بوادر مجاعة في الجنوب السوري: الحرب والوباء يدفعان الأهالي للعودة لنظام المقايضة

بوادر مجاعة في الجنوب السوري: الحرب والوباء يدفعان الأهالي للعودة لنظام المقايضة

لجأ بعض الأهالي في جنوب سوريا مؤخراً للعودة لنظام المقايضة، عن طريق عرض المواد الأساسية للتبادل على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي تعيشها البلاد، جراء الحرب وتفشي وباء #كورونا.

وأصبحت المنشورات المخصصة للمقايضة محطّ رصد وتفاعل كثير من الأهالي في #دمشق ودرعا، فيما اعتبرها البعض ظاهرة غريبة، متخوفين من استفحالها، لا سيما وأن المنظمات الدولية عبّرت عن قلقها المتزايد من استمرار ارتفاع معدلات الفقر في البلاد، نتيجة انهيار سعر صرف الليرة السوية مقابل الدولار.

 

“مافي ليرات، والأولاد جوعانين”

تقول “فاطمة علي”، من سكان حي “نهر عيشة” بالعاصمة  دمشق، إن «الظروف الاقتصادية الصعبة، ومشاهدة عديد من عروض المقايضة عبر صفحات الإنترنت، شجعها لعرض ما لديها من مؤن منزلية للمقايضة».

وتؤكد “علي”، في حديثها لموقع «الحل نت»، أنها «تتبع هذه الطريقة بعد انفاق راتب زوجها المتقاعد، الذي لا يكفي لنصف الشهر»، مضيفةً: «لقد أصبح موضوع المقايضة مفيداً لعدد كبير من أهالي المنطقة، فالنقود لا تتواجد في كل بيت لآخر الشهر، والأولاد سيموتون من الجوع في حال اكتفينا بالموجود»، حسب تعبيرها.

من جهته يوضح “سيف القاسم”، أستاذ التربية الإسلامية من مدينة “جاسم” بدرعا، أن «فكرة المقايضة مفيدة، فقد تمكّن خلال الأشهر الماضية من مبادلة مادتي الأرز والقمح، اللتين استلمهما عبر البطاقة الذكية من مؤسسات #الحكومة_السورية، بمادة الجوز، لعمل مؤونة “المكدوس”».

ويبيّن “القاسم”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «مئات إعلانات المقايضة أصبحت تنشر عبر مجموعات خاصة بالأهالي على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو نمط جديد غير معهود سابقاً. في البداية كان الأمر محرجاً، ولكن مع انتشار إعلانات المقايضة أصبحت أمراً اعتياديا حتى بين الإخوة. لكننا نخاف المستقبل، ولا ندري بماذا سنقايض عندما ينتهي كل ما نملك»، حسب تعبيره.

 

الدواء مقابل الدواء

تقول الصيدلانية “تولين السكري”: «خلال أزمة وباء “كورونا” جاءني كثير من المرضى، ومعظمهم من النساء كبار السن، اللواتي يطلبن أصنافاً من الأدوية، مقابل مقايضتها بأدوية أخرى موجودة لديهن. رغم أنه من المعروف أن الصيدليات لا تبيع بالدين، ولا تعتمد نظام المقايضة أصلاً».

وتفيد “السكري”، في حديثها لموقع «الحل نت»، أن «مالك الصيدلية نهاها عن مبادلة الأدوية النادرة، والتي تزيد أسعارها عن خمسة آلاف ليرة، في حين وافق على مقايضة بقية الأدوية، بشرط سريان مفعول الدواء، وعدم كونه مستعملاً، مع احتساب سعر الدواء المعروض من قبل الزبون بسعر الشراء من المصنع».

أما “أحمد الوالي”، أحد العاملين بالزارعة في #درعا،  فأشار إلى أنه «يعاني من مرض التهاب الرئة، وارتفاع الضغط، ومع أزمة “كورونا”، وارتفاع أسعار تصريف الدولار، أصبح غير قادر على شراء الأدوية».

