يعودُ الانفجار الذي وقع في #لبنان إلى سفينةٍ مهجورة ترسو على مياه #بيروت كانت مُحمّلة بـ 2750 طناً من نترات #الأمونيوم. وكشف تقرير لمجلة دير شبيغل الإخبارية الألمانية ومؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) أن لدى مالك السفينة المذكورة ارتباطاتٌ بـ #حزب_الله.

ففي شهر أيلول 2013، غادر ثمانية أوكرانيين وروسي جورجيا متّجهين على ما يبدو على متن سفينة شحن إلى #موزمبيق. وكانت حالة سفينتهم بالأصل سيئة قبل مغادرتها #ميناء_باتومي الواقع على #البحر_الأسود.

كما كانت حاوية سفينتهم، المسماة “روسوس”، تعاني من تسريبات، وكان نظام الإنذار يعاني من أعطال ولا يعمل بالشكل الصحيح، وكذلك أجهزة الإنقاذ.

إلا أن الحمولة على متن السفينة، كانت مُقلِقة بشكلٍ أكبر من حالة السفينة ذاتها: 2750 طناً من نترات الأمونيوم عالية التركيز، وهو النوع المستخدم في صناعة المتفجرات، بمستوى تخصيب بالنيتروجين ما يقارب 35%.

وبعد مرور سبعة أعوام، وبالتحديد في الرابع من شهر آب الحالي، تسببت تلك الشحنة بتدمير أجزاء من العاصمة اللبنانية بيروت، وأسفر عن مقتل نحو 200 شخص وجرح الآلاف.

ومنذ ذلك الحين، ركّز العالم اهتمامه على “روسوس” وتاريخها، حيث حاول المحققون جمع تفاصيل متعلقة برحلتها الأخيرة. كيف انتهى المطاف بـ “روسوس” في بيروت؟ ومن الذي طلب تلك المواد الكيميائية المتفجرة حقاً؟

حتى الآن، كانت الرواية أن تلك السفينة تعود إلى رجل روسي يدعى “إيغور جريتشوشكين”. وبحسب ما ذُكر، فإن تلك الشحنة كانت متوجهة إلى شركة موزمبيقية لصناعة المتفجرات تدعى  Fábrica de Explosivos de Moçambique أو FEM كاختصار لها.

إلا أن التقرير المشترك لمجلة (دير شبيغل) ومؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) أثار الشكوك حول هذه الرواية.

فقد أفاد التقرير أن الروسي “جريتشوشكين” لم يكن مالك “روسوس”، وإنما كانت ملكيتها تعود لرجل الأعمال القبرصي “شارالامبوس مانولي”، الذي حافظ على علاقته مع أحد البنوك التي يستخدمها حزب الله في لبنان.

ويبدو أن كمية كبيرة من شحنة نترات الأمونيوم، التي تم تخزينها في #ميناء_بيروت، كانت قد اختفت قبل الانفجار الذي وقع في مطلع هذا الشهر.

فهل كان فريق “روسوس” ينوي بالفعل في وقتٍ ما الإبحار بالسفينة إلى موزمبيق؟ وهل من الممكن أن تكون شحنة المواد المتفجرة تلك متجهة بالفعل إلى حزب الله في لبنان، الحزب الإسلامي والميليشيا التي تعمل في لبنان كـ دولة داخل دولة ومشاركة في الحروب في #سوريا والعراق؟

جهودٌ لإخفاء الملكية

بكل الأحوال، حاول “مانولي” قصار جهده إخفاء ملكيته لـ “روسوس”. ونسّقت إحدى شركاته تسجيل “روسوس” في مولدوفا. وصادقت شركة أخرى تدعى (مارتيمي لويد)، مقرها في #جورجيا، على صلاحية سفينة الشحن المتهالكة تلك للإبحار. وفي النهاية، استأجر الروسي “جريتشوشكين” السفينة فقط من خلال شركته (تيتو) للنقل البحري المسجلة في جزر مارشال.

وعند استجوابه من قبل (OCCRP)، ادّعى “مانولي” في البداية أن السفينة كانت قد بيعت إلى “جريتشوشكين”، ليعترف بعد ذلك أن الروسي حاول فقط شراء السفينة. ثم امتنع عن تقديم أية معلومات أخرى.

في الحقيقة، كانت مهمة “جريتشوشكين” إعطاء الأوامر لطاقم “روسوس”. كما أعطى أوامر بأن تتوقف “روسوس” بشكلٍ مفاجئ في بيروت، بينما كانت في طريقها من جورجيا إلى موزمبيق.

وكان السبب الرسمي لوقوف السفينة في بيروت مشكوك فيه، حيث ادعى “جريتشوشكين” أنه لم يكن لديه المال الكافي لدفع تكاليف مرور “روسوس” عبر #قناة_السويس، ما أدى إلى حاجتهم لاستلام حمولة إضافية في بيروت على أن يتم تسليمها في #الأردن.

وبحسب تقرير صادر عن وزارة النقل اللبنانية، كانت الشحنة الإضافية مكونة من 12 شاحنة كبيرة و15 شاحنة صغيرة وحاوية بارتفاع 40 قدماً وحاويتين بارتفاع 20 قدماً.

وكان من المقرر وضع أسطول المركبات على ظهر المركب، إلا أن المشاكل بدأت خلال تحميل أول مركبة، حيث اصطدمت الأخيرة بالبوابة بينما كانوا يحاولون إيصالها إلى سطح السفينة. ونتيجة لذلك تم إلغاء عملية التحميل بمجملها.

وفي نهاية الأمر، لم تغادر “روسوس” بيروت نهائياً. حيث تم احتجازها من قبل شركتين على الأقل لقاء ديون يطالبون بها “مانولي”، بما في ذلك شركة لتأجير المولدات كان “مانولي” قد استأجر منها مولدة في السابق لتشغيل السفينة. كما وجدت السلطات في ميناء بيروت بأن “روسوس” لم تكن صالحة للإبحار.

ويبدو أن السلطات اللبنانية لم تكن تعلم أن “مانولي” هو المالك الحقيقي لـ “روسوس”. وعلى أية حال، لم يرد ذكر اسمه في أيّ من المراسلات المتعلقة بالسفينة.

وعلى عكس “جريتشوشكين”، الروسي الذي استأجر السفينة، كان لدى “مانولي” علاقات تجارية في لبنان. فبحسب السجلات، حصل “مانولي” في عام 2011 على قرض بمبلغ أربعة ملايين دولار أميركي من بنك FBME التنزاني لتمويل عملية شراء سفينة أخرى تدعى “سخالين”.

ولم يكن FBME بنكاً عادياً،  فقد سبق أن وجه المحققون الأميركيون للبنك اتهامات بالعمل كأداة لعمليات غسيل الأموال لصالح حزب الله. ومن عملاء البنك الآخرين شركة سورية مشتبه بمشاركتها في برنامج السلاح الكيماوي في البلاد.

الممتلكات المصادَرة أو المحجوزة

بعد شهرٍ واحد فقط من استلام القرض، تخلّفت شركة (سيفورس مارين) المحدودة، التي تعود ملكيتها لمانولي، والتي تتخذ من “بليز” في أميركا الوسطى مقراً لها، عن سداد القسط الأول للبنك. وعرض “مانولي” “روسوس” كضمان، إلا أن البنك اشتبه بأن مالك السفينة أراد بيعها ومصادرة ممتلكات “مانولي” العقارية في قبرص.

وتظهر وثائق FBME أن “مانولي” لا يزال مديناً للبنك بمبلغ 962 ألف يورو كديون مستحقة في شهر تشرين الأول 2014، في حين ينفي “مانولي” وجود أي صلة بين ديونه وحقيقة توقف سفينة الشحن تلك في بيروت.

كما كانت أيضاً شركة FEM، المشتري الرسمي لشحنة نترات الأمونيوم في موزمبيق، موضوع تحقيقات مختلفة، حيث استجوبت السلطات الإسبانية شركة Moura Silva e Filhos، التي تمتلك 95 % من الأسهم لدى شركة FEM، فيما يخص الهجمات الإرهابية التي نفذها إسلاميون في #مدريد عام 2004.

وبالرغم من أنهم لم يتوصلوا في النهاية إلى إدانة الشركة بدعمها للإرهابيين،  إلا أن المحققين قرروا بأنه لم يتم إدراج 785 كيلو من المتفجرات في سجلات الشركة.

ومن الواضح أن شركة Moura Silva e Filhos ليس لديها أية مشكلة فيما يتعلق باختيار شركائها في العمل. فبحسب “كاثي لين أوستن”، خبيرة تهريب الأسلحة الأميركية، فإن الشركة تحافظ على ارتباطات وثيقة مع السلطة الحاكمة في موزمبيق، إلى جانب جهات أخرى.

على أية حال، لم تطالب شركة FME أبداً بالـ 2750 طن من نترات الأمونيوم التي تم احتجازها في بيروت على متن “روسوس”، بالرغم من أنه لم يتم مصادرة المواد المتفجرة تلك بشكل رسمي من قبل السلطات اللبنانية في أي وقت من الأوقات.

وفي عام 2015، طلب سمسار لنترات الامونيوم من محامٍ أن تفحص السلطات اللبنانية كمية وجودة الشحنة. وما يدعو للاستغراب أنه وبالرغم من ذلك، لا تظهر في سجلات المحكمة أية محاولة من قبل الوسيط استعادة الشحنة التي كانت تبلغ قيمتها الأصلية 700 ألف دولار.

وبالمثل، لم يبذل “مانولي” أية جهود لاستعادة سفينته التي غرقت في نهاية المطاف خارج الميناء شباط 2018. ولم يتمكن فريق التحقيق من التوصل إلى مالك السفينة المزعوم “جريتشوشكين” لتحصل منه على تعليق.

مهجورة

في نهاية المطاف، كانت شحنة نترات الأمونيوم مهجورة: حيث لم يعترف أحد بأنه دفع ثمنها كما لم يحاول أحد استعادتها. وتم في نهاية المطاف تخزين المواد الكيميائية شديدة الانفجار في العنبر رقم 12 في ميناء بيروت.

وإذا كانت السلطات، ولاسيما مسؤولين في الجمارك، قد حذّرت مراراً وتكراراً من ضرورة إبعاد نترات الأمونيوم عن الميناء، فإن تلك المطالبات تم إرسالها إلى الجهة الخطأ. فهل من المحتمل وجود نية مسبقة بإبقاء نترات الأمونيوم في العنبر رقم 12؟

فحص آخر جرى على الشحنة في ربيع العام الحالي، والذي قامت به الدولة اللبنانية هذه المرة، أثار شكوكاً حول ما إذا كانت الشحنة المكونة من 2750 طن من نترات الامونيوم لا تزال موجودة في الميناء.

وقد حذّر المفتشون من أن إحدى بوابات المستودع كانت مفقودة وكان هناك فجوة كبيرة في الجدار الجنوبي للمستودع. وإذا ما كانت هناك عملية سرقة قد حدثت، فيمكن للجناة استخدام هذه المواد كمتفجرات.

إلا أن مسئولي أمن الدولة على ما يبدو لم يحصوا الكمية المضبوطة لنترات الأمونيوم التي كانت لا تزال متواجدة في المخزن في ذلك الوقت.

وتحذيرهم بضرورة تأمين المستودع، لم يصل إلى المدعي العام اللبناني حتى شهر حزيران من العام الحالي. وفي منتصف شهر تموز، أرسل جهاز أمن الدولة التقرير إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات.

ولا يزال من غير الواضح حتى اليوم المقدار الحقيقي لنترات الامونيوم التي انفجرت في الرابع من هذا الشهر، في حين يفترض مسؤولون مخابرات أوربيين مشاركين في التحقيق أن الكمية تتراوح بين 700 و1000 طن.

ولكن أين ذهبت بقية الكمية؟ ليس هذا إلا واحد من التساؤلات العديدة التي سوف يتعين على المحققين الإجابة عنها اليوم.

 

المصدر: (spiegel.de)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة