في مثل هذا اليوم، قبل /6/ سنوات، حدَثت أسوَأ مأساة في القرن الـ /21/ باعتراف جميع الجهات الدولية والمحلية، ومنها المنظمات الدولية والمجتمعية، إنها “الإبادة الإيزيدية”.

في (3 أغسطس/ آب 2014)، هجَمَ #داعش على قضاء #سنجار الذي تقطنه الأقليّة الإيزيدية، التابع إدارياً لمحافظة #نينوى، وقامَ بمجزرة جماعية بحق مكوّن عريق وقديم.

تعرّض الإيزيديون وقتها للتعنيف بمعظم صوره، وللقتل، والخطف، والسبي، والنسوة للاغتصاب، هذا غير تهديم القضاء وتدمير المراقد والمزارات الدينية الإيزيدية، الماثلة حتى وقتنا.

النازحون والضحايا

في آخر إحصائية لمكتب “إنقاذ المختطفين الإيزيديين” المعتمدة من #الأمم_المتحدة، ومقره #دهوك في #إقليم_كردستان، قال إن عدد النازحين منذ الإبادة هو /360/ ألف نازح.

أضاف المكتب في بيان له في (29 يوليو/ تموز) المنصرم، أن «عدد الضحايا في الأيام الأولى من جريمة الإبادة، /1293/ إيزيدي وإيزيدية، وعدد الأيتام /2745/ يتيماً من الجنسين».

الهجرة والمقابر الجماعية

«عدد المقابر الجماعية المكتشفة في #شنگال حتى الآن /83/ مقبرة جماعية، إضافة إلى العشرات من مواقع المقابر الفردية، وعدد المزارات والمراقد الدينية المفجرة، /68/ مزاراً ومعبد».

“معبد لالش” – فيسبوك

«عدد الذين هاجروا إلى خارج #العراق يقدّر تقريباً بأكثر من /100/ ألف مهاجر ومهاجرة، أما عدد المختطفين، فهو /6417/ من الجنسين، /3548/ من الإناث، و/2869/ من الذكور».

الناجون والأسرى

أعداد الناجيات والناجين من قبضة “داعش” حسب البيان، «بلغ المجموع نحو /3530/، منهم /1199/ من النساء، /339/ من الرجال، /1041/ من الأطفال الإناث، /951/ من الأطفال الذكور».

أشار البيان الذي صدر بالتزامن مع الذكرى السادسة لـ “المأساة الإيزيدية”، إلى أن «عدد الباقين والباقيات أسرى بيد “داعش”، بلغ /2887/، منهم /1308/ من الإناث، و /1579/ من الذكور».

كل تلك الأرقام، والإحصاءات، أدّت إلى اعتراف رسمي من #المجتمع الدولي بأن ما حصل مع الإيزيديين هو “إبادة جماعية”، بينما #الحكومة_العراقية لم تعترف بأنها “إبادة”، بعد.

هُزم “داعش” في 2017، وتم تحرير سنجار أيضاً من قبضته، وعادت الآلاف من العوائل إلى القضاء بعد النجاة من التنظيم، وصار تاريخ (3 أغسطس/ آب) ذكرى سنوية لاستذكار المأساة.

حكمَة الكبار

تتفاعل منصات #التواصل_الاجتماعي في كل عام مع هذه الذكرى “الأليمَة”، وفي 2017، إبّان الذكرى الثالثة للإبادة، كتبَت أقدم صحفية عراقية حتى الآن، #سلوى_زكو عن المأساة.

“زكو”، (85) سنة، قالت حينها عبر جداريتها في #فيسبوك: «أحترم كل إيزيدية تظهر أمام وسائل الإعلام لتُحدّث العالم عن محنتها ومأساة شعبها مع “داعش” وما فعله بهن».

«من يعرف شيئاً عن تقاليد الإيزيديين التي تعطي لشرف البنت قيمة عليا، سيدرك كم الشجاعة الذي تحلّت به تلك الإيزيدية وهي تتحدث عن تفاصيل ما جرى»، أردفَت “زكو”.

وأضافَت: «وسيدرك أيضاً حكمة مرجعهم الديني وشجاعته يوم أعلن أن الإيزيديات المختطفات بريئات مما جرى لهن»، مُختتمَةً: «كم نحن بحاجة إلى حكمة الكبار».

