تعتمد سوريا على القطاعات الاستثمارية في نمو الاقتصاد الداخلي، وتعدّ الصناعات الدوائية من أهم هذه القطاعات، لا سيما بعد تأسيس “الشركة العربية لصناعة الادوية”، وتأميم شركتي “الديماس” و”تايمكو” عام 1968، ولكن مع نشوب #الحرب_السورية عام 2011 تراجع عدد معامل الأدوية من ستة وثلاثين إلى اثنين وأربعين معملاً في عموم البلاد، ما أدى لتراجع الإنتاج بنسبة 75%، حسب وزارة الصحة السورية.

افتتاح #الحكومة_السورية عدداً من المعامل، بعد استعادتها السيطرة على محافظة #درعا، لم يُحرك عجلة الإنتاج بالشكل المأمول، ما تسبب بتراشق للاتهامات بين الصيادلة وأصحاب المعامل الدوائية، حول الطرف المتسبب بأزمة نقص الأدوية في المحافظة، وتفاقمها عقب انتشار وباء #كورونا، وإغلاق الحدود مع دول الجوار.

 

إغلاق الحدود فاقم الأزمة

يؤكد “أحمد البشير”، المنحدر من مدينة #نوى، لموقع «الحل نت»، أن «المريض يعتبر الدواء أهم من الغذاء أحياناً، فهي مسألة حياة أو موت». ويتحدث عن أزمة زوجته المصابة بالتهاب الغدد، «بدأت المشكلة مع تقلّب أسعار صرف الليرة السورية، فارتفع سعر علبة الدواء، التي تحتاجها زوجتي، إلى أربعة آلاف وخمسمئة ليرة سورية، وهي تستهلك علبتين شهرياً، ما يعادل خُمسَ راتبي».

أما من وجهة نظر “سمية عبد الرحمن”، التي تعيش في مخيم درعا، فإن «ارتفاع الأسعار ليس جديداً على المرضى، فالرقابة غير موجودة، واختلاف الأسعار بين صيدلية وأخرى واضح للعلن. قبل فقدان الدواء الذي احتاجه، اختلفت أسعاره من مكان لأخر بفارق ستة الاف ليرة سورية».

وتشير “عبد الرحمن”، في حديثها لموقع «الحل نت»، إلى أن «الأدوية الإيرانية، الموجودة في الأسواق، أسعارها عشرة أضعاف سعر الدواء المحلي، وجودتها أقل بكثير من الأدوية السورية، ولكن المرضى مضطرون لاستعمالها، فلا بديل عنها بعد اغلاق الحدود مع #الأردن ولبنان بسبب الوباء».

أما مريضة الربو “انتصار الجباوي” فتوضح لموقع «الحل نت» أن «أدوية للربو ليست متوافرة في الصيدليات، وقبل انتشار “كورونا” بلغ سعر علبة البخاخ ألفاً ومئتي ليرة، وهي غير متوفرة في كل الصيدليات، وإن وجدت فإن سعرها ارتفع، بعد الوباء، إلى ألفين وخمسمئة ليرة، وعند انقطاعها نضطر للذهاب إلى المشفى لتناول جرعات الاكسجين عبر المنافس الاصطناعية، ذات التكلفة الباهظة».

 

“الصيادلة ضحية مثل المواطن”

من جانبها تقول الصيدلانية “منى اليوسف” لموقع «الحل نت» أن «نقص أدوية معينة سببه انخفاض إنتاج معامل تصنيع الأدوية المحلية، ويرتبط ذلك بارتفاع سعر صرف الدولار، في حين ما تزال وزارة الصحة السورية تحدد التسعيرات بناءً على سعر صرف البنك المركزي».

إلا أن الصيدلي “زياد أحمد”، من مدينة درعا، يزعم أن «الأدوية والمواد الأولية متوفرة في المصانع، لكن بعض أصحابها قرروا عدم انتاج مركّبات دوائية معينة لاعتراضهم على الأسعار، مثل دواء “انفكون” الذي يبلغ سعره وزارياً مئتي ليرة، وهذا المبلغ لا يكفي لتغطية تكاليف التغليف والتعبئة».

