضافة إلى عدم الوضوح بشأن ما إذا كان “ترامب” سيعلن انسحاباً آخر للقوات الأميركية أم لا.

من جهةٍ أخرى، تسعى إيران وأتباعها في وادي #نهر_الفرات إلى التوسّع والاستيلاء على النفط. وكذلك الحال بالنسبة للمقاولين والمرتزقة الروس، الذين حاولوا بالفعل شباط 2018 الاستيلاء على أحد حقول النفط. ومن غير الواضح كيف يمكن لأية شركة دخول شرقي سوريا في ظل هذه الظروف مجتمعة، حتى مع دعم “غراهام” و”بومبيو” لعملها.

وسبق وأشار “ماثيو بيتي”، من “ذي ناشيونال انتيريست” في 31 تموز الماضي إلى أن «حقول النفط السورية لا تزال غير متطورة وتكاد تكون بدون جدوى، لأن العقوبات الاقتصادية الأميركية أعاقت الاستثمار في صناعة النفط السورية».

وقد أدت مجموعة التقارير حول صفقة النفط المفاجئة إلى الجدل على الإنترنت، حيث اتهم المعلقون اليساريون الراديكاليون والذين يدعمون دمشق، الولايات المتحدة «بالاستيلاء غير المشروع على النفط السوري».

وقدم تقرير لـ THE IRAQ Oil Report تفاصيل عمن يقف وراء شركة (دلتا كريسنت) هذه. ووفقاً لهذا التقرير، شارك ثلاثة رجال رئيسيون: أحدهم لديه خبرة ومصالح في النفط السوري، وآخر على صلة بالدوائر السياسية في واشنطن، والأخير له أسهم في شركة أمنية. وبالتالي يمكن استنتاج أن الصفقة تجمع بين الدعم السياسي الضروري والمعرفة والخبرة الأمنية.

ويبدو أن “نظرية المؤامرة” هي رواية المؤيدين للنظام، الذين يرون بأن صفقة النفط تكشف بطريقة ما عن الأجندة الأميركية في سوريا وتشوّه قوات سوريا الديمقراطية.

وكان قد طلب المجتمع الدولي من قوات سوريا الديمقراطية نفسها، التي تخلّت عنها الولايات المتحدة جزئيًا في عام 2019، مواصلة احتواء عشرات الآلاف من معتقلي تنظيم داعش في سجونها، ولكن دون تقديم أي دعم مالي للقيام بذلك.

كما أن على الإدارة الذاتية اليوم تمويل الرعاية الصحية الخاصة بهؤلاء الجهاديين وسط تفشي فيروس كورونا، حيث لا تقدم الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية الدعم.

وقد قطعت الأمم المتحدة إحدى نقاط العبور إلى شرقي سوريا بناءً على طلبٍ من تركيا ودمشق وروسيا. معزولةً ومقطوعة، ليس لدى قوات سوريا الديمقراطية أي خيار اليوم، وهي تفضّل تسويق النفط في مكانٍ ما بدلاً من اتهامها بتهريبه إلى دمشق في انتهاك للعقوبات الأميركية.

هذه هي الحقيقة الغريبة لشرقي سوريا، حيث تطالب الدول الأوروبية قوات سوريا الديمقراطية بعدم الإفراج عن معتقلي تنظيم داعش، لكنها لا تدفع لهم للاحتفاظ بهم. وتريد تركيا غزو وتدمير هذه القوات، التي تتهمها بأنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

من جانبها، تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية، ولكنها تعمل أيضاً مع تركيا ولا تريد أن ترسل الإدارة الذاتية النفط إلى دمشق. كما أن روسيا وسوريا لا تمانعان في استحواذ قوات سوريا الديمقراطية على النفط، لكنهما لا تريدان في الوقت ذاته أن تعمل هذه القوات مع الولايات المتحدة، ولن تحميها إلا إذا اندمجت في قوات النظام السوري.

وإذا باعت قوات سوريا الديمقراطية النفط لدمشق، فستعرض نفسها للعقوبات؛ وإذا قامت ببيعه بطريقةٍ أخرى، فستُتّهم بأنها أداة للأميركيين. وفي غضون ذلك، يقطع المرتزقة السوريون التابعون لتركيا باستمرار تدفق المياه إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية حتى لا يتمكن الناس من الحصول على مياه الشرب.

وليس من الواضح حتى اليوم من الذي وقّع في شرقي سوريا على اتفاق النفط هذا، وبأي بيروقراطية ذاتية مبهمة ومتعددة الطبقات سيحدث بالفعل أي نوع من الاستثمار في البنية التحتية.

وبالنظر إلى عدم الوضوح وعدم اليقين بشأن ما قد يحدث لشرقي سوريا في العام المقبل، اعتماداً على الانتخابات الأميركية وعوامل أخرى، قد تكون قصة صفقة النفط المذكورة أقل مما تراه العين.

ومن منظور قوات سوريا الديمقراطية، فإن الشيء المهم، هو أن يكون هناك طريقة لتصدير النفط وتجاوز العقوبات، فضلاً عن المزيد من الاتصالات بواشنطن. فحتى الآن، تم تهميشهم بشكل منهجي، على الرغم من أنهم شركاء عسكريون للولايات المتحدة، من أية علاقات حقيقية مع وزارة الخارجية.

حتى أن جيفري قال في العام 2018 إن مستقبل قوات سوريا الديمقراطية يكمن في دمشق، في حين سعى المسؤولون الأميركيون الذين يعملون مع تركيا؛ إلى منع ممثلي هذه القوات من المشاركة في أية مناقشات ضمن اللجنة الدستورية في جنيف أو في أي مكان آخر، كجزء من مناقشات المعارضة مع دمشق.

وهكذا، طلبت الولايات المتحدة من قوات سوريا الديمقراطية العمل مع دمشق وجعلت من المستحيل عليها القيام بذلك. ثم اتهمهم البعض في الإدارة الأميركية بالعمل مع دمشق، وبالتالي عملوا مع تركيا لإضعاف قوات سوريا الديمقراطية، بينما كان الجيش الأميركي يعمل في نفس الوقت لتقويتها.

ولا يمكن لأي شخص في قوات سوريا الديمقراطية يراقب هذا الوضع، أن يتنبّأ عمّا إذا كان دعم الولايات المتحدة لصفقة نفطية يعكس الواقع أو أنه سياسة متناقضة أخرى.

فبيدٍ واحدة، عملت الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة تنظيم داعش مع تهميشهم سياسياً. وكان عزل الأكراد اقتصادياً هو الطريقة الثالثة لتقليص قوتهم.

وإذا كانت التقارير بشأن صفقة النفط هذه دقيقة، فيبدو أنهم، وبعد أكثر من نصف عقد، قد وجدوا ضوءً في نهاية النفق.

 

المصدر: (The Jerusalem Post)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.