مأساة الفقر والنزوح: فتَيات عراقيات يُجبرن على التسول خشيةَ العُنف الأسري

مأساة الفقر والنزوح: فتَيات عراقيات يُجبرن على التسول خشيةَ العُنف الأسري

ازدادت، منذ عام 2003، أعداد المتسولين في #بغداد، وأصبح للتسول أشكال متنوعة، مثل تنظيف زجاج السيارات وبيع المناديل الورقية أو الحلويات والزهور.

ويؤكد مختصون أنّ بغداد تحتل المرتبة الأولى في أعداد المتسولين، تليها #كركوك والبصرة، معتبرين أن هذه الظاهرة ترتبط بازدياد نسب الفقر في العراق، التي وصلت لأرقام مرعبة، لم تعرفها البلاد منذ تأسيس الدولة العراقية. كما أدت حركة النزوح، بسبب سيطرة تنظيم #داعش على بعض المحافظات، لجعل كثير من العائلات النازحة ترغم أطفالها على التسول، من أجل تأمين لقمة العيش. وأغلب المتسولين من الفتيات، نظراً لأنهن يكسبن تعاطف المارة أكثر من الأولاد.

«الحل نت» رصد قصص فتيات، لم تتجاوز أعمارهن اثني عشر عاماً، أٌجبرن على التسول لتأمين بعض الأموال لعائلاتهن، وخوفاً من التعنيف الذي يتعرضن له.

 

تحت أشعة الشمس الحارقة

“سارة”، اسم مستعار لطفلة لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها، روت تجربتها قائلة: «لا أريد أن استمر بالتسول، لا أريد أن أترك مدرستي، ولا أريد أن أتعرض للإهانة من الناس».

تتابع “سارة” في حديثها لموقع «الحل نت»: «عندما كنت في التاسعة من عمري كنت أرى والدي يعامل أخي بعنف كي يرغمه على التسول في الشوارع، وكان دوماً يقول لي إنني سأمارس التسول مع أخي يوماً ما، وها أنا اليوم أبيع المناديل الورقية، ولا أستطيع العودة المنزل إذا لم أجمع مبلغاً لا يقلّ عن عشرة آلاف دينار».

وتضيف: «طلبت من والدي أن أكمل دراستي، لكنه رفض. أبي لايعمل، فهو يجمع ما نحصل عليه أنا وأخي من مال، ويشتري به الكحول، وقليلاً من الطعام للعائلة».

لم تكن “سارة” وحدها من تعرّض للتعنيف والضغط للإجبار على ممارسة التسول، والعمل في شوارع بغداد تحت أشعة الشمس اللاهبة، في درجة حرارة تجاوزت الخمسين درجة مئوية، الطفلة  “منال” تسرد بدورها لـ«الحل نت» ما تعرّضت له من والدتها: «توقظني أمي منذ الساعة الخامسة فجراً، وتجبرني على التسول في الشوارع بين السيارات، ولا تخشى عليَ. وعندما أخبرها أني أتعرّض للمضايقة وأشعر بالتعب، تبرحني ضرباً، وتعاقبني بالحبس، وتمنع عني الطعام والماء، لذلك أنا مجبرة على التسول، وتحمّل الحر الشديد» .

أما “طيبة”، اسم المستعار لفتاة أخرى لفتاة تعمل بالتسول، فتقول: «كان أبي يصرخ بنا دائماً، ويعامل والدتي وكأنها خادمة له، ويجبرني أنا وأختي على بيع الماء، والتسول أحياناً. ذات يوم لم أتمكّن من الحصول إلا على قليل من المال، عدت إلى المنزل، وأخبرته أني متعبة ومريضة، ولم أستطع الحصول إلا على هذا المبلغ، فأحضر العصا، وبدأ بضربي حتى فقدت الوعي».

 

ماذا يقول القانون العراقي؟

القانوني “أمير السامرائي” أكد أن «القانون العراقي عالج مشكلة التسول والاستجداء من عدة جوانب، إلا أن القوانين لم تطبّق بشكل فعلي، بسبب الظروف التي يمرّ بها العراق، وغياب الأجهزة الرقابية والتنفيذية».

ويضيف “السامرائي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «تقادم هذه القوانين، وعدم سن قوانين وتعليمات جديدة، أفرغها من كل فاعلية أو أهمية، كما أن تعاطف الرأي العام مع ظاهرة التسول ساهم في عدم تفعيل هذه القوانين».

من جهتها قالت المحامية “إيمان السعدي” لموقع «الحل نت» إن «قانون العقوبات العراقي لا يكفي وحده لمواجهة هذه الظاهرة، وذلك لعدم احتوائه على عقوبة مشددة، تحقق ردعاً حازماً لمن يجبرون الأطفال على التسول، لاسيما أن التحقيقات تكشف عن عصابات تقف وراء أغلب المتسولين، تتولى توزيعهم في الشوارع، وتجمع ما يحصّلونه من أموال، مقابل توفير مأوى لهم».

 

انتهاك لحقوق الإنسان وإتجار بالبشر

الدكتورة “نوال محمد”، الاخصائية الاجتماعية، أكدت أن «تسوّل الأطفال بين السيارات والمارة، له تبعات نفسية واجتماعية، بسبب ما يتعرّضون له من إهانات واعتداءات، كما أنهم معنّفون حتى في منازلهم، ويفتقرون إلى أجواء الأسرة الحقيقة».

وتشير “محمد”، في حديثها لموقع «الحل نت»، إلى أن ذلك يؤدي إلى «نشأة جيل كامل يعيش على هامش الحياة، ما قد يدفع بكثير من أفراده للانحراف».

#ياسر_اسماعيل، رئيس مركز “نايا للتدريب الإعلامي”، يرى أن «استغلال الأطفال من قبل أولياء أمورهم، وإجبارهم على التسول، أمرٌ ينعكس على المجتمع بشكل عام، فاستغلال الأطفال وتعنيفهم يعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان».

ويضيف “اسماعيل”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «على #الحكومة_العراقية الحد من تلك الممارسات، من خلال سن قوانين تلزم أولياء الأمور باحتضان أولادهم وتعليمهم وعدم استغلالهم، إضافة إلى معالجة الأسباب  التي تدفعهم لذلك، وعلى رأسها الفقر والبطالة والنزوح»، مشدداً أن على «منظمات المجتمع المدني القيام بدورها للحد من هذه الظاهرة» .

من جهتها تقول الإعلامية “غفران سالم” إن «علاج ظاهرة التسول يستلزم تشديد العقوبات، وكذلك توفير دور إيواء للأطفال، ورفدها بالكوادر المختصة والباحثين والنفسيين».

مضيفة في حديثها لموقع «الحل نت»: «يجب أيضا تشديد الإجراءات ضد ذوي المتسولين، أو من يجبرونهم على التسول، وفق أحكام قانون الاتجار بالبشر، وليس مجرد تطبيق أحكام قانون العقوبات الاعتيادي».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.