ويضيف “أحمد” في حديثه لموقع «الحل نت»: «الصيدلي ضحية مثل المواطن، وهو غير مسؤول عن ارتفاع الأسعار، ويساوره شعوره بالخجل والألم عندما يلجأ إليه مريض لطلب دواء غير متوافر في الأسواق، فكل المواد المخزنة لدينا انتهت»، حسب تعبيره.

ويوضح “أحمد” أن «أدوية الأمراض المزمنة، بمختلف أنواعها، مفقودة نهائياً من الأسواق، مثل دواء ارتفاع حمض البول، وأدوية القلب والغدة والضغط، وأدوية الالتهاب بعيارات ثقيلة، ومنها “الأميكاسين”، “زيفكسيد”، “الأوغمنتين”، “السيفيم”، وأدوية التهاب الأطفال. وهي أدوية أساسية، لذلك الطلب عليها ازداد بشكل مضاعف، ما ينذر بأزمة كبرى فد تؤدي لإغلاق الصيدليات أبوابها».

ورفعت وزارة الصحة أسعار 1400 صنفاً دوائياً في 20 أيار/مايو الماضي إلى 600%، منها 1247 صنفاً دوائياً غير موجود بالسوق المحلية، واعتمدت في التسعير الجديد على سعر صرف الدولار التفضيلي، البالغ 704 ليرة، وذلك للأدوية التي استوردت موادها الأولية بعد آذار/مارس 2020.

 

دولار الحكومة يتسبب بالخسارة!

«بسبب الحظر والإجراءات الاحترازية التي أعلنتها الحكومة السورية لمواجهة وباء “كورونا”، تأثرت أعمال المصانع الدوائية سلباً، خاصة بمجال توزيع الأدوية على الصيدليات في محافظة درعا»، بحسب “سلمان المحاميد”، صاحب معمل “ابن سيرين” للصناعات الدوائية.

ويقول “المحاميد” لموقع «الحل نت»: «خلال أزمة “كورونا” لم يتم رفع أسعار الأدوية التي تُنتج محلياً، إلا أننا  لم نستطع توزيع الدواء على جميع الصيدليات، وسعر الصرف المتبدّل بشكل يومي أرهقنا، لتأثيره على أسعار الأدوية التي يتم استيرادها من خارج سوريا عن طريق دول وسيطة بسبب العقوبات، مروراً بأجور الشحن وارتفاع أجور الأيدي العاملة».

ويشير “المحاميد” إلى أن «تبدّل أسعار الصرف قلّل من توزيع أصناف عدة من الأدوية على الصيدليات، لا سيما أن وزارة الصحة أملت عدة شروط على أصحاب المعامل، منها تقييد سعر الصرف بتسعيرة البنك المركزي، وخصصت أربع شركات لإيداع وتحويل الأموال، متناسيه فرق سعر التصريف في السوق السوداء وخارج سوريا».

ويضيف “المحاميد” أن «الوزارة لم تقدم حلاً، خاصة وأن 80% من احتياجات المصانع الدوائية في سوريا تُستورد من الخارج»، مؤكداً أن معمله بحاجه لـ«مواد أولية بقيمة مليون دولار أمريكي، لا يمكن تحصيلها من بيع علب الدواء بقيمة ثلاثمئة أو أربعمئة ليرة سورية».

 

هل يعالج الدستور القضية؟

أستاذ القانون “مصطفى أبو جيش” قال لموقع «الحل نت» إن «المواد 22،23،25 في الدستور السوري نصّت على أن التعليم والصحة مسؤولية الدولة، وتكفل تأمينهما للمواطن في حالات الطوارئ. وهذا يتعارض مع سماح الحكومة السورية بتصدير الأدوية في الظرف الحالي، فالأولوية يجب أن تكون لتلبية احتياجات السوق المحلية».

ويضيف “أبو جيش”: «لا يجب السماح بتصدير أية ادوية في الظرف الحالي، إلا التي تفيض عن حاجة السوق المحلي، كما يجب الموازنة بين أسعار الدواء والقدرة الشرائية للمواطنين».

ويقترح “أبو جيش” على الجهات المعنية في الحكومة السورية «إلزام شركات الأدوية بتزويد الأسواق بنسب معينة من جميع الأصناف الدوائية، التي سُمح بتصديرها، وخاصة الأدوية الأكثر طلباً، مثل مضادات الاكتئاب. مع فرض عقوبات على الشركات في حال المخالفة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة