«أتذكّر أنّه تقرّبَ منّيَ بهدوء. صار يقول إنّ صوتيَ جميل ويغشّه أثناء شرح الدرس، كنت طفلة لا أعي ما يقوله، إلّا أنّني كنت استفسر من نفسيَ عن سبب ما يقوله وعما يقصده»، تقول “ريم” لـ(الحل نت)، عن قصّة تحرّش أحد الأساتِذة بِها حينما كانت في مرحلة التعليم الإعدادي.

و”ريم” اسم مُستعار لفتاة من مدينة #ديريك، تعرّضت لتحرِّش من أحد الأساتِذة أثناء التحضير لامتحاناتِ الشهادةِ الإعداديّة، وكان من أصدِقاء العائِلة المقرّبين، على حدِ وصفِها.

في سمَاعِ قصّة “ريم” وزميلاتِها اللاتي تعرَضن للتحرّش، فإنّ التحرّش قد يحدث في المدرسة وفي الجامعة والشارع والمراكز الحكومية وفي المنازل والمؤسسات الخدمية والقنوات والإذاعات الإعلاميّة، والتحرّش ليس حكراً على فئةِ اجتماعيّة بعينها، فربما يكون المتحرّش مثقّفاً وطبيباً ورجلاً كبيراً في السن وصحافياً وكاتباً ومُدرّساً، أو يكون من أفرادِ العائِلة نفسها.

تقولُ منظّمة الصحّة العالميّة، إنّ «التحرّش الجنسيّ مشكلة كبيرة، وموجود في الأماكن الّتي يُعتقد أنّها آمِنة مثل المدارسِ على سبيلِ المثال، حيثُ أنّ الضحايا يتعرّضن للتحرّش من قبل زُملاءِهم في المدرسة أو من قبل أساتِذتهم».

سؤال عفوي أنقذَني من الكارثة!

تقول “ريم” ذلك، وتصفُ السؤال بالمُنقذِ لها من استمرار التحرّش أو ربّما وقوع كارثة!؛ إذ أنّ المدرّس: «كان يتقرّب مني باستمرار، يلمس فخذي حينما يشرح لي الدرس، ويحوّله إلى طاوِلة للكتاب يكتب عليها، ويُحاول أن يُمسك يدي باستمرار، وينظرّ إليّ بطريقةٍ لم أكن أفهمها حينما يشرح لي فكرة ما».

وتسرد “ريم” قصّتها لـ(الحل نت)، «كان شخصيّة اعتباريّة في المجتمع، ومن أصدقاء والدي المقرّبين، ويُدرّس في إحدى الجامعات السوريّة، وأثناء زيارته لنا مرّة، اقترح أن يقوم بتدريسي، وكان المقترح في البداية خبراً سارّاً بالنسبة لي وعائلتي».

وتضيف، «بعد أيّام تبيّن أنّ غايته الأساسيّة كانت التقرّب مني، رغم أنّني كنت حينها في سن الـ(14)، وأتصرّف كطفلة، وكنت لا أزال أقتني ألعاب الأطفال، وهذا لم يَشفع في أن لا يتحرّش بيَّ».

وتوضّح “ريم”، «كنت أتحدّث مع والدتي، وأخبَرتها عمّا يقوم به الأستاذ، مستفسرةً عن السبب. كان السؤال بريئاً ولم تكن وشاية، لكن ربّما لأنّ والدتي تفهّمت الأمر، تحوّل ذاك السؤال إلى مُنقذِ ليّ؛ فقامت مرّة بالدخول إلى الغرفة متعمدة، لتتأكدّ من الأمر بنفسها، ورأت ما يفعلهُ الأستاذ، حتّى قامت بما استطاعت لتمنع دخوله إلى منزِلنا دون أن تُخبِرَ والدي بالواقعة».

التحرّش سبيلاً للمعرفة!

دفعت قصّة التحرّش الّتي تعرّضت لها “جين”(اسم مستعار)، وهي فتاة ثانية تعرّضت للتحرّش من قبل أحد مدرّسيها، وفضّلت عدم الكشف عن اسمها، للبحث عبر شبكة الانترنيت عن حوادث التحرّش ومفهوم التحرّش ومدى تأثيره على مستقبل الشخص، وعن آليّات التخلّص من هذه المشكلة.

تقول “جين”، «كنت في سنّ الـ(17)، حينما حدثت القصّة معي. وقتها، طَلَبَ منّي مدرّسي مساعدته لإتمامِ إحدى الواجبات المدرسيّة على الحاسوب. وافقت على طلبه، ذاك أنّه كان من المدرّسين المعروفين بمكانتهم المرموقة والعالية والمحترمة لديّ ولدى الجميع».

وتتابع، «أثناء العمل على البرنامج، وقف فوق رأسي وصار يحضنني من الخلف، كان الموقف صادماً وغريباً بالنسبة إليّ. حاولت الهروب منه والخروج من الغرفة، لكنّه اعترض طريقي، وبدأ يقول لي: “أنت حلوة!”. وصار يلمس خدّي وشعري وأنا أحاول منعه مراراً».

ابتسامةُ ما بعد الجريمة

تمكّنت “جين” من الهروب، بعد أن هدّدت المدرّس بالصراخ ومناداة الطلاب والأساتذِة. لكنّها تعتقد أنّ الحادثة الّتي مرّت هي بها لم تكن بحجم الحوادث والكوارث الّتي حدثت في المدارس، وتقرّ بأنّ كل المدارس في المنطقة كانت تحدث فيها حالات تحرّش مستمرّة، وهي على اطلاع على بعض هذه الحالات، وفقاً لقولها.

روَت “جين” الحادثة لأحد أصدقاءِها الشباب المقرّبين، وصارت تنقلُ ما حدثَ لها لزميلاتها في المدرسة، وحذّرتهنّ من التعامل مع المدرّس أو التواجد معه في مكان خاصّ.

وتقول، «تجنّبت حضور الدروس الّتي يقدّمها الأستاذ، وصرت أتجنّب الحديث مع كلّ الأساتذة الذكور، وسبّب ليّ الأمرَ توجسّاً كبيراً».

وتُردِفُ حديثها، «بعد مدّة قصيرة، وجدته في باحة المدرسة بالصدفة، نظَر إليّ وهو يبتسم، وكأنّه لم يفعل شيئاً ولم تكن الحادثة أصلاً!».

ماذا يفعل المجتمع المدنيّ؟

عمِلت “نجاح هيفو”، وهي رئيسة الاتحاد النسائيّ الكرديّ في سوريا مع كوادِرَ نسائيّة في الاتحادِ النسائيّ الكرديّ، على تنفيذ دورات تنمية للأطفال، متعلّقة بالتحرّش الجنسيّ وآليّات الحماية منه، لكن، كانت هذه الورشات تنفّذ وتقدّم بطرق غير مباشرة، وتعزو “هيفو” ذلك إلى أنّ، «مفهوم الجنس هو خدش للحياء وينتاب المرء شعور بالذنب إذا ما تحدّث عنه في المجتمع»، وتقرّ بأنّ النتائج كانت محدودة.

إلّا أنّ منظّمات المجتمع المدنيّ، الّتي يزيد عددها عن (140) منظّمة مدنيّة بعضها مختصّ بشؤون النساء وبعضها تعمل في برامج حول قضايا المرأة، لم تعمل حتّى الآن ورش تدريبيّة أو مناصرة أو توثيق لضحايا التحرّش في مناطق سيطرة “الإدارةِ الذاتيّة”، بشكلٍ واضح.

وتضيف “هيفو”، «أغلبُنا تعرّضن للتحرّش، وهذه صراحة ربّما لا نُجهِرُ بها، ربّما لأنّ المتحرّش لا ينال ما يودّه، أو ربّما لأسبابٍ مجتمعيّة، إلّا أنّني أشجّع على الحديث عن هذه الظاهرة الخطرة، فأغلب النساء اللاتي تعرّضن للتحرّش تسردن قصصهن، وتطلبن بعد ذلك أن يظلّ سراً».

وتُردِف حديثها، «في ظلّ قوانين شكليّة لا تُعطي إلّا صدى صوت في وادي عميق، لن نتفاءل كثيراً، فالقوانين تُجبِرُ النساء على السكون».

ولا تجدُ “هيفو”، التحرّش مرتبطاً بـ (الجهل)، إذ أنّ، «الكثير من الحالات حصلت من شخصيّات اعتباريّة في المجتمع، رغم أنّها شخصيّات (مريضة) تختبئ خلف زوابع نزواتها في بوتقة ملوّثة».

الأثار النفسيّة الّتي يخلّفها المتحرّش

فيما بعد تأكّدت “ريم” أنّ الأستاذ المتحرّش بها، لم تكن هي ضحيتهُ الوحيدة، بلّ أنّه كان يستغلّ منصبه الوظيفيّ وشهادته الجامعيّة للتحرّش بطالبات الجامعة أيضاً، وصارت تتجنّب على إثر الحادِثة، بعد أن فهِمت ما يجري، التواجد مع أساتذتها في المدرسة لوحدهم، وتقول في ذلك، «ظلّ الهاجس يلاحقني، والقلق يراودني كلّما تحدّثت مع أستاذ، وصرت أتجنّب الجلوس مع المدرّسين في المدرسة لوحدي».

بينما تبيّن “جين”، «أثّرت الحادثة على نفسيّتي. بقيت في المنزل أسبوعاً كاملاً، وصرت أتجنّب الجميع، حتّى تمكّنت من تجاوز الحادثة إلى حدٍ ما وعدّت إلى المدرسة».

ويقول في ذلك، الدكتور، “آرام حسن”، وهو طبيب نفسي واستشاري علاج صدمات نفسيّة ومدير مركز “كوتيم” في هولندا، أنّ «التحرّش يؤثّر في نفسيّة الطالب أو الطالِبة، ليس فقط على المدى القصير، وإنّما على المدى البعيد أيضاً».

ويوضّح أنّ، «التحرّش يمكن أن يتسبّب في الصدمة النفسيّة المزمنة أو الحادة، ومدى تأثير التحرّش يتعلّق بالظروف الداخليّة والخارجيّة للطالب أو الطالبة».

ويضيف أنّ «التحرّش يؤثّر على الطالبة أو الطالب حسب الفئة العمريّة، فالنتائج الّتي يخلّفها التحرّش لطالبة تعرّضت في سن الـ (17) تختلف عن النتائج الّتي يُمكن أن يخلّفها التحرّش لفتاة في سنّ الـ (10) من جهة شخصيّتها وتفكيرها وثقتها بالآخرين وقضايا ثانية».

ويجدُ “حسن”، أنّ «التكتّم في موضوع التحرّش يعود إلى ما قد يخلّفه الإجهار من وصمة أو عار أو نتائج، لكنّه يقرّ بالمقابل بأنّ التحرّش اللفظي منتشر إلى حدٍ كبير وخصوصاً في السوشيال ميديا».

ويشير إلى أنّ التحرّش، «جريمة يعاقب عليها الشخص المتحرش إن كان لفظياً أو جسدياً، وفي حال تحول التحرش الجنسي إلى مرض نفسي أي اضطرابات يتوجب علاجه بشكل فوري وبشكل فعّال وإعادة تأهيل الطالب أو الطالبة ومساعدتها في إتمام دراستها وإتمام علاجها».

وعن تأثير التحرّش الجسدي يقول الطبيب النفسي، «التحرّش الجسدي تأثيره أكبر، لأن الجسد يعتبر آخر ممتلكات الشخص الذاتيّة التي يُمكن أن يحافظ عليها، وخاصةً في المجتمعات الشرقيّة الّتي تفقد الكثير من الحرّيات».

ويبيّن، أن المدرسة يُمكن أن تكون بيئة أكبر للتحرّش لأّنها، «أكبر تجمّع للطلبة، وهم الفئة الأكثر ضعفاً بسبب الظروف الاجتماعيّة ومن جهة الضغوطات، وغياب المراعاة لإمكانياتهم النفسية والعقليّة، وهم أكبر عرضة للتحرّش لأسبابٍ متعدّدة».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.