خلاف “السيستاني” مع الميليشيات: مصالح مشتركة أم خوف من الصراع الشيعي-الشيعي؟

خلاف “السيستاني” مع الميليشيات: مصالح مشتركة أم خوف من الصراع الشيعي-الشيعي؟

يظهر في الإعلام العراقي، وفي تقارير المؤسسات الإعلامية العربية والغربية، أن مرجعية #النجف التي يتزعمها علي #السيستاني، على خلاف حاد مع الميليشيات الموالية لإيران. تملك المرجعية فصائل مسلّحة، تشكّلت بفتوى من “السيستاني” عام 2014، للدفاع عن العراق بعد ظهور تنظيم #داعش، وسيطرته على عدد من محافظاته السنيّة، غربي البلاد وشمالها.

الميليشيات المقرّبة من #طهران كانت موجودة قبل الفتوى بسنوات طوال، منذ عام 2004، لكنها اشتركَت بالقتال ضد “داعش”، مُتخذةً من فتوى النجف غطاء لذلك. استمر القتال تحت اسم #الحشد_الشعبي، الذي ضمّ الجبهَتين (فصائل المرجعية، وميليشيات إيران)، لثلاث سنوات، حتى هزيمة “داعش” في كانون الأول/ديسمبر 2017، وبعدها بان الخلاف.

تطوّر هذا الخلاف كثيراً بعد تظاهرات تشرين الأول/أكتوبر 2019، واشتد في شتاء هذا العام،  فانضمّت فصائل النجف لوزارة الدفاع العراقية، لتؤكد رفضها لسياسة بقية الميليشيات.

 

مؤسّسة كاملة

مؤخراً خرجت دعوات مفادها «ما شُكِّلَ بفتوى، يُحَل بفتوى»، في إشارة إلى فتوى “السيستاني”، وأنه مثلما أفتى بقتال “داعش”، بإمكانه أن ينزع من الميلشيات غطاء “الحشد” بفتوى أخرى.

لماذا لم يفعل “السيستاني” هذا رغم مرور ثلاث سنوات على هزيمة “داعش”؟

«الموضوع شائك جداً مثل شبكة العنكبوت»، يقول باحث سياسي لموقع «الحل نت»، ويُضيف: «”السيستاني” ليس شخصاً بذاته، إنما  مؤسسة كاملة، يتم استخدامها من قبل أطراف أقوى منها».

يعود الباحث السياسي، إلى الوراء أي إلى ما قبل تأسيس “الحشد”، وقبل دخول “داعش” للبلاد، ويقول إن «ساسة الشيعة استغلّوا غلطة ارتكبها ساسة السُنّة، فالسنّة لا يعترفون بأمر اسمه “مرجعية دينية”، هم يعترفون بالمرجعية السياسية فقط. بعد 2003، عندما راحَ الحكم منهم، اتَّجهوا لتعويض المراجع السياسية بالمراجع الدينية، وهذا خطأ كبير»، وفق الباحث، «لأن الشيعة على عكسهم لا يملكون المرجعية السياسية، إنما يمتلكون المراجع الدينية فقط، لذلك استغل حُكّام الشيعة الغلطة السُنيَّة، لأنها باب سهل لخلق الصراع بين المذهبَين، وبذلك سمَحوا لـ “داعش” بدخول البلاد، لأجل الاستحواذ على المناطق السنية بحجّة محاربة التنظيم، ومن أجل تأسيس “الهلال الشيعي” فيما بعد». لذا «فإن فتوى “السيستاني”، أمرً مُخطّط له لشرعنَة وجود الميليشيات، وبالفعل لوجود الميلشيات غطاء شرعي اليوم»، يبيّن الباحث.

 

وُجِدَ ليَبقى

عندما أفتى “السيستاني” بـ”الجهاد الكفائي” لم يذكر شيئاً اسمه “الحشد الشعبي”، وحتى في خطب الجمعة، لم يُسمّهم يوماً بـ “الحشد”، إنما يذكرهم باسم “المتطوعين الغيارى”. هُنا يُطرح التساؤل: كيف تم تأسيس “الحشد الشعبي”؟ ولماذا تم تشريع قانون يحمل اسمه، لشرعنة وجوده في البلاد بصفة رسمية، دون أي اعتراض يُذكَر من “السيستاني”؟

يقول محلّل سياسي، إن «تأسيس “الحشد” قانونياً جاء عبر الأحزاب الخاضعة لطهران. وهو وُجِدَ ليبقى، لا ليزول أو ليخضع لعملية تذويب في قلب المؤسسة العسكرية، وتوفير الغطاء القانوني له لا يعني أنه بات يعمل تحت مظلة الدولة العراقية، فهو صنيعة مشتقة من فكرة #الحرس_الثوري، وبإشراف إيراني، ومشروع للحفاظ على الحكومة الشيعية في العراق من أي تهديدات تواجهها».

