يبدو أن الرئيس السوري #بشار_الأسد انتصر في حربه ضد شعبه، على حساب سيادته على أراضي بلاده. أما #فلاديمير_بوتين، فإنه يريد من “الأسد” اليوم أن يدفع ثمناً باهظاً مقابل دعمه إياه عسكرياً وسياسياً.

لقد كان ذلك قبل عشرين عاماً، عندما خلّف “الأسد” والده على رأس دولةٍ نجحت، على حساب خنق شعبها وتدخلها القوي في #لبنان، في وضع نفسها في عداد الدول المؤثرة في #الشرق_الأوسط.

وكان على الرئيس الشاب، أن يجسّد وعد التحرر التدريجي لسوريا والانفتاح على الغرب. لكن وبعد عقدين من الزمان، كانت النتائج واضحة: البلد ليس أكثر من خرابة تتنازع عليها الطيور الجارحة.

فتركيا تحتل جزءاً من الشمال الغربي للبلاد. وأميركا موجودة في الشرق، بينما تسعى #إيران إلى التمركز في الجنوب. أما #روسيا فتسيطر على ما تبقّى من البلاد. ربما انتصر “بشار الأسد” في حربه ضد شعبه؛ بفضل تدخل حلفائه الروس والإيرانيين، لكنه دفع ثمناً باهظاً بتخلّيه عن سيادته.

الدبُ الرّوسي يتحكّم بـ سوريا

باتت سوريا اليوم، تحت قيادة “فلاديمير بوتين”، وهو سيد اللعبة! فروسيا لديها قاعدة عسكرية جوية في #مطار_حميميم، وقاعدة بحرية في #طرطوس، وتسيطر على الأجهزة الأمنية السوريّة. وفوق كل هذا وذاك، فإن وجودها في سوريا مقبول من قبل جميع اللاعبين الرئيسيين: تركيا وإسرائيل والغرب ودول الخليج.

ويلخص “أليكسي كليبنيكوف”، خبير الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي، وهي مؤسسة فكرية قريبة من #الكرملين، قائلاً: «التحدي الأكبر الذي تواجهه #موسكو الآن، هو النجاح في تحويل نجاحاتها العسكرية إلى مكاسب اقتصادية وسياسية».

وبدلاً من عرض (فاتورة الحرب الروسية الثقيلة) على دمشق، التي لا تملك الوسائل لدفعها، فضّل الروس الاستيلاء على الموارد الطبيعية المحلية، مثل الغاز والنفط والفوسفات.

ففي عام 2017، تمكنت شركة Stroytransgaz، المملوكة لرجل الأعمال الروسي الكبير “جينادي تيمشينكو”، من الحصول على عقدٍ لاستخراج الفوسفات رغماً عن الإيرانيين.

وتأمل الشركات الأخرى، المملوكة لشركة Evgeny Prigozhin، في بدء أعمال التنقيب عن النفط والغاز قريباً. كما تخطط شركة الدب الروسي، الشركة الرائدة في إنتاج القمح في العالم، لتحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة زراعية، من أجل تخديم سوق الشرق الأوسط بأكمله.

ومع ذلك، فإن قبضة روسيا ليست مطلقة في سوريا، حيث يقول كليبنيكوف: «لدى روسيا بعض آليات السيطرة، لكن من الخطأ أن نقول، كما نسمع كثيراً، أن موسكو تأمر ودمشق تنفذ».

كذلك يقول “رسلان طراد”، المحلل والمؤسس المشارك لصحيفة De Re Militari البلغارية، موضحاً: «يبدو أن الروس قد قللوا من شأن حقيقة أن “الأسد” لديه بطاقة أخرى في يده، وهي بطاقة إيران، التي كانت موجودة في سوريا منذ فترة أطول».

مواجهةٌ روسيّة إيرانيّة غير مُعلنة

الوضع الحالي في سوريا هش. والحرب لم تنته بعد، لكن الناس يبحثون بالفعل عما بعد هذه الحرب. كما أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية غير مسبوقة بسبب انهيار الليرة السورية، يعززها تطبيق عقوبات أميركية جديدة تهدد إعادة إعمار تقدر بمئات المليارات من الدولارات.

وعلى الصعيد السياسي، ينهار التحالف الموالي وتتجلى الانقسامات أكثر فأكثر. وقد أكد رجل أعمال سوري لبناني ذلك قائلاً: «سنشهد تغيرات كبيرة بسبب الخلافات داخل السلطة، ولكن كذلك بسبب الخلافات المتزايدة بين روسيا وإيران. وإذا تعاونت موسكو وطهران حتى الآن لإنقاذ بشار الأسد، فإن العاصمتين تشنان الآن حرب نفوذ».

ولفهم هذه القضايا بشكل كامل، يجب العودة إلى يوم السابع من شهر كانون الثاني الماضي،  حيث تم تشييع جنازة الجنرال #قاسم_سليماني في #كرمان. ففي الوقت ذاته، توجّه “بوتين” إلى سوريا واستقبل بشار الأسد في مقر تابع للقوات المسلحة الروسية في #دمشق.

وكما هو الحال مع كل لقاء بين الرجلين، ظهرت سيطرة “القيصر الروسي” على “ربيبه السوري”. وقالت حينها المعارضة السورية ساخرةً: «بوتين استدعى الأسد إلى دمشق». والرسالة من تلك الزيارة كانت واضحة للغاية: «لا يجب لسوريا أن تكون مسرحا للانتقام الإيراني».

إلى جانب ذلك، يود سيد “الكرملين” أن يذهب أبعد من ذلك، حيث يؤكد دبلوماسي غربي في #بيروت أن «الروس لم يعودوا يريدون إيرانيين في سوريا».

كما أن الوجود الإيراني، المرفوض كذلك من قبل #الولايات_المتحدة وإسرائيل ودول الخليج، يهدّد المخطط الروسي لتحقيق الاستقرار في سوريا. فهل سيدفع ذلك لروسيا للدخول في مواجهة مباشرة مع طهران؟

بدون شك لا! إنها تفضل ترك الإسرائيليين يقومون بهذا العمل. فكثيراً ما تقصف الدولة العبرية مواقع إيرانية في جنوب أو شمال أو شرق البلاد، دون تفعيل موسكو لأنظمتها الصاروخية المضادة للطيران والمنتشرة هناك.

لكن إيران لم تقل كلمتها الأخيرة، وهي ترفض بشل قاطع مغادرة الأراضي السورية. فهذه حلقة أساسية في تعزيز (الطريق الشيعي السريع) الذي يربط طهران بالبحر المتوسط، ​​عبر #بغداد ودمشق وبيروت.

اتفاقٌ إيراني سوري لحفظ ماء الوجه!

وفي الثامن من شهر تموز الماضي، أبرمت دمشق وطهران اتفاقاً عسكرياً بهدف تعزيز منظومة الدفاع الجوي السوري. ويرى “أليكس فاتانكا”، الخبير في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، في تحليل له أن «إيران تريد أن تظهر أنها لا تحتاج إلى أحد للدفاع عن مصالحها في سوريا».

من جانبه، لدى “بشار الأسد” مصلحة في اللعب على التنافس بين حليفيه. ويقول الدبلوماسي الغربي المذكور: «الإيرانيون هم بوليصة تأمين الأسد على الحياة».

وقد بدأت روسيا بالفعل في إظهار بوادر نفاد صبرها من “الأسد” وتعنّته. ففي نهاية شهر نيسان الماضي، كشفت سلسلة من المقالات اللاذعة، نشرتها العديد من وسائل الإعلام المحلية الروسية وتنتقد الدولة السورية بشدة، التصدعات مع حكم الأسد.

حيث أطلقت الهجمات الأولى من قبل وكالة الأنباء الفيدرالية التابعة لـ Evgeny Prigozhin، الملقب بـ “طباخ بوتين”، كونه جنى ثروته من تجارة المطاعم. ووصفت المقالات “بشار الأسد” بأنه «زعيمٌ ضعيف» فَقَدَ «ثقة النخبة المالية» لعدم قدرته على محاربة الفساد.

وجاء رد “الكرملين” على هذه المقالات؛ بعباراتٍ فاترة بما فيه الكفاية لترك الشعور بأنه لم يكن مزعوجاً من توجيه شكل من أشكال التهديد إلى النظام السوري، بحسب تحليل “ميشيل دوكلوس”، السفير الفرنسي السابق في دمشق، في مذكرة نشرها #معهد_مونتين.

وبعد أسابيع قليلة، عُيّن السفير الروسي في دمشق، “ألكسندر إيفيموف”، ممثلاً خاصاً لـ بوتين لدى بشار الأسد لتطوير العلاقات مع روسيا. وكأن رجل موسكو القوي يريد إخبار “ربيبه السوري” بأنه لا يجب أن يفلت أي شيء من سيطرته.

وبعد عشرين عاًماً على وفاة حافظ الأسد، يبدو مصير “الأسد الابن” في يد القيصر الروسي أكثر من أي وقت مضى.

 

المصدر: (LExpress.fr)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة