موعدٌ جديد للطائرة الرئاسية للإقلاع برحلةٍ إلى واشنطن في (وقتٍ حرج)، ليس بسبب المسافة أو المخاطر الجوية أو حتى تفشى جائحة كوفيد_19، بل لأن البيت الأبيض عدّها كذلك وله في هذا الوصف أكثر من رسالة للعراق.

الكاظمي يُدرك أن هذه الرحلة لها أهمية بالغة لتحديد مستوى وإطار علاقات العراق الخارجية بشكلٍ عام، وعلى مستقبله السياسي بشكلٍ خاص، لذلك سينشغل على مدى (13 أو 14) ساعة مدة الرحلة الجوية لواشنطن دي سي، بتدوير الزوايا للملفات المحرجة التي ستناقَش معه في مكتب الرئيس، وسيكون مرهقاً بالتفكير بما يمكن أن يصل إليه من تفاهمات أو تقارب مع “ترمب” حولها، بالمقابل هناك وفدٌ وطاقم في ذات الطائرة سينشغل فقط بما أعلن عنه من ملفات في البيانات الرسمية وهو لا يدرك ما يفكر به رئيسه.

العلاقات العراقية_الأميركية منذ تسنّم الكاظمي رئاسة الوزراء، محكومة بالقنوات الرسمية والدبلوماسية، واعتمدت على أساس الفرضيات والتحليل ورد الفعل المحسوب البعيد.

الكاظمي الساعي لاستكمال صورةِ رجلِ التوازنات الصعبة، وما تحققه له من نقاط إنجاز لمنهاجه الوزاري، يعي جيداً أن هناك جهات سياسية غير راغبة بأن تكتمل صورته هذه لحساباتٍ سياسية داخلية من جانب، ولطبيعة تحالفاتها الخارجية العابرة لدائرة التوازن، هذه الدائرة التي ينظر لها الكاظمي على أنها الملاذ من أي احتكاكٍ بين واشنطن وطهران من جانبٍ آخر.

فالكاظمي سيجد دوماً القوى الخارجة عن الحياد كمصدٍ أمام أية لحظة نأي بالنفس، ومعارضة أي اقترابٍ غير مشروط، بل ستطرح القوى الخارجة عن الحياد مشاركة الكاظمي بالقرار ورسم خارطة العلاقة مع واشنطن وأيضاً الالتزام بخروج القوات الأميركية غير المشروط من العراق خلال زيارته وإعلان ذلك أمام الرئيس الأميركي.

إيران ستراقب الزيارة وما ينتج عنها، وتمتلك الكثير من أدوات الضغط والكوابح لأيِّ فعلٍ أو قرار تشعر أنه قد يهدد أمنها القومي أو نفوذها الخارجي.

وبعكسه؛ سيكون تحت خيار المساءلة البرلمانية، أو خيار الرد الصلب، من قبل جهات تضع المصالح الأميركية كهدفٍ عسكري وحيد لها، وقد يكون جزء من الرد وكإشعار قبيل إقلاع الطائرة، ذلك البارود الذي سيلتصق بها نتيجة قصف محيط المطار أو محيط السفارة، مما يهز صورة الكاظمي القادر على كبح جماح السلاح خارج إطار الدولة أمام ترمب.

إيران التي ستراقب الزيارة وما ينتج عنها من تفاهمات أو حتى اتفاقات، ستحدد من خلالها إمكانية نقل شخصية الكاظمي كرئيس وزراء من مرحلة الاطمئنان المحدود إلى مرحلة الثقة المتنامية، أو أن تتجه نحو مرحلة القطيعة معه، وهذه لها تبعات عالية الكلفة عليه، مما يجعله حذراً في حساباته ومواقفه وعباراته، فطهران تمتلك الكثير من أدوات الضغط والكوابح لأيِّ فعلٍ أو قرار تشعر أنه قد يهدد أمنها القومي أو نفوذها الخارجي.

ترمب البراغماتي سينظر إلى رئيس الوزراء الجديد (كـ شريكٍ مقرّب) على أساس قدرته على التماهي مع الإقليمية الجديدة التي يرسمها ترمب للمنطقة.

ترمب الذي يعيش الوقت الحرج والوضع المشتبك، قلق الانتخابات الرئاسية والصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، جائحة كورونا وأثرها على الاقتصادي الأميركي، التنافس مع الصين والصراع مع إيران المستمر رغم سياسة الضغوط القصوى مع احتمالية اشتباك عسكري تقوم به طهران (كثأر لمقتل سليماني) لإحراجه ما قبل موعد الانتخابات، لذلك كان تعبير البيت الأبيض دقيقاً حين وصف الزيارة بانها تأتي في وقتٍ حرج.

ترمب البراغماتي سينظر إلى رئيس الوزراء الجديد (كـ شريكٍ مقرّب) على أساس قدرته على التماهي مع الإقليمية الجديدة التي يرسمها ترمب للمنطقة أولاً، وإمكانية مصطفى الكاظمي على الحد من نفوذ إيران وحلفائها سياسياً في الداخل العراقي ثانياً، وقوته كقائد عام للقوات المسلحة على منع الفصائل المسلحة من استهداف المصالح الأميركية ثالثاً، ومقاربة الكاظمي لإعادة تموضع القوات الأميركية في قواعدها العراقية رابعاً، وهذه الملفات هي قنابل منزوعة الفتيل ومترابطة وأي خطأ؛ ستُفجّر الوضع العراقي المنفجر منذ تشرين/أكتوبر 2019.

العلاقات العراقية_الأميركية منذ تسنّم الكاظمي رئاسة الوزراء، محكومة بالقنوات الرسمية والدبلوماسية، واعتمدت على أساس الفرضيات والتحليل ورد الفعل المحسوب البعيد، لكن في واشنطن؛ سيكون الكاظمي شخصيةً أمبريقية وسيقترب بشكلٍ مباشر من سياستها وطبيعة التوجهات للمحافظين الجدد تجاه العراق أو إيران أو المنطقة، تلك السياسة التي لا تؤمن إلا بمبدأ (الدولة المقربة أو حكومة الضد).

حين يُعلن قائد الطائرة الرئاسية الهبوط في مطار (ريغان) بالعاصمة واشنطن دي سي، سيبتسم الوفد المرافق لسلامة الوصول وإمكانية تحقيق (إنجاز سيادي)، لكن لحظة نزول الكاظمي من سلم الطائرة، سيُدرك أنها الزيارةُ الأصعب.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.