“إنَّهُن بناتي”

قالت  الناشطة “ريا عاصي” أيضاً في تعليق لها على منشور “زكّو”،  لتزيد من الإيضاح ولتقطع الشك باليقين: «ست سلوى هل علمتِ ماذا فعل شيخهم الأكبر»، وتقصد أمير الديانة الإيزيدية وقتها “تحسين بك”.

شيخهم أدخل المختطفات بعد إطلاق سراحهن للمعبد، وقال للكل: إنهن بناتي. من يرغب بالزواج من نسلي؟

«الإيزيديون مجتمع طبقي كما تعلمين، لا يبيح زواج أبناء طبقة من أخرى، وأعلى مراتبهم “البير”، وعليه أن يتزوج من “البير”، شيخهم أدخل المختطفات بعد إطلاق سراحهن للمعبد».

«وقال للكل: إنهن بناتي. من يرغب بالزواج من نسلي؟»، تحكي “عاصي”، وتُضيف: «بذلك كسر البير مقدساً وتابو كبير، وأَعلى من قيم الإنسانية. كم أحترمه وأجله وأحترمهن».

أكملَت بالقول: «السويديون يقولون: “الحرب تخلق فسحة من الحرية للإبداع رغم المأساة”. وهذا ما حصل، انعطف المجتمع الإيزيدي بالرغم من مأساته لرفع الإنسان إلى أَعلى وأَغلى مما كان».

لا وجود للعَدالَة

تلك هي من أهم اللحظات والمواقف التي صَفَّت المجتمع الإيزيدي مع بعضه البعض ضد أي قوة شَرّانيّة أرادت النيل منه، لكن ماذا عن الذي قدّمته الحكومة للإيزيديين بعد /6/ سنوات على الإبادة؟

«لم تقدم الحكومة العراقية أي خطوة لدعم المجتمع الإيزيدي يمكن ذكرها، الدعم جاء من المجتمع الدولي عبر دعم بعض الناجين من النساء والأطفال»، حسب الكاتب الإيزيدي “سامان داوود”.

«هذا الدعم جاء من خلال نقل بعضهم إلى #ألمانيا، و #كندا، و #فرنسا لتلقي العلاج، وأيضا دعم المشاريع الصغيرة في قضاء سنجار من خلال بعض المنظمات الدولية»، وفق “سامان”.

كما أن «العدالة لم تتحقق للإيزيديين، إذ لا توجد أي محكمة خاصة تخص موضوع الإيزيديين وما جرى لهم، خاصة وأن هناك من يعمل على تحويلها إلى قضية عادية»، يقول “سامان” لـ (الحل نت).

إهمال ملف الإعمار

«منذ 2014، لم نر أي أمر إيجابي، فقط الاستمرار بتهميش الوجود الإيزيدي في #بغداد، واستمرار الصراع على مناطقهم، وازدواجية الإدارة التي أصبحت أكبر عائق أمام عودة الحياة إلى سنجار».

«وإلى الآن، لا وجود لبرنامج حكومي حقيقي لإعادة إعمار سنجار، خاصة وأن البرلمان أعلنها مدينة منكوبة، لكن الملف أُهمل، مثلما أُهمل ملف معالجة الناجيات الإيزيديات»، يبيّن “سامان”.

“سامان داوود” – فيسبوك

يُضيف، أن «الخدمات سيئة في سنجار، ولا يوجد توجه لتحسينها، والأمر على حاله منذ 6 سنوات، مثلاً منذ ثلاث سنوات يتحدثون عن بناء مستشفى جديد، وإلى الآن لا وجود له».

«كما أن الخدمات العامة والصحية قليلة بحيث لا تذكر، وأيضاً (85 %) من مدينة سنجار مهدّمة، وتحتاج إلى بناء، ولا تزاب هناك مخلّفات “داعش” من الألغام والعبوات الناسفة موجودة فيها».

“مُعَلّمٌ عَظيم”

بالعودة لـ “ريا عاصي”، فإنها قالت في ذات منشور “سلوى”: «أحد الإيزيديين ليس رجل دين، بل هو إنسان بسيط قروي قليل التعليم. عادت له زوجته وطفل صغير هو ابنها».

ابنها هو قطعة منها، وسيُرَبّيه كما يربي أولادها منه؛ لأنها كانت خيمة لأولادها، وفرحَته بعودتها أكبر من أي شيء في العالم

«لكنه ابن الاغتصاب من قبل “داعش”، وعمره عام. استقبلها هي والطفل، وقال أمام الكاميرا بعد مرور أشهر من عودتها: «إن ابنها هو قطعة منها، وسيُرَبّيه كما يربي أولادها منه».

«لأنها كانت خيمة لأولادها، وفرحَته بعودتها أكبر من أي شيء في العالم»، تقول “عاصمي”، وتختتم: «أحسست بصغر حجمي أمام معلّم عظيم مثل هذا العظيم».

قوة الترابط بين الإيزيديين بعد محنتهم التي ذكرتها “عاصي”، تؤكّدها الناشطة والحقوقية “هاله الشمري” بقولها: «التعايش موجود جداً؛ لأنه لا يوجد حل آخر غير ترابطهم».

تُضيف “الشمري”، لـ (الحل نت): «شاهدت نسوَة قويات قادرات على تعدّي أي أزمة يقعن بها، ناهيك عن وجود بنات مختطفات رجعن الان، وتغلّبن على كل ما مر بهن بشجاعة وقوة».

التحسّن المَرجو؟

لكن قُبالة ذلك الترابط، لا وجود لما يحقّق الطمأنينة من الحكومة حسب “هاله”، التي تذهب بانتظام لإغاثة العوائل الإيزيدية التي تسكن المخيّمات في دهوك بكردستان العراق.

تقول: «أنا لا أتكلم بسوداوية، لكنها الحقيقة. كل مرة أذهب بها إلى المخيمات، لا أجد التغيير أو التحسن المرجو. النساء هن من يعالجن أنفسهن بذاتهن ويُطبّبن على جراحهن العميقة».

“هاله” مع طفلة إيزيدية ناجيَة من يد “داعش” – فيسبوك

«هُن من يتولَّين معيشتهن. المعاناة تكمن في المعيشة بخيمة  بكل فصول السنة. تخيل نفسك لسنوات وأنت بخيمة هي بيتك، وهي الملجَأ لك وأطفالك. لا خدمات، ولا تعليم، ولا وضع صحي».

تلفت في حديثها، إلى أن «عوائل كثيرة، بخاصة النسوة والأطفال، بأمَس الحاجَة لعلاج نفسي، يستمر لوقت طويل، ليس وفق برامج تنتهي بوقت معين مع انتهاء برنامج المنظمات المدنية».

فقدان الثقَة

العوائل التي لا تزال في المخيمات ولم تعد لسنجار في #الموصل، «هو أمر سلبي»، حسب مدير المكتب الإعلامي لأمير الديانة الإيزيدية في العراق والعالم “نصر حاجي”.

«لأن ذلك يعني فقدان الأرض في المستقبل. هذا غير تفكير الكثير بالهجرة للبحث عن ملاذ آمن بعد الذي حصل لهم. لقد فقد المجتمع الإيزيدي الثقة بالآخر ولربما يحتاح لوقت طويل لتعود له الثقة».

«السبب في فقدان الثقة كذلك، هو غيات التعويض الذي لا يتناسب مع حجم الإبادة نهائياً، لأن الغالبية العظمى من الإيزيديين لم يتم منحهم أي تعويض يذكر».

“مَطالبٌ شرعيَّة”

يقول “حاجي” لـ (الحل نت)، إن «الحكومة العراقية في واد، والإيزيديين في واد آخر. نرجو منها أن تكسر جمودها، وتتحرّك بجديّة للبحث عن أسرى الإيزيديين الذين في يد “داعش” حتى الآن».

السويديون يقولون: الحرب تخلق فسحة من الحرية للإبداع رغم المأساة. وهذا ما حصل مع الإيزيديين

يقول: «ما يطلبه كل إيزيدي اليوم، مطالب شرعية، وهي مسألة الاعتراف بـ “الإبادة الجماعية”، وإنهاء حالة الصراع في مناطقنا، ومسك الأرض من قبل قوات مشتركة يكون للإيزيديين النصيب الأكبر فيها».

“نصر حاجي” – فيسبوك

«تحويل قضاء سنجار إلى محافظة تدار حصرياً من قبل الإيزيديين، وإعطاء حصة للإيزيديين في المناصب والدرجات والوظائف العليا والمهمة في البلاد، بما يتناسب مع حجمهم السكاني»، يختتم “حاجي”.

في النهاية، «ليس أمام العراق سوى الالتفات إلى هذا المكون العريق وتقديم الدعم له للحفاظ عليه، إن كان يرغب ببقائه في الدولة»، يقول الكاتب والصحفي الإيزيدي “سامان داوود”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة