لم تسلم مدينة #الحسكة، التي تبعد ثمانين كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، من نيران الحرب التي شنّها #الجيش_التركي، والفصائل السورية الموالية له، على مناطق شمال شرقي سوريا، في تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت. فعلى الرغم من بعدها الجغرافي عن المناطق المستهدفة، إلا إنها عانت  من آثار تلك الحرب، فاستقبلت المدينة، ذات الموارد الضعيفة، موجة نزوح كبيرة من المناطق التي سيطرت #تركيا والفصائل عليها، وما زاد الطين “بلّة” هو قطع المياه عن المدينة، التي يقطنها أكثر من نصف مليون نسمة، من قبل الفصائل المسيطرة على مصدر المياه الرئيسي، وهو محطة ضخ “علوك” في ريف مدينة #رأس_العين، في ظل غياب بدائل استراتيجية كافية، تغطي الحاجة المتزايدة للمياه في فصل الصيف.

المدنيون ضحايا للحسابات السياسية والعسكرية

تعالت أصوات دولية مستنكرة ومحذِّرة من خطورة قطع المياه، في ظلّ الحاجة الماسّة إليها، خاصة في ظرف انتشار فيروس #كورونا.

وقالت “فران إيكيثا”، ممثلة منظمة #اليونسيف في سوريا، في آذار/مارس المنصرم، إنّ «استخدام مرافق المياه والمياه لتحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية أمر غير مقبول».

ولعبت القوّات الروسية العاملة في المنطقة  دور الوسيط لحل الأزمة، وأفضت اتصالاتها مع الجيش التركي إلى عودة ضخ المياه من “علوك”، إلا أن قطع المياه عن الحسكة تكرّر عدة مرّات بعد ذلك التدخّل.
يرى السياسي “أكرم حسين”، في حديثه لموقع  «الحل نت»، أن «تركيا لها غايتان من قطع المياه عن مدينة الحسكة، إحداها الحصول على الكهرباء من مناطق #الإدارة_الذاتية لمناطق رأس العين وتل أبيض، عن طريق مقايضتها بالمياه، فكلما حصل عطل، أو انقطعت الكهرباء عن تلك المناطق، لأي سبب كان، تقوم تركيا أيضاً بقطع المياه وإيقاف ضخها من محطة “علوك”، وهي جريمة حرب يجب منعها من قبل المجتمع الدولي. أما الغاية الأخرى  فهي خلق أزمة حياتية في مناطق الإدارة الذاتية، لتأليب الرأي العام ضدها، وإظهار عجزها عن حل مشكلة المياه، إلى جانب الأزمات الأخرى».

 

حلول إسعافية

يبحث “عبد الهادي حاجو”، أحد المتضررين من أزمة المياه من سكان الحسكة، عن كلمة “صهريج” في قائمة جهات الاتصال على هاتفه، لتظهر أمامه قائمة طويلة من أرقام سائقي صهاريج المياه، ويقول لموقع «الحل نت»: «هذه كانت حالنا خلال أزمة المياه، وقد ضقنا ذرعاً باللحاق بأصحاب الصهاريج، فالمياه التي يبيعونها مرتفعة التكلفة، علاوة على صعوبة تأمينها، وعدم معرفة مصدرها. انفقت أكثر من مئتي ألف ليرة سورية على شراء المياه في الأشهر القليلة الماضية».

ويضيف: «بتنا نعاني شحاً شديداً في المياه، بعد احتلال تركيا وفصائلها  لرأس العين، وقد كانت المياه متوفرة بشكل جيد قبل هذا. الآن يتفاوت توفر المياه بين الأحياء، بعد عودة الضخ من “علوك” مؤخراً، من متوسط إلى سيء».

من جهتها تقول “سوزدار أحمد”، الرئيسة المشاركة لمديرية المياه بالحسكة، لموقع «الحل نت» إن «أيام تقنين المياه باتت تزداد، لتصل أحياناً إلى خمسة أو ستة أيام، بعد أن كانت لا تتجاوز الثلاثة أيام الصيف الماضي. تمكنّا من تشغيل محطة “علوك” بطاقتها القصوى (ثلاثون بئراً بـثماني مضخات) قبل احتلال تركيا لها، أما الآن فهي تعمل بأقل من نصف طاقتها (خمسة عشر بئراً بثلاث مضخات فقط)».

