تمكنت السيدة “حزنية عثمان” الملقبة بـ “كجى كرد”، من تحقيق حلمها وتحويل جزء من منزلها القديم الى متحف أثري يضم آلاف التحف الفنية القديمة واللقى الأثرية والمقتنيات الشعبية، التي ترجع لعدة أحقاب تاريخية، ليتحول منزلها مقصداً أثرياً، يقصده المولعون بالتعرف على تاريخ الأجداد وتراث المنطقة عن قرب.

تقول السيدة الشغوفة بمقتنيات الأجداد لـ(لحل نت)، إن «قرار تحويل منزلها الريفي الكائن في قرية “معشوق” بريف مدينة “القامشلي”، لم يكن بالأمر الهين لعائلتها، لاسيما وأن البيت يعود لجدها، وعمره الزمني يعود لنحو 100 عام، وهو بيت العائلة الطيني، الذي لايزال محافظاً على شكله القديم، لكن الخطوة اُتخذت بعد 20 عاماً من العمل المضنى في البحث عن المشغولات واللقى الأثرية القديمة في قرى وبلدات “القامشلي”.

 الغرفة المتحف

وأوضحت السيدة الخمسينية أنه كان لديها هذه الهواية منذ الصغر واستمرت معها حتى الشباب، لكنها بدأت تتجسد عندما حصلت على بعض القطع القديمة التي بدأت تحتفظ بها من جدتها.

وقالت “كجى كرد” إنها تربت على حب التراث، واعتادت اقتناء الأدوات التراثية والشعبية منذ طفولتها، وبدأت جمع الأدوات التراثية منذ ثلاثين عاماً، فيما أنشأت داخل أحد أكبر غرف المنزل، متحفاً متكاملاً يحتوي على الأدوات التراثية التي اشترتها من أناسٍ قد تخلوا عنها، أو تركوها لها وأهدوها بعد انتقالهم لمنازلٍ جديدة.

وتتصدر “الغرفة المتحف” تماثيل منحوتة تعود لأزمنة غابرة وتضم نحو 2500 قطعة تراثية، إذ تشمل السجاد الصوفي الملون والمشغولات اليدوية والأواني النحاسية وحجر الرحى والفوانيس والسيوف والدروع القديمة وصناديق جهاز العروس، إضافةً إلى أدواتٍ زراعية قديمة، مثل (المناجل ولوح الدراسة والجاروشة)، فضلاً عن أدوات إعداد القهوة المرة المختلفة، وأدوات الطعام التقليدية في المنطقة، مثل (المنسف والدست وجرن الهاون وأطباق القش).

وفي زاوية المدخل الأمامية، لم تنسَ “حزنية” أن تخصصها للتراث الفلكلوري، والذ بات ملحوظاً في ثيابها الشعبية الكردية التي ترتديها والتي تفضل ارتدائها في كل مناسبة، فكانت زاوية التراث في غرفتها قد علقت على جدرانها تلك الأثواب النسائية الجميلة التي اشتهرت بها نساء الكرد، إضافةً إلى ثياب الرجال، وأدوات صناعة الصوف المستخدمة في ذلك الوقت.

ولا يخلو متحفها من مداور الصوف للغزل والمناخل ومناشل المياه والمكاوي الفحمية وماكينات الخياطة القديمة والراديو، فضلاً عن وجود فخاريات وأحجار قديمة وسكاكين من الصوان، تعود لحقب زمنية قديمة.

وكلفتها تلك المقتنيات، كما توضح “كجى كرد” ثروة بأكملها، وباتت غرفتها متحفاً شعبياً يقصده عشاق التراث القديم من كل حدب وصوب.

جولات يومية

تتجول “كجى كرد”، اللقب الذي وهبته لاسم متحفها أيضاً، يومياً بين تلك التحف الأثرية وتراعها، حيث تقوم بمسح الغبار عن بعضها، وتدوير بعض القطع من مكان إلى آخر.

وتسعى عاشقة التراث- كما تصف نفسها لـ (الحل نت)- أن تطور متحفها وتوسعه، ليصبح أكبر، ويضم عدداً أكثر من المقتنيات التراثية التي تمثل تاريخ المكان الذي ولدت فيه، وتحاول أن تشتري أي قطعة لها قيمة تاريخية مهما بلغ ثمنها لتكون ضمن متحفها.

وتضيف، «حولت منزلي إلى متحف، ليحوي حزمة المقتنيات الأثرية التي ترجع إلى 600 عام، والتي تستخدم في الحياة الشعبية القديمة لمنطقتنا، كما أنه يحوي على مجموعة من الدلال، بالإضافة إلى أن هناك أدوات فخار “خزف” كانت تستخدم للسقاية، وكذلك يحتوي المتحف على الملبوسات القديمة والأواني المنزلية والفخاريات، والتي توزعت على شكل أركان متفرقة، تقرب الصورة للزائر عن الحياة اليومية في الماضي».

وتابعت، «شاركت بها عدة معارض شهدتها بلدات “تربسبية” و”كركى لكى” و”ديريك” ومدينة “قامشلي”، فجمع المقتنيات الأثرية هوايتي منذ الصغر، وكذلك توثيق الماضي الجميل وتعليم الأجيال الحالية بطرق العيش القديمة، إذ كان من غايات متحفي لتعريف جيل الشباب بتراثهم القديم».

ترحيب الناس

رحبت الناس في قريتها والقرى المجاورة والبلدات القريبة منها بفكرتها، حيث أحضر بعضهم بعض مقتنياتهم إلى هذا المتحف الصغير على شكل هدايا، كالسجاد القديم الذي حاكته يد الجدات في الماضي منذ نحو 200 عام، وكذلك أدوات المطبخ الخشبية والفوانيس القديمة والمسابح والمناخل.

وقالت، إن حلمها هو الحصول على مجموعة أكبر من التحف في المستقبل، وتخصيص مساحة واسعة لإظهار التحف الرائعة على أكبر شريحة ممكنة للناس.

وأضافت، «أنا حارسة هذه القطع لأنني لا أملكهما، وهي من حق الأجيال القادمة، وأتمنى أن يحافظوا عليها مستقبلاً ويحموها أكثر مما أقوم به الآن كي لا يندثر تاريخ الأجداد، فغايتي هو إطّلاع الأجيال الجديدة على تاريخ وتراث شعبنا، لأن لدينا تاريخاً مشرفاً ومشرقاً».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.