الأطفال الأميّون ضحايا لمناهج العنف التي فرضها “داعش” خلال فترة سيطرته 

أمام بقالية جاره “أبو سليم”، يفرش “ماجد محمود”(11 عاماً) بسطته الفقيرة التي تتضمن أكياس البهارات المتنوعة، في سوق بلدة “الشدادي” جنوبي الحسكة، ليجني منها قوت يومه ويعيل بها والدته وشقيقه، بعد أن قتل تنظيم “داعش” والده، إبان سيطرته على البلدة، بتهمة التخابر مع النظام السوري.

يقول “ماجد” لـ(الحل نت)، إنه لا يتقن القراءة والكتابة، وأُجبر على دخول سوق العمل بعد فقدان العائلة لمعيلها الوحيد ويضطر لبيع ما تيسر له من أنواع البهارات وأحياناً علب المحارم والجوارب، ويضيف: «أخرج منذ الصباح الباكر للعمل، وإن لم أتمكن من بيع مخصصات يومي من البضاعة حتى الظهر، وقتها أتجول بين الأحياء باحثاً عمن يشتري».

وعلى بعد أمتار من بسطة “ماجد”، يقف “كاظم عبد الرحيم”(15 عاماً)، بجسده النحيل أمام منقل الشواء تحت أشعة الشمس الحارقة، يشوي وجبات اللحم لزبائن المطعم الذي يعمل فيه، ويقول لـ(الحل نت): «فقدت والدي بعد سفره إلى مدينة الرقة قبل 5 سنوات، إبان سيطرة تنظيم “داعش” عليها، وأما والدتي فهي متوفاة منذ أن كنت في الثانية من عمري بسبب إصابتها بمرض السرطان، وبسبب الفقر وخوف جدتي عليّ، لم ترسلني لمدارس التنظيم حينها».

يشتاق “كاظم” لمقاعد الدراسة ولمدرسته، لكنّه وضّح استحالة عودته وإتمامه الدراسة، فهو لم يكمل المرحلة الابتدائية بسبب مناهج “داعش” وتخلف عن دخول مدارسهم حينها، مضيفاً أنّ أقرانه من الطلّاب ممّن في عمره «سينتقلون للمرحلة الثانوية».

مناهج العنف

مناهج العنف التي فرضتها دولة الخلافة وتجنيده للأطفال، منع عدد كبير من أهالي بلدة الشدادي، مواصلة أطفالهم الدراسة في ظل حكم التنظيم، ووضعهم أمام خيارين قاسيين، إما إن تتشرب أدمغة أطفالهم بمناهج متطرفة أو يتركون الدراسة، كما يوضح “عبد العال الموسوي” مُدّرس لغة عربية متقاعد في “الشدادي”، ويقول: «كباقي مجالات الحياة، فقد سلك التنظيم أسلوب العنف والتطرف بإدارة قطاعه التربوي في المناطق السوريّة التي سيطر عليها، ومنها “الشدادي” التي أنشأ فيها ديوان التعليم، وأسند إدارته لقيادي سعودي مهمته إدارة التعليم على غرار وزارة التربية والتعليم الحكومية، إذ احتوت المناهج على دروس فنون القتال والعنف وأنواع الأسلحة ودروس عملية على كيفية استخدامها».

ارتفاع نسبة عمالة الأطفال

مفرزات الحرب التي عاشتها البلاد والظروف الاقتصادية وتحكم داعش بالعملية التربوية، أدت لارتفاع نسبة عمالة الأطفال، لا سيما العاملين في مهن تفوق قوّتهم البدنيّة، واستغلالهم من قبل أرباب العمل، في ظلّ عدم الرعاية الكاملة لهم من أيّ جهة رسميّة أو خيريّة.

وعن أسباب تلك الظاهرة، أشار “سمير مصطفى” إداري في “منظمة السلام للطفولة” إلى الدور السلبيّ لبعض الآباء وتأثيرهم على ذهاب أبنائهم إلى العمل بدلاً من المدرسة، مبيناً أن غالبية الأطفال «يعملون في مهن منهكة لا تتلاءم مع بنيتهم الضعيفة والتي تحتاج إلى قوّة بدنية كبيرة، كتصليح السيارات وتغيير عجلاتها والميكانيك ونقل البضائع وتحميلها وغيرها، وكل ذلك له تأثير سلبي كبير وخطير على صحتهم الجسدية والنفسية، فضلاً عن تأثيره على العمليّة التعليميّة وضياع مستقبلهم».

الأسباب

لم تتضاءل نسبة عمالة الأطفال رغم افتتاح المدارس، لترتفع معها نسبة الأميّة بينهم لأسباب يعيدها عضو المجلس المدني للشدادي “جميل عامر” إلى فترة سيطرة “داعش” على الشدادي، وتخوف أهالي البلدة من مناهجه التي فرضها على المدارس، والتي خدمت فكره المتشدّد وقتله للمدنيين بتهم واهية وإخفائهم، حيث أن غالبيتهم كانوا معيلين لعوائلهم، ما أدى لارتفاع نسبة عمالة الأطفال، موضحاً بالقول «عوائل عديدة فقدت معيلها الوحيد، بسبب إعدامات “داعش” أو اعتقالاتهم، ولا يزال مصير بعضهم مجهولاً لليوم، فأُجبر الأطفال تحمل مسؤولية إعالة أسرهم، إضافةً لتخوف الأهالي على أطفالهم وتشربت أدمغتهم من أيديولوجيا “داعش”، فمنعوا أطفالهم من الذهاب لمدارس التنظيم الذي سيطر على العملية التعليمية والمدارس، وفضّلوا بقاء أطفالهم أميّين في المنزل أو أن يعملوا في مهنٍ تفوق قدراتهم الجسدية، مما رفع نسبة عمالة الأطفال في البلدة، فارتفعت معها نسبة الأميّة التي لا نملك أرقام دقيقة عنها».

ونوه “عامر”، أن داعش تسبب في «حرق مراحل دراسية في حياة الأطفال، فالعديد منهم كانوا طلاب مدارس قبل دخول داعش للبلدة، ولم يتمموا المرحلة الابتدائية، بينما أقرانهم في مدنٍ أخرى هم في المرحلة الإعدادية أو انتقلوا للثانوية».

وتابع، أن “داعش” «فرض نظامه التعليمي في مناطق سيطرته، وكانت مناهجه مجرد غسل دماغ للطلاب» موضحاً «كل الذي تعلمه الأطفال في مدارس داعش، كان له صلة بالقنابل والبنادق، وكيف تصبح مقاتلاً».

وحول التدابير التي اتّخذها المجلس المدني للحدّ من هذه الظاهرة، قال “عامر” «لا يمكننا منع الأطفال من العمل وإجبارهم على الالتحاق بالمدارس، أولئك الذين تعتمد عليهم عوائلهم في تأمين مورد عيشهم، كما أن العديد منهم تأخروا في المراحل التعليمية مقارنةً بأقرانهم ممن لا يزالوا يتابعون دراستهم».

وحذر تقرير لمنظمة “الأمم المتحدة”، بداية العام الجاري من الواقع التعليمي المروع في سوريا، إذ كشف التقرير أنه، ومنذ بداية الأزمة السورية، قد تعرضت آلاف المدارس للتدمير واستخدمت لأغراض عسكرية، في وقتٍ حُرم أكثر من 2.1 مليون طفل من ارتياد مدارسهم بشكل منتظم.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.