الحفر السري عن الذهب في سوريا: سباق لنهب المواقع الأثرية بين الأهالي وأصحاب النفوذ

الحفر السري عن الذهب في سوريا: سباق لنهب المواقع الأثرية بين الأهالي وأصحاب النفوذ

تعتبر هواية البحث عن الثروات الدفينة الشغل الشاغل لآلاف الأشخاص، الذين وجدوا في #الحرب_السورية متسعاً لأحلام الثراء السريع، فوقع غالبيتهم بالجوع والبطالة.

يقول “بهاء سمير العلي” إنه «أمضى أكثر من أربعين عاماً في الحفر والتفتيش عن الكنوز الدفينة دون جدوى، ونادراً ما توقف عن هذه الهواية، التي أخذت منه عمره، وكلّفته ما ورثه والده، وأقصى ما حصل عليه بعض العملات المعدنية والخرز، وفوانيس جنائزية صغيرة».

وتم خلال سنوات الصراع تخريب آلاف البيوت والأماكن الأثرية، والخرب والقبور، وحتى “الرجوم” في الأرض، التي يمكن أن تكون حضارة ما مرت عليها. ويعتمد المنقبون على أجهزة خاصة، وخبراء روحانيين، وآلات كبيرة طحنت معالم الأرض، أضافة للمناكيش والأدوات البدائية.

 

مبررات المنقبين وأساليبهم

“التنقيب السري”، كما تسميه “مديرية الآثار والمتاحف” في السويداء، له مبرراته، حسب المنقبين الكثر، الذين يتهمون #الحكومة_السورية بأنها «السبب فيما وصلت إليه الأحوال، فلا هي استطاعت تأمين العيش الكريم لمواطنيها، ولا سمحت للناس بالتنقيب عن الذهب،  ومن يجد كنزاً دفيناً يتعرض للمساءلة القانونية، حتى لو كانت الأرض، التي وجد الكنز بها، ملكاً له، رغم وجود قانون واضح يقضي يحصول المُنقّب على 20% من الكنز الدفين، في حال كان حاصلاً على موافقة من وزارة الثقافة».

يتحدث “حمزة”، اسم مستعار لخبير في البحث عن الثروات الدفينة، لموقع «الحل نت»، عن الأجهزة وأدوات التنقيب المتعارف عليها للعامة: «هي أربعة أجهزة: تقليدية، إلكترونية، سياخ نحاسية، والبندول من زمن الفراعنة، الذي لم يُجرب بعد بطريقة صحيحة، فضلاً عن الاستعانة بخبير روحاني».

«أكثر ما يرعب الباحثين عن الذهب  كلمة “الرسد”، والتي تعني المجهول المطلق الذي لم يره أحد يوماً، لكنه تحول مع الوقت إلى بعبع يخترعه البعض ليرتدع الراغبون بالحفر، وهو الجن الحارس للمال أو الذهب، الذي يظهر على شكل مارد أسود كبير، أو أفعى، ومن ميزاته أنه لا يدعك تقترب من المدفن أو الذهب الذي يحرسه منذ مئات السنين، لكنه بقدرة قادر لا يظهر لضباط #القوات_النظامية، الذين يقومون بعمليات التنقيب. “الرسد” لا وجود له إلا بعقولنا، ونحن اخترعناه لكي نغطي على فشلنا، ليس فقط بالتفتيش عن الكنوز، بل بكل مجالات الحياة». يقول “حمزة” بكثير من السخرية المريرة.

 

تدمير الإرث الحضاري

من جهته يطالب “بيليوس المرمدي”، اسم مستعار لمنقّب وناشط مدني، بـ«تعديل كل القوانين التي تخصّ الآثار والتنقيب، وخاصة تلك التي تقول إن كل شيء فوق الأرض وتحتها ملك للحكومة، فأنا بوصفي مواطناً لي الحق بهذه الكنوز، كون أهلي وأجدادي أورثوني إياها بالتتابع العرقي والجيني. نحتاج قانون يشرّع التنقيب للأفراد، ضمن شروط تضمن الحفاظ على الإرث الأثري، وعدم تهريبه خارج حدود البلاد»، حسب تعبيره.

وتطرق “المرمدي” إلى «ما جرى في محافظة #السويداء، من تخريب منظّم لمعالمها الأثرية بواسطة الحكومات المتعاقبة، وأفراد لا يمكن المساس بهم، ومنها قلعة #صلخد، التي نُهبت فيها أكبر مقبرة قديمة، واختفت كل محتوياتها، وسط صمت مدوي من كل المسؤولين المحليين، الذين لا حول لهم ولا قوة».

ويضيف: «تعتبر مدينة السويداء القديمة من أهم المعالم الأثرية، التي ما زالت معالمها مطمورة تحت الأرض، ونهبت محتوياتها وكنوزها الخفية، وخاصة الكنائس والمدرج الروماني و”بيوت بكر”، ومقابر أثرية اشتركت في نهبها جهات عدة. بعد أن تم العمل على شق الطريق المحوري (أكبر طرق المدينة)، الذي يتوضع فوقها. وحتى اللحظة هناك أماكن الاقتراب منها ممنوع،  ما يعني طمس الهوية الأثرية للمدينة. فضلاً عن إعطاء رخص بناء وسط المدينة القديمة دون مراعاة لخصوصيتها. وهذا الأمر ليس جديداً، فقد حاول كثيرون مقاومة هذا التخريب منذ الثمانينات، وهناك دعاوى قانونية في المحاكم ضد دائرة الآثار».

 

عجز القوانين

صدر قانون الآثار رقم 222 سنة 1963، واعتبر الممتلكات الثابتة والمنقولة، التي صنعها الإنسان قبل مئتي عام على الأقل، ملكاً للدولة، وعليه جعل القانون، وتعديلاته في العام 1999، كل ما يتعلق بالآثار، من الحماية إلى التنقيب، تحت إشراف السلطات الأثرية، وهناك مكافأة مالية لمن يكتشف أو يسلّم الآثار، بالإضافة إلى عقوبات تصل إلى خمسة وعشرين عاماً للذين يتاجرون أو يتلفون معلماً أثرياً.

يالنسبة لـ”المرمدي” فإن المنقبين عن الآثار لعبوا دوراً إيجابياً، فقد «شكلوا جيشاً حقيقياً تصدّر المشهد في محافظة السويداء، وساهموا طوال سنوات الحرب والجوع بمجموعات إغاثية لمساعدة الأهالي، وأسسوا لمشاريع تحقق الاكتفاء الذاتي للفقراء، وباتوا، رغم عملهم السري، محور أحاديث واهتمام العامة، واشتهروا بتقديم مساعدة مجانية لكل شخص لديه إشارة أثرية، ويرغب بالحفر بحثاً عن كنزه الخاص، خاصة أن الأجهزة الأمنية لا تستطيع ايقاف هذه الظاهرة في الظرف الراهن».

من جهته قال مدير دائرة الآثار بالسويداء، في مقابلة سابقة لإحدى وسائل الإعلام المحلية، إن «المديرية قدمت عديداً من الضبوط القانونية بحق المخالفين، سواء مخالفي شروط ترخيص الحفر، أو المتعدين على المواقع الأثرية، وطالبت بإحالتهم إلى القضاء المختص».

لكن دائرة الآثار ليست قوة شرطية، ولا تستطيع الوقوف بوجه المسلحين وأصحاب النفوذ، الذين سيطروا بالسلاح على مواقع أثرية، ونهبوها دون عناء، ومن أمثلة ذلك، التي أثيرت شعبياً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حادثة موقع “قصر نجمة” الأثري، الذي سُوّر وأحيط بحرس مسلحين، دون أن يستطيع أحد معرفة الجهة المسؤولة عن ذلك.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.