منظمات “المجتمع المدني” في السويداء: مبادرات مجتمعية مستقلة أم أدوات لدى الحكومة السورية؟

منظمات “المجتمع المدني” في السويداء: مبادرات مجتمعية مستقلة أم أدوات لدى الحكومة السورية؟

كان السماح لمنظمات المجتمع المدني بالنشاط بعد اندلاع #الاحتجاجات_السورية عام 2011 ناتجاً عن تراجع هيمنة #الحكومة_السورية، وعجزها عن تأدية كثير من واجباتها تجاه المواطنين، وخاصةً دورها الأساسي في إغاثة الأهالي في مناطق سيطرتها. ما جعل العبء ثقيلاً على المنظمات المدنية، التي عجزت في كثير من الأحيان عن القيام بمهامها، واتُهمت بالتآمر والسرقة، وتواطؤ بعضها مع الجهات الأمنية.

مرت تسع سنوات على صعود هذه المنظمات في محافظة #السويداء، باختلاف مسمياتها وأهدافها وداعميها، وما زالت تُقابل بالشك من كثير من أطياف المجتمع المحلي، فلا هي حققت على الأرض قاعدة متينة، ولا هي صمدت في وجه التحديات التي فرضها الواقع، للحد من الجوع والفقر، وتُركت تتخبط في مواجهة الناس وتساؤلاتهم وحاجاتهم.

 

أنواع “المجتمع المدني”

تقول الناشطة “عليا الحسين” إن «الحكومة السورية لعبت على عدد من العوامل، لإفراغ مضمون هذه المنظمات من محتواه، وجعلها تابعةً لها، وقطع الطريق على المعارضين والمحايدين والطامحين للتغيير السلمي فيها. فقامت بدايةً بدعم الجمعيات التقليدية المرخّصة، مثل جمعية “البستان”، التي مولها #رامي_مخلوف، وكذلك “الأمانة السورية للتنمية”، التي تديرها “أسماء الأخرس”، والتي استولت على غالبية المساعدات الدولية، ودخلت في كل ما يتعلق بالمبادرات المدنية، ووظفت آلافاً من العاملين برواتب عالية، ولكن الدعم الإغاثي كان محدوداً وبشروط».

أما المنظمات المستقلة عن الحكومة السورية، بحسب “الحسين”، «فبدأت تتشكل بعد عام 2011، وواجهت جملة من التحديات، أهمها التضييق على الناشطين، عن طريق الملاحقات الأمنية والاعتقالات، وإصدار إجراءات منع السفر بحقهم. وتم تأليب المجتمع ضد هذه المنظمات، من خلال اتهامها بالعمالة وتنفيذ أجندات خارجية».

وتضيف “الحسين” في حديثها لموقع «الحل نت»: «كان لضعف مصادر التمويل من الجهات المانحة، طيلة السنوات السابقة، دور أساسي في عدم قدرة المنظمات المدنية المستقلة على العمل، وهو ما انعكس أيضاً على المغتربين، الذين أحجموا عن مساعدتها، بسبب اعتقادهم أن أي عمل مدني مرتبط مع الحكومة السورية، ويعكس موقفها».

وأكدت “الحسين” أن «الضعف الذاتي للمنظمات غير التابعة للحكومة أثّر سلباً على دورها وقبولها الاجتماعي، ورغم كل ذلك، فقد حاولت بشتى الطرق أن تناصر الناس في كل قضاياهم، وتكون معهم مهما كانت العوائق، مثل إيواء النازحين وحمايتهم، والمساعدات الإغاثية لأكثر العائلات تضرراً، والجوانب المتعلقة بالأطفال والنساء والثقافة»، حسب تعبيرها.

 

إعادة إنتاج ممارسات السلطة

“مروان حرب”، ناشط مدني من السويداء، قال إن: «المجتمع المدني، بهيئاته وجمعياته الخيرية ومسمياته المتعددة، ساهم بشكل أو بآخر بتخلي الحكومة السورية عن مسؤولياتها بالإعانة والإغاثة».

