“ميساء درباس” من معلمة تاريخ مُعنَفة، إلى جثة هامدة، إلى خبر ومنشور فيسبوكي

أقدمت معلمة التاريخ “ميساء درباس” على الانتحار، دون رسالة تخبرنا فيها عن سبب رحيلها أو عن أمنيتها التي قد تطلب تحقيقها في غيابها، فآثار الضرب والتعنيف التي تشهد عليها زميلات ميساء في المدرسة هي أبلغ من أي كلمات تخبرنا بسبب قرار ميساء بالرحيل، أما عن أمنيتها الأخيرة فيبدو أن اليأس كان صادقاً مع الضحية عندما دفعها إلى عدم كتابة أمنية لن تتحقق، فالمعنِّف زوج ميساء منع أولادها من زيارة والدتهم حتى وهي تحت التراب.

وإذا كانت العادات لا تزال في بعض الأرياف تفضل زواج الفتاة من ابن عمها كونه الأقدر على صون الأمانة، والأحرص على عدم خذلان ابنة عمه، فإن “أحمد إبراهيم درباس” زوج ميساء وابن عمها تفنن في تعنيف زوجته وحرمانها من أولادها، وما دفع ميساء للانتحار بعدما سقطت في قاع اليأس هو عدم وجود رادع قانوني أو اجتماعي يوقف الظالم عند حده، فالسلطة الذكورية عقدت صفقة صامتة مع الزوج المعنّف وخافت أن يتأثر انتصاب شاربها إذا ما انصفت امرأة على رجل.

صبرت على العنف ولم تصبر على فراق أولادها

تحملت “ميساء” سبع سنوات من الضرب والتعنيف الجسدي والنفسي، إلا أنها قررت الانتحار بعدما طردها زوجها من الخيمة التي تقيم فيها الأسرة على نفقة ميساء، معلناً حرمانها من أولادها، ورغم أن ميساء كانت تعمل وتنفق-حسب صديقتها- على نفسها وأولادها، أي أنها كانت مستقلة مادياً، إلا أن سلطة زوجها المدعومة بسلطة المجتمع الذكوري العشائري كانت محكمة الخناق على رقبتها، فكان زوجها قادراً على إصدار قرار بمنعها من رؤية أولادها كونه يتمتع بسلطة تفوق سلطة الدين والمنطق والحق، لذلك لا عجب أن تلجأ ميساء إلى أرحم الراحمين، تاركةً وراءها ثلاثة أولاد سيكبرون ويعرفون حقيقة أن والدهم تسبب بما جرى لوالدتهم وسيقرؤون قصتها التي ستبقى محفوظةً على صفحات الإنترنت.

أولادكم ليسوا لكم

تشير الباحثة في علم الاجتماع “نادية الصفدي”، أنه في المجتمعات الجمعية يكون الفرد مُلكٌ للقبيلة والمجتمع وليس ملك نفسه، وكلما كان الفرد ضعيفاً كلما فقد حق ولايته على جسده ونفسه، وبالتالي يتحول الأطفال والنساء -كونهم العنصر الأضعف- إلى ملكية خاصة للرجل على اعتبار أنه الأقوى، والذي يتحكم بحركتهم وحريتهم وحياتهم، وإذا ما حققت المرأة استقلالها الاقتصادي وحاولت التخلص من تبعيتها للرجل، يستخدم الأخير الأطفال كوسيلة للضغط والسيطرة عليها، مستغلاً انحلال القانون وسيطرة العرف والعشائرية.

وتوضح الباحثة أنه تضطر العديد من النساء إلى تخلي عن حقهن في حضانة أطفالهن مقابل حصولهن على حريتهن، فقوانين الزواج الإسلامي التي تضع العصمة (حق التطليق) بيد أحد الطرفين -الرجل غالباً- تترك المرأة المعنّفة أمام خيارين أحلاهما مرّ، فهي إما أن تبقى في منزلها وتعيش معنفّة، أو ترضخ لشروط الرجل بالتخلي عن حقوقها المادية وحقها بالأمومة مقابل الطلاق، وتضيف الباحثة، أن سن حضانة الطفل يختلف بين الطوائف المسيحية إلا أن إقدام المرأة على الزواج بعد طلاقها يفقدها حق حضانة الأطفال في الدين المسيحي كما في الدين الإسلامي، ويذهب حق الحضانة للرجل حتى في حال إقدامه على الزواج.

سوشال ميديا محكمة سورية افتراضية

نظراً لغياب الرادع القانوني المنصف لحقوق المرأة في الداخل السوري و بعض دول اللجوء، لجأت العديد من النساء السوريات إلى  صفحات “السوشال ميديا” لفضح العنف الذي يتعرضن له، الأمر الذي قُبل بالاستهجان من قبل البعض بحجة أن «البيوت أسرار»، ولكن في المقابل لاقى صوت هؤلاء النساء الكثير من الدعم والتأييد من قبل داعمي الحركة النسوية، مما ساعدهن- ولو بشكل معنوي- في رفع الظلم الواقع عليهن، وكانت آخر هؤلاء السيدات “آية صباغ” التي أحدث صوتها فرقاً في حياتها وأثر في الكثير من النساء المعنّفات اللواتي قررن عدم السكوت، وبدأن بمشاركة قصصهن على “السوشال ميديا”، مما شكل حلقات دعم معنوي ومادي جمع بين الكثير من السوريات، ولكن خلف الأبواب المقفلة توجد العديد من النساء المعنّفات اللواتي لا يتمتعن برفاهية الحديث عن معانتهن أو بمشاركتها وطلب المساعدة والدعم، فأمثال المعلمة “ميساء درباس” يوجد الكثيرات ممن ستبقى قصصهن حبيسة المنازل، إلى أن تصل إلى الإعلام مع جثثهن.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.