وبحسب “أحمد” فقد لجأت مديرية المياه بالحسكة «إلى ضخ المياه من سد الحسكة الشرقي لمدة خمسة وأربعين يوماً، عقب الاحتلال التركي، بوصف ذلك بديلاً إسعافياً، إلّا أن انخفاض منسوب السد حال دون الاستمرار في هذه العملية،  كما قامت المديرية مؤخراً بتزويد الأهالي بالمياه عبر الصهاريج، إضافةً إلى حفر خمسين بئراً في منطقة “الحمة”، التي تبعد أحد عشر كيلومتراً عن مدينة الحسكة، بهدف زيادة الوارد من المياه إلى المدينة».

ظهر عديد من المبادرات الأهلية والإنسانية للحد من تأثير أزمة المياه على السكان، وعلى النازحين في مراكز الإيواء المنتشرة في مختلف أحياء المدينة، وركزت هذه المبادرات على حفر آبار سطحية داخل المدينة.

وقامت منظمة “دان” للإغاثة والتنمية بتنفيذ مشروع حفر أربعة عشر بئراً سطحياً في بعض الأحياء الشمالية من المدينة، وقد صرّح مديرها التنفيذي “زوهراب سعدي” لموقع «الحل نت»: «على الرغم من عدم اختصاص منظمتنا  بمجال المياه، إلّا أننا قمنا بتنفيذ هذا المشروع بدعم من منظمة NPA، وبالتعاون مع مكتب شؤون المنظمات الإنسانية ومديرية المياه بالحسكة». ويضيف: «من المعروف أن المياه السطحية في مدينة الحسكة غير صالحة للشرب، لذا فقد كان هدف المشروع هو تأمين المياه لأغراض النظافة والتبريد من أجل التخفيف من أزمة المياه”».

 

خوف من عودة الأزمة والبحث عن حلول مستدامة

يعرب “عبد الهادي حاجو” عن تخوفّه من عودة الأزمة للظهور مجدداً، ويخطّط لحفر بئر سطحي بالقرب من منزله، لتأمين مياه النظافة لعائلته المكونة من ثمانية أشخاص، «سأقوم بحفر بئر حالما أستطيع تأمين تكلفة هذا، وإن قٌطِعت المياه مرة أخرى فسأستخدم مياه البئر لأغراض النظافة، أما مياه الشرب فسوف أضطر لشراء المعلّب منها». يقول “حاجو”.

وكانت #الحكومة_السورية بصدد تنفيذ “مشروع ريّ دجلة”، ومن أهم أقسامه جرّ المياه من نهر دجلة لتغذية مدينة الحسكة وريفها، وقد حال اندلاع الاحتجاجات السورية عام 2011 دون تنفيذه. يقول المهندس المدني “محمد أمين عرب” إن «مشروع محطة “علوك” لم يكن سوى بديلاً مؤقتاً، ريثما يتم الانتهاء من تنفيذ “مشروع دجلة” الضخم، الذي يفوق إمكانيات الإدارة الذاتية». لذا يوصي “عرب”، في حديثه لموقع «الحل نت»، بـ«الإسراع في تنفيذ “مشروع الحمة”، إضافة إلى البحث عن مصادر أخرى للمياه الصالحة للشرب، وإجراء أسبار في المنطقة الواقعة على امتداد الطريق الواصلة بين مدينة #عامودا وطريق M4 الدولي، فإن صلحت مياهها للشرب، وجب جرّها إلى أحواض التصفية بالقرب من سدّ الحسكة الشرقي، بهدف ضخّها».

وضمن مساعيها لمنع تكرار أزمة المياه في الحسكة، تخطط مديرية المياه فيها  لملء سدّ الحسكة الشرقي «إلّا أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً» وفق رئيستها المشاركة، التي لم تحدد تاريخ البدء بهذا المشروع، ومدّة تنفيذه.

بينما يقترح “أكرم حسين” تسليم محطة “علوك” لجهات دولية تشرف على تشغيلها وإصلاحها ومراقبتها، ويؤكد على «ضرورة ممارسة كل من #روسيا وأميركا ضغوطاً على تركيا، بوصفهما راعيتين للاتفاقيات التي تمت بعد عملية “نبع السلام”، ويجب أن تفضي هذه الضغوط إلى إنفاذ القانون الدولي الإنساني في تحييد المدنيين عن الحرب، بالتوقف عن استهداف المستشفيات والتجمعات السكنية، واستمرار ضخ المياه إلى الحسكة وريفها».

 

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.