وأضاف “الوالي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنه «يقوم بعملية مقايضة الأدوية، التي يتلقاها من المشفى الوطني الحكومي بسعر رمزي، بأدوية أخرى، إذا مرض أحد أفراد عائلته، لعدم قدرته على توفير المال في الوقت الحالي، نتيجة توقفه عن العمل بسبب الوباء».

 

الحكومة سبقت الشعب

«إن انهيار الليرة أمام الدولار الأمريكي، وارتفاع الأسعار، حمّل السوريين أعباءً اقتصادية إضافية، وأمسى تأمين الحاجات الأساسية، مثل الحليب والطحين والخبز والأرز بالغ الصعوبة، وباتت الفواكه واللحوم من المنتجات التي يحلم بها عامة الشعب»، حسب تعبير “مصطفى العبد الله”.

ويقول “العبد الله”، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، في حديثه لموقع «الحل نت»، إن «مبادلة السلعة بالسلعة هي أصلاً فكرة حكومية، صدرت، في آواخر العام 2012، عن “محمد ظافر محبك”، وزير الاقتصاد والتجارة، الذي بادر، عبر القرار 1409، لتشكيل لجنة لإدارة عمليات مقايضة السلع مع الخارج، لعدم توفر السيولة النقدية لدى الدولة السورية».

وأوضح “العبد الله” أن «السلع التي اقتُرحت للمبادلة هي التي تحمل مزايا، مثل المفروشات والأقمشة القطنية وزيت الزيتون والخضار والفواكه والمواد الخام والقمح والقطن وبعض منتجات الصناعات الهندسية والفوسفات، أما السلع التي ستحصل عليها سوريا من الخارج نتيجة المبادلة، فيمكن أن تتركز على السلع الغذائية، التي لا تستطيع سوريا تأمينها عن طريق الإنتاج الداخلي».

وأشار “العبد الله” إلى أن «الحكومة السورية، اقترحت آلية للمقايضة، تتضمن فتح مراكز تجارية للدول الأجنبية في سوريا، مثل دول الاتحاد الجمركي وروسيا وبيلاروسيا وكازاخستان والصين وإيران والعراق والهند ودول أمريكا اللاتينية وأوكرانيا، وكانت المبادرة الأولى دراسة إمكانية مقايضة القمح الأوكراني بالنفط السوري».

 

نسبة الفقر بارتفاع

يفيد “برنامج الأغذية العالمي”، التابع للأمم المتحدة، بمعاناة 9,3 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، منوها أنه «دون مساعدة عاجلة، قد ينزلق 2,2 مليون شخص إضافي نحو الجوع والفقر، في البلاد التي مزقتها سنوات الحرب، وتفشي فيروس “كورونا” المستجد، الذي فاقم الوضع الاقتصادي سوءاً».

وعبّر “ستيفان دوجاريك”،  المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، عن قلقه «من الارتفاع الجنوني في الأسعار بالأسواق السورية، التي تضاعفت خلال عام واحد، مع بقاء الرواتب على حالها»، مشيراً إلى أن «نسبة الارتفاع في الأسعار وصلت إلى 133% في جميع أنحاء البلاد».

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن «50% من السوريين لا يمتلكون طعاماً يكفي يومهم»، مشيرةً إلى أن «واحداً من كل شخصين في سورية لا يمتلك الغذاء، أو حتى رفاهية شراء الطعام الجاهز، بسبب الحرب في سوريا».

ويعرب “مصطفى العبد الله” عن استنكاره  «لما وصلت إليه سوريا من فقر وجوع، بعد أن كانت مكتفيه ذاتياً بالغذاء، وتعدّ من الدول المصدرة له خلال العقود الماضية». مضيفاً أنه «مع ازدياد الفقر بنسبة 20% عن العام السابق، أصبح 80% من المواطنين تحت خط الفقر الدولي، البالغ 1.9 دولار في اليوم الواحد».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.