يعاني القطاع النسيجي في #سوريا، من أسوأ مرحلة في تاريخه، إذ وصل مرحلة “الموت السريري” بحسب توصيف أصحاب المنشآت، وبات الكساد يعصف بالبضائع، والخسائر تضرب المعامل، التي قلّصت أيام عملها، وخفّضت عدد #العاملين ما زاد من معدلات #البطالة.

أكد “عمر خليل”، اسم مستعار، وهو أحد أصحاب محلات #الألبسة في سوق #الصالحية بدمشق لموقع (الحل نت)، أن «الإقبال على شراء الألبسة نادر، ولم يمر علينا في تاريخ عملنا مثل هذا الركود، الذي بدأ يشتد منذ آذار الماضي مع بدء تطبيق الحجر المنزلي، وتحديد ساعات العمل بسبب #كورونا، وترافق مع تضخم هائل بالأسعار وانخفاض بالقدرة الشرائية، حتى باتت الملابس عبارة عن كماليات»، على حد تعبيره.

وأضاف «أغلب مستثمري المحلات في أسواق الحمراء والصالحية والحريقة، سلموا المحلات لأصحابها، لعدم قدرتهم على دفع بدلات الاستثمار نتيجة قلة المداخيل وارتفاع التكاليف لحدود غير منطقية».

ضعف منافسة أمام البضائع الصينية والتركية

صناعيو النسيج يستغيثون بين الحين والآخر دون مجيب، وبدأت مناشداتهم تزداد منذ العام الماضي، بينما امتدت المعاناة طوال الحرب في سوريا.

وأكد أحد الصناعيين في قطاع الألبسة لموقع (الحل نت) أن «البضائع السورية لم تعد قادرة على المنافسة خارج سوريا، نتيجة الضغوط على دول العالم بمنع التعامل مع السلطات السورية اقتصادياً من ناحية الصادرات، إذ ساهمت العزلة بجعل صناعة الألبسة السورية متأخرة عن الدول الأخرى».

وتابع «قبل الحرب، كانت كلف الإنتاج قليلة وجودة الألبسة منافسة، والموديلات معاصرة والتصدير في أوجه، وهذه المزايا ساهمت سابقاً بأن تغزو الألبسة السورية دول الجوار مثل لبنان والعراق والأردن والخليج، لكن اليوم بات من الصعب أن يتم إقناع زبون مستورد ببضائع سورية، وهو قادر على شراء بضائع صينية وتركية بأسعار وجودة أفضل».

وأضاف «عملية التصدير صعبة جداً، فكان المستوردون يزورون سوريا ويطلعون على النماذج والنوعيات، بينما خلال سنوات الحرب ونتيجة الأوضاع الأمنية وإغلاق المطارات، أصبحنا نعتمد على الواتس اب لإرسال الصور، وهذا أسلوب غير مقنع للكثير من المستوردين، الذين يفضلون زيارة تركيا أو الصين على سبيل المثال وإتمام الاتفاقات على رأس خط الإنتاج».

البضائع السورية، لم تعد قادرة على المنافسة حتى داخل سوريا نفسها، بحسب الصناعي، وأكد أن عملية تهريب الألبسة نشطت لهذا السبب، فبات شراء ملابس صينية مهربة إلى سوريا أوفر وأفضل من ناحية الجودة، مقارنة بشراء سلعة سورية، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج.

بدء احتضار الصناعة المحلية مع ارتفاع تكاليف الإنتاج

وكان رئيس رابطة المصدرين السوريين للألبسة والنسيج “أكرم قتوت” أكد العام الماضي، أن الصناعة النسيجية تحتضر، مع ارتفاع تكاليف إنتاجها نتيجة الظروف الحالية وانتشار البضائع المهربة في الأسواق، والتي تؤدي لإغلاق المعامل لعدم قدرتها على منافسة المهربات.

وأشار الصناعي “حسام مكي” إلى أن الصناعة النسيجية تتراجع وكذلك التصدير، مؤكداً وجود العديد من المشاكل، والمعوقات التي أفقدتها قدرتها التنافسية في الدول المجاورة، والتي تحتاج إلى معالجة بالأدوية الفعالة وليس بالمسكنات.

وحتى 2017، كان القطاع النسيج يشكل نحو 70% من حجم الصادرات السورية والتي يتركز إنتاجها في دمشق وحلب، كما يتم تشغيل من 50 إلى 60% من اليد العاملة بحسب رئيس اتحاد المصدرين حينها “محمد السواح”.

وحتى تموز 2019، وصل عدد المنشآت النسيجية التي عادت للعمل إلى 82 ألف منشأة صناعية وحرفية من أصل 170 ألف منشأة كانت تعمل قبل الحرب، بحسب وزير الصناعة السابق “معن جذبة”.

الأرقام المعلنة من السواح وجذبة، بقيت محطاً للجدل حتى بدأ الوضع يظهر وكأنه كارثة خاصة على القطاع العام في 2019 مع تشديد العقوبات على البلاد وتقلّص الصادرات السورية بمجملها.

وتجلى ذلك بإعلان شركة الشرق العامة للألبسة الداخلية، بيع منتجات العام 2018 في المزاد العلني، بعدما كسدت، وازداد المشهد كارثية في تموز الماضي من 2020.