مؤكداً، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «المنظمات المدنية الوليدة تقف عاجزة أمام الكم الهائل من المهام الضرورية لتلبية حاجات الناس. وما يزيد من صعوبة عملها ابتزاز الدولة السورية للمغتربين وتبرعاتهم، ومحاصصة المنتفعين لأموال التبرعات، لتكون النتيجة عملاً قليل الفاعلية، وموجهاً في كثير من الأحيان للاستهلاك الإعلامي».

المحامية “ناديا عزيز” (اسم مستعار) كانت أكثر وضوحاً في تصريحاتها لموقع «الحل نت»، فأكدت أن «الحكومة السورية تعمل على إفقار محافظة السويداء، وأبنائها بالداخل والخارج، من خلال ابتزازهم وتركهم وحيدين أمام مسؤوليات العمل الإغاثي، وهذا لا يخفى على أحد»، حسب تعبيرها.

فيما ذهب الدكتور “غسان بركات”، الناشط المعارض، ومؤسس فرقة “صوفيا” المسرحية، إلى أن «الحكومة السورية نجحت بإعادة إنتاج نظام قمعي، عن طريق استغلال شرفاء سوريا»، حسب تعبيره.

وأضاف، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنه «حاول جاهداً مساعدة الفئات المنكوبة من المجتمع، وقام بتقديم العلاج والدعم النفسي لعديد من الأطفال الأيتام والمشردين، واللاجئين، والمختطفين العائدين، وتوقع أن تثق الجهات الممولة بعمله، وتقدم له الدعم كي يستمر».

ويردف “بركات” بالقول: «بسبب عدم انخراطنا بأجندات الجهات الأمنية، وجدنا أنفسنا تحت نيرانها، وبدأت تتهمنا بتلقى أموال من جهات مشبوهة، مما أجبرنا على التوقف نهائياً عن متابعة مشروعنا». مؤكداً أنه «توجد هذه الأيام عدة جمعيات ومنظمات مشبوهة، تعود مرجعيتها إلى جهات أمنية معروفة، تدعي الروحانية والتديّن، وتقديم الدعم المادي والعيني للفقراء من تبرعات أعضائها. وعند التدقيق بمصادر هذه الأموال نجد أنها مسروقة من أموال الدعم الدولي المقدم للنازحين السوريين، وإن الغاية من هذه الجمعيات هي استقطاب شخصيات وكوادر موثوق بها اجتماعياً، واستخدامها لإعادة إنتاج الممارسات القديمة للسلطة السورية، بعد أن فقد المجتمع الثقة بكافة منظمات ومؤسسات العمل المدني التابع للسلطة»، حسب قوله.

 

دورٌ لا غنى عنه

“غاندي سليم”، عضو منظمة “بيتي أنا بيتك” في مدينة #شهبا، يحاول إظهار صورة مختلفة لعمل منظمات المجتمع المدني، فيقول، في حديثه لموقع «الحل نت»، إن «أعضاء منظمته شاركوا في المبادرات المجتمعية، وليس لديهم أي طموح سياسي، سوى بناء السلام والثقة، والمحافظة على شعار المنظمة: “حق الضيف وحق الوطن”، وعملوا دون أي تدخل من أي جهة خارجية، في ظل تضيق أمني واعتقالات طالت عدداً منهم»، مؤكداً أن المنظمة «قامت بإطلاق عديد من المبادرات، التي ساهمت بجسر الهوة بين المجتمع المحلي في السويداء والنازحين، الأمر الذي ساهم إلى حد كبير في عملية الإندماج المجتمعي، وتبديد الصور النمطية بين سكان المحافظة والوافدين الجدد».

فيما يدافع المغترب “فراس عبد الدين”، في حديثه لموقع «الحل نت»، عن عمل المنظمات المدنية بالقول: «لولا جهود منظمات المجتمع المدني الحقيقي لكان ما تبقى من المجتمع في خبر كان»، حسب تعبيره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.