لم يحن بعد وقت ظهور الكيانات السياسية الجديدة الراغبة بالمشاركة في الانتخابات المبكرة المرتقبة، حتى مع ظهور عددٍ قليلٍ منها، ونحن على موعدٍ مع التعرف على عشرات الكيانات الرديفة للأحزاب التقليدية التي ستدّعي أنها تحمل هموم المتظاهرين.

تفيد التسريبات بأن دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية التابعة للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي المعنية بتسجيل الأحزاب والكيانات الجديدة، أنها سجّلت خلال الشهور الثلاثة الماضية أكثر من /50/ كياناً سياسياً يحمل نظاماً وبرامجاً ومشاريعاً تتفق كثيراً مع أهداف ومطالب المتظاهرين من حيث المبدأ، كما تمتلك قادة يمثلون الهيئات التأسيسية، إضافةً إلى أوراق تتضمن آلاف الأعضاء في جميع المحافظات.

لا أحد يعرف كيف تمكنت هذه الكيانات الجديدة من كسب ثقة آلاف الأعضاء في الظروف الحالية، حيث ينتشر فيروس “كورونا” مع تواصل الغضب الشعبي ضد النظام جرّاء تردي الخدمات وفضائح القطاع الصحي وتدهور الأمن في بعض مناطق شمال وغرب البلاد واستمرار حوادث اغتيال واختطاف الناشطين في الجنوب.

كما لا أحد يعرف، كيف حصلت هذه الكيانات الجديدة على أموال التأسيس والتسجيل، ولا سيما أن تسجيل الكيان الواحد يستدعي توفر مبالغ مالية كبيرة، لا تتوفر عند الناشطين الطموحين الحالمين بدولة تمثلهم.

تتحدث هذه الكيانات بأن لا أمل من التقدم نحو الغد المشرق إلا بالوعي وأن يكون العراق خيمة الجميع عبر تبادل الثقة، وتقول إنها تتبنى خطاب الشباب الغاضب المعتصم في الساحات والناقم في المنازل، كما تقول إن الانتخابات المبكرة هي السبيل إلى “الإزاحة الجيلية” التي ينشدها المحتجون.

لا يوجد ما يمنع الأحزاب التقليدية من العودة مرة أخرى للمشاركة في ماراثون الانتخابات، ونيل مناصب في الحكومات الجديدة، حتى وإن كانت هذه الأحزاب سارقة للأموال وقاتلة للثائرية، طالما أنها تُشارك بعملية من المفترض أن تكون ديمقراطية، ولكن ما يجعل احتجاجات “تشرين” في العراق بلا أي فائدة، أن هذه الأحزاب لم تسرق المال وتقتل فقط، بل سرقت شعارات الثورة، ولأول مرة يحزن المتظاهرون على شعاراتهم مثل حزنهم على رفاقهم الضحايا.

“وعي” المتظاهرين الذين شغل العالم، بات كياناً يديره سياسي كان منتمياً إلى واحدٍ من أحزاب السلطة المتورطة بالفساد، ومبادئ الانتفاضة التي أدخلت العراقيين في حالةٍ عاطفية غطتنا طيلة الشتاء الماضي تحوّلت إلى كيانات يدعمها فريق رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي من مستشارين وصحافيين، فهم يريدون أيضاً قطعةً من هذه البلاد الكعكة.

يُراقب المحتجون ممن تركوا ساحة التحرير للأحزاب وصعاليكها وركّاب الموجات، كيف يُنسى دم /700/ عراقي، كأن “الانتفاضة” لم تحدث، وحوادث اغتيال “فاهم وثائر ورهام وسعدون وتحسين وهشام” الذين لم يعد لهم ذكر في الفضائيات، وكيف تضيع الفرصة الأخيرة.

بكل تأكيد لا يملك المتظاهرون المال الكافي لتأسيس كيان سياسي وتسجيله في المفوضية، كما ليس هناك الجدية الكافية للخوض في هذه التجربة، ولكن يملك التشرينيون الفرصة لفضح كل الكيانات التي صعدت على أكتاف “أولاد ثنوة”، ويملكون العذر لمنع نجاحها، وكل الحق معهم.

ولأن التظاهرات التزمت بعفويتها التي سرعان ما تحوّلت إلى فوضى، ولأن المتظاهرين ألجموا كل ما أراد تنظيم صفوف المحتجين واختيار ممثلين عنهم ومتحدثين، واكتفوا بإسقاط كل الرموز، سُرقت جهودهم، عبر ثعالب تلتف على كل شيء، أُختطف الوعي التشريني.

خسارة المتظاهرين المدنيين والعلمانيين حالياً لا تضاهيها خسارة، كما أنها النكسة التي ستمحو معها جيل المتظاهرين الفوضوين ويُفسح المجال لجيلٍ جديدٍ سيرفض الشعارات ويتجه مباشرة نحو ميادين العمل السياسي، دون أي لطخة أو لوثة من أحزاب السلطة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.