إذ كشف مدير المؤسسة العامة للصناعات النسيجية “نضال عبد الفتاح”، عن وجود مشروع لزراعة مساحات معينة من الأراضي، التابعة لها بمحاصيل موسمية، لتوزيعها على العمال مجاناً، وتحسين وضعهم المعيشي.

يبرر صناعي أخر في القطاع النسيجي، فضل عدم الكشف عن اسمه، لموقع (الحل نت) سبب تأزم وضع الصناعة النسيجية في عام 2019 – 2020، بارتفاع سعر الصرف، وتدني القدرة الشرائية، مع زيادة تكاليف الإنتاج، والضغوط التي فرضت اقتصادياً على دول الجوار.

ومنع التعامل مع سوريا وهذا ما حدث مع الأردن، البوابة الهامة بالنسبة للنسيج السوري، حيث منع الأردن استيراد ودخول الكثير من البضائع السورية ومنها النسيجية، إضافة إلى عدم تفعيل المعبر مع العراق، بحسب الصناعي.

وأضاف أن «صعوبة دخول المغتربين السوريين إلى البلاد، ساهم أيضاً بتضييق الخناق على الصناعات النسيجية خاصة مع أزمة كورونا»، مشيراً إلى أن «ارتفاع سعر الدولار كان كارثياً أيضاً، لأن كلف الإنتاج محلياً مرتبطة كلها بالدولار من الخيط المستورد إلى الصباغ والآلات».

وفي 28 حزيران 2020، رفعت وزارة الصناعة، أسعار الغزول بنسبة 40% نتيجة ضغط التكاليف، حسب المدير التجاري لمؤسسة الصناعات النسيجية “علي رجب”، ما وصفه صناعيون بأنه “كارثة” جديدة.

استمرار صناعة النسيج بات أمراً مستحيلاً!

وتعمل المعامل النسيجية في سوريا يومين في الأسبوع فقط، وباتت تشكل 2% فقط من الاقتصاد السوري، بعدما كانت تشكل نحو 40%، وبلغت مبيعات المؤسسات الحكومية 187 مليار ليرة خلال 2019 حتى شهر أيلول بحسب تقارير حكومية.

وبحسب دراسة أعدّها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية حول الصناعة النسيجية في سوريا عام 2015، بلغت قيمة إنتاج القطاع النسيجي حوالى 3.1 مليارات دولار عام 2010.

عضو غرفة صناعة دمشق وريفها وأحد صناعيي النسيج “أسامة زيود”، قال في تصريح لموقع (الاقتصادي) مؤخراً، إن استمرار قطاع النسيج بالعمل أمر مستحيل، مبيناً أن كل العاملين في هذه القطاعات مهددون بانقطاع دخلهم في حال استمرت الخسائر لشهر جديد.

وأضاف أن خسائر معامل النسيج منذ بدء أزمة فيروس كورونا، تخطت الـ100%، نتيجة توقف العملاء عن دفع ثمن البضائع، التي استجروها، وإعراض آخرين عن استكمال استجرار بضائعهم لعدم قدرتهم على تصريفها.

صناعة النسيج السورية تنتعش في تركيا ومصر

ومنذ 2011، هاجر الكثير من الصناعيين ومنهم صناعيو الألبسة إلى دول الجوار، وحققوا نجاحات كبيرة، وساهموا بنهضة القطاع هناك، وساعدوها حتى بغزو الأسواق،

وتُقدر عدة إحصائيات غير رسمية، نشرتها (نون بوست) أنه من 500 ألف إلى مليون سوري يعملون بشكل فعلي في تركيا، وأكثرهم يعملون في قطاعي الأنسجة والألبسة.

واستفادت تركيا من الوجود السوري لخفض تكاليف الإنتاج نتيجة رخص اليد العاملة، حيث يتقاضى بعض اللاجئين السوريين والأجانب العاملين في ورشات الحياكة والمنشآت الصناعية مبالغ لا تزيد أحيانًا على 1000 ليرة تركية، والأيدي العاملة السورية تُساهم بشكل أو بآخر في زيادة نسبة الصادرات التركية من الألبسة التي غزت العالم، بحسب (نون بوست).

وتضررت مصر من إغراق سوقها بالملابس، التركية، ليدشن تحالف شركات في مصر يضم 11 شركة متخصصة في صناعة الملابس الجاهزة والأقمشة، ومعظمها مصانع كبيرة مملوكة لرجال أعمال سوريين، بقيادة رجل الأعمال السوري “أحمد سماقية”، علامة “فاشون 180” التجارية، لمواجهة إغراق الألبسة التركية مع بداية العام الجاري.

ويسعى التحالف لتوسيع شبكته في مصر عبر ضم 10 آلاف تاجر، فيما يستهدف مخاطبة 10 ملايين مستهلك، فضلاً عن التصدير لـِ 50 سوقاً حول العالم.

ودخلت “قطونيل” التي يملكها رجل الأعمال السوري “باسل سماقية” في مصر، موسوعة “غنيس” عام 2018، وتعتبر من كبرى شركات الملابس الداخلية في شمال أفريقيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.