ويوضح المحلل، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «مرجعية “السيستاني” مؤسّسة تربطها مصالح مشتركة مع #إيران، أهمها المذهب، لذلك لم تعترض على شرعنَة وجود الميليشيات عبر “الحشد”».

 

المذهَب والتحدّيات

يتبيّن مما ورد اعلاه أن هيكلية “الحشد” وآليته كانت موجودة ما قبل الفتوى، وما كانت الفتوى إلا حجة لتوطينها بمسمى رسمي، فلماذا سمح “السيستاني” بذلك؟

يقول كاتب مختص بالشأن السياسي لموقع «الحل نت» إن «ثمّة أمراً مهماً، يمكن أخذه بعين الاعتبار، وهو أن “السيستاني” يتفق مع رؤيا مفادها أن المذهب الشيعي يواجه تحديات ومشاريع مناهضة خارجية، قد تؤدي إلى دفع الشيعة إلى الهامش».

لكن إذا كان الأمر كذلك، و”السيستاني” يخشى على المذهب الشيعي من التهميش بأَيدٍ خارجية، مثلما تعتقد ذلك الميلشيات أيضاً، فلماذا ميّز فصائله عن الفصائل الموالية لطهران بشكل مباشر؟

«لأنه يرى أن ممارسات “الحشد” ستدعم مشاريع الخارج للتكاتف على إنهائه، وهذا يعني تدمير النظام، مما يعني عودة المذهب للهامش سياسياً، كما يعتقد، لذا اعتمد “السيستاني” سياسة التخلّص مما لا يصبّ في مصلحة الشيعة، وقام بتصنيف “الحشد” بين فصائل تمتثل لأمر الدولة، وأخرى ولائية»، يُشير الكاتب.

«وهكذا في المحصّلة، سيتم إسقاط الحجج أمام مشاريع الخارج، وستتم المحافظة على بنية الحكومة الشيعية في العراق»، يختتم الكاتب السياسي حديثه.

 

لا يتدخل في السياسة

لو كان الأمر كذلك فعلاً، بماذا يختلف السيستاني عن “ولاية الفقيه” الإيرانية، التي تؤمن بالدولة الدينية؟ وما سر الخلاف بين مرجعية النجف و مرجعية #قم، التي تتبعها الميليشيات.

هُنا يقول مصدر مقرّب من المرجعية الدينية إن «السيد “السيستاني”، عندما أصدر الفتوى، جعلها مقتصرة على “الجهاد الكفائي”، وهو محصور بالدفاع عن العراق من الإرهاب».

«لو كان يفكر بالطريقة “المذهبية” لما قال إن “السنّة أنفسنا”، ولَما دعا إلى الدفاع عن الأراضي التي يقطنونها، لكنه يفكّر بالبلاد كلها، بعيداً عن الانتماء المذهبي»، يوضح المصدر لـ«الحل نت».

أما عن صمته بشأن الميليشيات فيؤكد المصدر: «لم يفعل ذلك لعدة اعتبارات، أهمها أن المرجع “السيستاني” لا يتدخل في السياسة، وهذه الفصائل وجودها سياسي بحت، كما أنه لم يستقبل أحداً من قادة الفصائل، وهذا يدحض كل الأقاويل التي تتحدّث عن تناغم موقفه معهم، لأنه ببساطة كان يمكنه القبول بزيارتهم له، ولا يرفض دعواتهم المتكررة».

ويضيف المصدر: «بكل صراحة، لم يتحدث السيد بأي أمر يخص الفصائل المسلّحة، لأنه يعلم أنها لا تتبعه ولا تنفّذ أوامره، وأنها ستتجه للعنف، وهذا أمر خطير للغاية، فإصدار فتوى بالضد من الفصائل، سيكون معناه حربٌ شيعية – شيعية، ستفتعلها الفصائل التي تتبع لمرجعية “قم”، ما يؤدي لسفك الدماء البريئة، وهذا ما يخشاه “السيستاني”، لذا ابتعد عن هذه الخطوة».

 

تنويه: لم يتم ذكر أسماء المتحدّثين لـ«الحل نت» بطلب منهم، لحساسية الموضوع، ولدوافع أمنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة