(تخريب، سرقة، بلطجة، اتّجار بالمخدرات وتحرّش) تُلخّص هذه الممارسات سلوكاً لعِصاباتٍ منظّمة وأخرى “عفوية” تنشَط في مخيمات اللجوء بأوروبا، وتحديداً في بلدان العبور من #اليونان إلى #البلقان.

وتتألف هذه العصابات أو المجموعات من لاجئين تختلف دوافعهم وأهدافهم، ما يجعل من كلمة “عصابة” مجازاً لا يُعبّر عن جميع الحالات بالمعنى ذاته.

ينطبق ذلك على اللاجئين الستّة الذين اعتقلتهم السلطات اليونانية بتهمة “الحرق العَمد وتشكيل عِصابَة إجراميّة” في #مخيم_موريا بـ #جزيرة_ليسبوس.

وكان الحريق قد أتى على المخيم، وأثار جدلاً بين أطرافٍ حكومية وحقوقية، فبينما وجّهَ البعض أصابع الاتهام إلى المهاجرين بأنهم يحاولون تسريع نقلهم من الجزيرة؛ ألقى نشطاء باللوم على الحكومة اليونانية وإدارتها السيئة لملف اللجوء.

محاولةُ انتحار

«هذه الحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لأنّ طالب اللجوء في الجُزر يَحرق مَسكنه المهلهل، احتجاجاً على رفض طلب لجوئه، وعلى الظروف اللاإنسانية التي يعاني منها، سعياً منه لتغييرها ولو بأسلوب تخريبي». يؤكد اللاجى الفلسطيني في اليونان “كمال” أن ما جرى في موريا كان «للَفتِ الانتباه إلى الواقع المأساوي هناك»، مبدياً حرصه على «عدم إدانة أي طرف».

وكحال الكثير من العالقين على أبواب أوروبا الغربية، ينطلق هذا الشاب “الغزاوي” في حديثه لـ (الحل نت) من وصف “اليونان” بـ «مقبرة الأحلام» التي تدفع الإنسان إلى سلوكيات إجرامية، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بمخيم “موريا” الذي قضى “كمال” فيه 55 يوماً كانت أشبه بالجحيم، في ظل الاكتظاظ وقلة الخدمات وانعدام الأفق بالخلاص، لتتكرّر حوادث الشغب والقتل.

حتى أنّه هو نفسه حاول الانتحار شنقاً: «لم أحتمل الوضع، فقرّرتُ التخلص من حياتي، لإنني لم أرِد إيذاء أحد. لكنني فشلت وتمَّ إسعافي حينها». يشير “كمال” إلى أن ما قام به «ليس استثناءاً» وبالمقابل يأخذ آخرون منحى مختلفاً في «رد فعلهم»، بحيث يتحوّل ذلك تدريجياً إلى نشاطٍ مُنظّم، لذا نجِد في مخيمات اللجوء بالجزر اليونانية مجموعات تقوم بأفعالٍ «غير قانونية».

«لا مبالغة في وصفِ هؤلاء بالعصابات، فهي تمارس السرقة والتحرش، حتى أن اللاجئون يتجنّبون الخروج من خيمهم في ساعات معينة، خوفاً على ممتلكاتهم أو على أنفسهم من هجمات أولئك البلطجية الذين يعتدون على أقرانهم من المهاجرين، وأيضاً على بيوت مواطنين يونانيين».

ورغم سَرد “كمال” لتلك الانتهاكات، فإنه يتحفظ على تجريم المعتدين بشكلٍ مطلق، في ظل الإساءات أو الانتهاكات التي تصدُر عن الشرطة، نظراً لأنّ «بعض السرقات تقع أحياناً بسبب الحاجة إلى بطانيات أو ثياب تقي من البرد».

بعيداً عن ردِّ الفعل

«بتأثيرٍ منَ التصرفات التي تصدر عن بعض اللاجئين، ازدادت العنصرية لدى اليونانيين». يقدّم اللاجىء السوري “أحمد.س” شهادته برؤية مختلفة، وهو الذي أمضى سنوات في مخيمات اليونان وبيوتها وسجونها، قبل أن يصلَ مؤخراً إلى النمسا.

ويشير “أحمد” إلى أنّ تعامل السلطات «يختلف بين الجزر والبرّ. لكن وكقاعدة عامة، طالما أنّ اللاجىء يلتزم بالقانون فلن يتعرّض للإساءة إلا في حالات قليلة».

وبما أنه عاش فترات أطول في أثينا، فإن “أحمد” لا يقدّم تصوّراً كاملاً عن أسباب ظاهرة العصابات. وعلى عكس ما هو شائع، يركّز على عوامل إضافية لا علاقة لها بالظرف المأساوي، «فقد يقوم لاجئون بالخطف والابتزاز مثلاً للحصول على المال»، وهذا ليس ناتجاً عن شعور بالظلم.

كما أنّ هناك تأثير إضافي للمواد المُخدّرة التي يتعاطاها بعض المهاجرين، ما يجعلهم غير متوازنين، وأكثر ميلاً للإجرام».

عصابات قُصَّر

كان لافتاً في حادثة حريق “موريا”، أن جميع المقبوض عليهم تحت سن الـ20، وبينهم 4 قُصَّر. وهو ما يربطه “أحمد.س” بموضوع «استخدام لاجئين صغار السنّ للقيام بأعمال معيّنة».

ويضرب مثالاً على ذلك من تجارة المخدرات في أثينا، يقول: «تُشغِّل المافيا الألبانية قُصّراً من مختلف الجنسيات، ليبيعوا المواد المخدرة، مُستغلةً عدم نضجهم، وكي يبقى التاجر الكبير بمأمنٍ في حال اكتشاف الأمر».

وتنتشر هذه المجموعات في مناطق (آخرنون، أتيكي، بلاتيا أميريكيز، كيبسيلي، إكزاخيا، أمونيا)، وهي تبيع كل أنواع الممنوعات.

ففي منطقة “آخرنون” توجد بعض المقاهي المخصصة لتلك المواد، ومنها مقهى ألباني يوزع ما لديه من مخدرات بالغرامات على القُصّر الذين ينتشرون في الشوارع لبيعها، «ولا أخفي أنني كنتُ من زبائنهم لفترة من الزمن، واشتريت منهم أكثر من مرّة»، يقول “أحمد.س”.

لماذا الأفغان؟

يرفض “أحمد” إلصاق صفات إجرامية أو عنصرية بجنسية معينة. ومع ذلك يؤكد أن بيئة حياة اللجوء «تختلف من مكان لآخر، وعليه تبرز ظواهر وتتراجع أخرى، فاليونان وكوسوفو وألبانيا مقارنةً بغيرها تبقى أفضل، وهي تترك هامشاً لتجاوز القانون تحت بند إنساني».

بينما «لا يمكن أن تتخيل الوضع في صربيا ورومانيا اللتين تُعدّان الأسوأ، ويتعرض اللاجىء فيهما لعنف من قبل الشرطة والسكّان، ما يثير عدوانية بشكل خاص عند الأفغان الذين يفتعلون المشاكل» على حد تعبيره.

هنا، ينبغي العودة إلى «خصائص أساسية تُميّز كلّ مجموعة من اللاجئين في المخيمات المؤقتة، لفهم جذر تشكّل ما يُعرف بالعصابات»، بحسب اللاجىء السوري الآخر “محمد الحاج”.

ويروي “الحاج” تجربته خلال إقامته وعبوره لدول البلقان، وتحديداً  فترة وجوده في مخيم “أوبرينوفاك” بصربيا.

ويشير إلى عامل العَدد وأمور أخرى تحدّد سمات كل مجموعة، «فبالإضافة إلى كون الأفغان أكثرية عددية، فهم يمتازون بكونهم كتلة بشرية متماسكة ومنظمة ذات رابطة قوية بين أبنائها، وكأنهم قبيلة».

ويضيف “الحاج”: «تحت تأثير الانفعال قد يتم تجريم جماعة بأكملها دون فهم، وهذا خطأ. وكما بقية الجنسيات الموجودة، تجِد بين الأفغان لاجئين عاديين، وآخرين ينتظمون في عصابات تمتهن التهريب أو بيع الممنوعات».

ويستدرك هذا اللاجئ السوري بأنّ «العنف كردّ فعل إنساني على ضغوط ما أو كممارسة جرميّة، يبدو أسهل عند الأفغان نتيجة وجود مبررات نفسية عندهم نابعة من قناعات دينية» حسب رأيه.

ويتوقّف “الحاج” عند حادثة وقعت حينَ تعدّى موظف في ذلك المخيم على قاصر أفغاني بالضرب بدون سبب وجيه، وعلى إثرها تجمّع نحو 200 من الأفغان، ونفذوا اعتصاماً إلى أن رضخت السلطات وأبعدت الموظف المعتدي عن العمل.

وفي موقف آخر ، اعتقل أمن المخيم 10 أفغان وضربهم، لاتجارهم بالمخدرات. وبعد نصف ساعة هجمَ 300 أفغاني وقاموا بتكسير المخيم (الغرف والماركت والعيادات الطبية) ثم توجهوا إلى غرف الإدارة، فما كان من الجيش الصربي إلا التدخل وتطويق المخيم لإنهاء “التمرّد”.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.