تُصنّف #سوريا، على أنّها من الدول الغنيّة بالثروة السمكية، سواء تلك البحرية منها أو النهرية، وذلك بفضل الواجهة البحرية العريضة، التي تمتلكها البلاد على #البحر المتوسّط، إضافةً لغزارة نهر #الفرات بالأسماك.

على الساحل السوري، في محافظتي #طرطوس واللاذقية، ثمّة المئات من أبناء هاتين المدينتين يعملون بالصيد منذ عشرات السنوات، ويُعتبر صيد #الأسماك عملهم الرئيسي، ومصدر كسبهم الوحيد.

وبالتزامن مع موسم #الصيد الحالي، الذي يعقب موسم التكاثر، عاد صيّادو الساحل السوري إلى الواجهة، بمشاكل مضاعفة عن الأعوام الماضية، حيث يعاني أغلبيتهم من عدم القدرة على تحصيل قوتهم، بسبب قرارات حكومية قيّدت حركتهم.

إضافةً لانعدام الوقود والمواد الأولية، إذ تمتد المشاكل لتصل إلى صعوبة التصريف، في وقتٍ لم يعد فيه السمك ضيفاً مُرحّباً به على موائد السوريين، الذين اتجهوا نحو أشياء أكثر أساسية.

قرارات جائرة ولكن على ناس وناس!

في تشرين الأول 2017، أصدرت محافظة اللاذقية قراراً، منعت فيه الصيد بواسطة “السنارة” بداعي إيقاف عمل الصيادين الهواة.

القرار، جاء على الرغم من أن الصيد بواسطة السنارة لا يشكّل أي مخاطر على بنية الثروة السمكية، ولا يمثّل اعتداءً على المهنة، حسبما أشار صيادون لموقع (الحل نت).

وبالمقابل، لم تقم المحافظة بأية جهود لقمع ظاهرة استخدام “التجريف”، و”أصابع الديناميت” للصيد، حيث تؤدّي هاتين الطريقتين إلى مخاطر على الثروة السمكية.

وقال “أبو محمد”، صيّاد في مدينة جبلة لموقع (الحل نت) «إنّه منذ عام 2013، عادت ظاهرة الصيد باستخدام مراكب الجرف، رغم أنّ هذه الطريقة ممنوعة»، موضحاً أن «الصيادين الذين يقومون بهذه الطريقة لديهم علاقات أمنية تجعل الجهات المسؤولة غير قادرة على إيقافهم».

كما تحدّث “أبو محمد” عن وجود الكثير من الصيّادين في سواحل #اللاذقية، يقومون بالصيد عبر استخدام “أصابع الديناميت المتفجّرة”.

وفي عام 2004 منعت وزارة الزراعة في الحكومة السورية، طريقة الصيد بالتجريف، والصيد بأصابع الديناميت، من أجل حماية الثروة السمكية.

وتكمن مخاطر الصيد قوارب الجرف والديناميت، في أنّها تقتل الأسماك الصغيرة قبل أن تنضج، وتطيح بالأسماك الإناث الصغيرة قبل أن يتم تلقيحها، وبالتالي، لا يتم الاستفادة من هذه الأسماك من قبل الصيادين من جهة، ولا يتم تركها لتقوم بعملية التزاوج من جهةٍ أخرى، بحسب “أبو محمد”.

أما المخاطر الأخرى، فإن الجرف والديناميت يدمّران بيوض الأسماك وبالتالي يؤثّر ذلك على التوازن الطبيعي في قاع البحر، وهو ما يؤدّي مع الوقت إلى خسارة البلاد، كميات كبيرة من ثروتها السمكية.

وتشير الإحصاءات الرسمية السورية، إلى تراجع الثروة السمكية في سوريا من 17 ألف طن في عام 2008 إلى ستة آلاف طن فقط في عام 2018، وهو ما يعطي مؤشّراً عن كمية الخسائر التي مُنيت بها هذه الثروة.

صيّادون مدعومون وآخرون اضطروا لتغيير مهنتهم

كان غيث (42 عاماً) يحصّل دخله ودخل أسرته من الصيد طيلة السنوات الماضية، ورث الرجل مهنة الصيد عن والده، ويعتبره مهنته الرئيسية منذ الطفولة، فهو قضى أكثر من 30 عاماً متجوّلاً في البحر داخل قاربه، ولكن اليوم يبحث غيث عن مهنة جديدة، بعد أن يئس من قدرته على تحصيل قوته، من هذه المهنة.

يقول غيث لموقع (الحل نت) «كانت الأمور على ما يرام، وكنت أصيد وأبيع بشكل يومي ما يحقّق لي دخلاً ميسوراً، ولكن مؤخّراً أصبحت هذه المهنة غير مجدية.. ما بتجيب همّا».

يعتبر غيث، أن أكثر ما دفعه لترك المهنة هو إهمال الحكومة للصيادين، وعدم اتخاذ إجراءات لوقف الصيد غير الشرعي، الذي يجعل بقيّة الصيادين يمكثون ساعات في البحر، دون اصطياد أي سمكة.

كما تحدّث أيضاً، عن وجود قرارات تضيّق عمل الصيادين مثل إلزامهم باستخراج موافقة أمنية للصيد، وتحديد ساعات الصيد وضعف القدرة الشرائية للسوريين.

ويتابع حديثه أن «جميع هذه القرارات الحكومية، أدّت إلى خلق بيئة طبقيّة بين الصيّادين، فهناك منهم لديهم علاقات أمنية ويصيدون بكل الطرق المشروعة، وغير المشروعة، ويعودون في كل يوم ومعهم براميلاً ممتلئة بالأسماك، وبالمقابل هناك صيادين مُنعوا من استخدام السنارة، وباتت الشبكة هي الطريقة الوحيدة، والتي لا تفلح في صيد كمية كافية من الأسماك في كل مرّة، هكذا أصبح هناك صيّاداً غنيّاً وآخر فقيراً».

يشرح صيّاد آخر في #اللاذقية، رفض الكشف عن اسمه، أن أكبر مشكلة تواجه الصيّادين حالياً، هي عدم توفّر مادة المازوت لتشغيل المراكب، موضحاً أنّه لم يخرج للصيد منذ أكثر من شهر بسبب عدم وجود #المازوت، وأن هذا السبب بحد ذاته كافيًا للبحث عن مهنة أخرى.

التجار يشترون من الصيادين بأسعار بخسة

تُعتبر السواحل السورية متنوّعة بالأسماك المختلفة، فهناك أكثر من 20 نوعاً رئيسياً، وتتفاوت أسعار هذه الأنواع بحسب جودتها ولذّة لحمها، وتتراوح بين 2000 – 30000 للكيلو الواحد، في أسواق الساحل السوري.

ولكن بمجرّد وصول هذه الأسماك إلى المحافظات الداخلية (دمشق، حلب، حمص) يضاعف التجار أسعارها، إذ أنهم يتولّون مسؤولية نقلها وتبريدها، وهكذا يربح التاجر أكثر من الصيّاد.

وبحسب ما علم موقع (الحل نت) فإن الصيّادين يخرجون للصيد فجراً، وينتهون من العمل قبل الظهر، حيث يتوجّهون بصيدهم إلى أسواق السمك في المناطق التي يعيشون فيها (جبلة، اللاذقية وطرطوس).

وهناك لا يتم فرز السمك، بل يتم بيعه ضمن مزاد علني (شيلة واحدة) ما يجعل الصيّاد يخسر مبالغ كبيرة من قيمة الأنواع الفاخرة من الأسماك، ثم يقوم التجّار بعد ذلك بفرز جميع ما اشتروه، ويضعون له تسعيرة تزيد أو تنقص، حسب العرض، والطلب في الأسواق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.