لا تزال رُكام الأبنية المُدمّرة في محافظتي #درعا و#القنيطرة، باديةً أمام أنظار السكان المحليين، لتصير سمةً بارزة للجنوب السوري، مترافقاً مع انهيارٍ شبه كامل لخدمات المياه والكهرباء، لتُدحَض بذلك؛ ادّعاءات السلطات السورية التي أعادت السيطرة عليها يوليو تموز 2018 وترويجها لعودة الحياة الطبيعية في هاتيك المحافظتين الجنوبيتين.

فالأوضاع الخدمية، لم تشهد تطوراً منذ ذاك الحين، مع استمرار دمار البنى الخدمية التحتية دون حلٍّ جذري، ورغم أن مؤسسة مياه محافظة درعا، نفّذت خلال شهر أكتوبر تشرين الأول 2019 أعمال صيانة لخط المياه الرئيسي؛ إلا أنها عادت وأوقفت الضخ، بسبب عطلٍ  أصاب الشبكة لقِدم الأنابيب واهترائها، نتج عنه اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي.

«لا مياه للغسيل».. والاعتمادُ على الآبار حلٌّ مؤقّت

«منذ أشهر، نعاني من فقدان مياه الشرب، فحصة المنطقة التي تضخّها الحكومة السورية، لا تكفي لتعبئة خزان البيت البالغ مساحته متران، ولا تكفي سوى لثلاثة أيام، ونضطر لشراء المياه من الصهاريج بتكلفة عشرين ألف ليرة شهرياً»، تقول “أم محمد الجوابرة” القاطنة في “حي البلد” بمدينة درعا.

وتضيف في حديثها لـ (الحل نت)، «أن غالبية الأهالي باتوا يضعون قطعة من القماش على أفواه صنابير المياه بهدف تنقيتها وتصفيتها، بسبب عدم صلاحيتها للشرب لاحتوائها على شوائب غريبة وقطع من برادة الحديد والصدأ، إضافة لتغيرّ لونها نتيجة جفاف الأنابيب مع طول فترة الانقطاع».

معاناة “الجوابرة” وغيرها من ربّات البيوت، تستمر  مع انقطاع المياه التي يحتاجها النسوة للقيام بأعمال المنزل، لذلك كان الاعتماد على مياه الآبار غير الصالحة للشرب، لكن «حتى تلك الآبار توقّفت عن العمل، بسبب فقدان مادة المازوت» تؤكّد “أم محمد الجوابرة”.

أزمة المياه أُضيفت لمعاناة أبناء الجنوب السوري، فمدة انقطاع المياه تتراوح وسطياً بين عشرة إلى عشرين يوماً في كل منطقة بالتناوب، ما يشكّل ضغطاً كبيراً عليهم.

«فتكلفة تشغيل بئرٍ خاص، يُكّلف بنحو 100 دولار يومياً، لتزويد حيٍّ واحد بمياه الشرب» وفق  ما يؤكّده المهندس “رجب المسالمة” خلال حديثه لـ (الحل نت).

وفي مخيم درعا، يؤكد “عمر طبازة” لـ (الحل نت) «أن الأهالي قدّموا عدد من الشكاوي لمؤسسة المياه ومؤسسة اللاجئين الفلسطينيين العرب لإصلاح شبكة المياه وإعادة تأهيل البنى التحتية، وبالفعل جرت محاولات لتزويد بعض المناطق بالمياه من #محطة_الأشعري، دخلت ورش عمل لصيانة وإصلاح الخط الرئيسي المغذي للقسم الشمالي من المخيم، إلا أن الحي الأوسط لم يتم تزويده مطلقاً بالمياه؛ وذلك بسبب وجود خط المياه الرئيسي تحت ساتر ترابي للقوات النظامية في #ساحة_بصرى، حيث يرفض المسؤولون إزالة أو تحريك الساتر الترابي باعتباره منطقة عسكرية».

الجفافُ يضربُ عَصَب درعا للمرةِ الثانية

بات مشهد الجفاف في #سد_درعا وبحيرتي #المزيريب و#زيزون للمرة الثانية خلال العامين المنصرمين متكرراً، بعد انحسار منسوب المياه بشكلٍ كبير من أهم مصادر مياه الشرب في درعا، خاصةً بعد عودة المياه إليها مطلع العام الجاري، يتكرر في صيف كل عام وشبح العجز المائي يتزايد مع جفاف 13 نبعاً للمياه مؤخراً.

يقول المهندس “رجب المسالمة” العامل في مؤسسة المياه بمحافظة درعا لـ (الحل نت): «إن السبب الرئيس لجفاف المياه من مصادرها، هو تعدّيات الفلاحين عبر استجرار المياه بكميات عشوائية وغير مجدولة إلى المزارع الخاصة بطرقٍ غير شرعية، ويجري ذلك بتركيب المضخات المائية التي وضعها بعض الفلاحين على أطراف البحيرة لضخ المياه إلى مزارعهم».

ويضيف: «أحصت المديرية أكثر من مئة بئر ارتوازي مخالفة على مصدر الينابيع المغذية لبحيرة المزيريب وسد درعا، فضلاً عن أربعة آلاف بئر مخالفة محفورة على العروق المغذية للينابيع والبحيرات، دون مراعاة أدنى الشروط الفنية لحفر الآبار».

مؤكّداً أن المديرية «تصادر عشرات الحفارات المخالفة بشكل دوري، ولكن هذا الإجراء لا يكفي وحده لمواجهة العجز المائي دون تعاونٍ من المزارعين».

أما بالنسبة لانقطاع مياه الشرب لمدة طويلة، يفيد “المسالمة” «أن استجرار المياه يتم بواسطة كهرباء الخط الذاتي ونتيجة الوضع السيئ للكهرباء وخاصة مع النظام الترددي وعملية الوصل والفصل باستمرار؛ أدت الى عدم وصول مياه الشرب للأهالي».

وأشار “المسالمة” إلى «أن سعة سد درعا تبلغ ما يزيد عن 15 مليون متر مكعب، ويغذي مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، فضلاً عن زيارته من قبل الأهالي للاصطياف والاستجمام، أما بالنسبة لبحيرة المزيريب غربي درعا، تبلغ مساحتها نحو 1 كم2، بطول يبلغ 500م وعرض يصل إلى 250م، وارتفاع يبلغ 2.5م، وتعد من أهم المسطحات المائية في المنطقة الجنوبية».

العَطشُ يُهدّد القنيطرة بسبب درعا

بدأت مديرية الموارد المائية في القنيطرة نهاية آب/أغسطس الفائت، بتزويد السدود المائية في درعا بالمياه، دعماً لمزارعي المحافظة، حيث جرى فتح بوابة تصريف المياه في #سد_كودنة لتصل إلى سد “بلدة تسيل” بمعدل 1 متر مكعب في الثانية وبكمية تقدر بنحو ثمانية ملايين متر مكعب، واستجرار 8 ملايين متر مكعب من سدي “كودنا والمنطرة” إلى منطقة عابدين.

وقالت مديرية الموارد المائية حينها، إن كمية المياه التي سيتم تصريفها «لن تؤثر على منسوب هذه السدود بسبب وفرة المياه».

ومع بدء وصول المياه إلى درعا، رصد المزارع “رزق غضيني” في #بلدة_الرفيد جفاف أكثر من ١٦ بئر في قرى وبلدات ريفي القنيطرة الأوسط والجنوبي، كما جفّت عدة ينابيع في قرى (نبع الصخر، العشة، الرفيد، غدير البستان، صيدا، وقرقس)، حسب ما أفاد لـ (الحل نت).

“غضيني” الذي يملك ثلاثة آبار، أكّد أن مستوى المياه في بئرين اثنين «انخفض بشكل مفاجئ، بينما جفّ الأخير بشكلٍ نهائي، بسبب فتح المياه باتجاه محافظة درعا، والأمر بات يهدد مياه الشرب للسكان ويهدد مستقبل الزراعة».

لكن الأهالي في جنوبي سوريا يرددون سؤالاً، هل سيتابع رئيس الحكومة الجديد ما تركه في منصبه السابق، لا سيما وأن خطر الجفاف يحتاج إجراءات حكومية مدروسة ومتابعة حقيقية وجادة؟ خاصةً وأن “حسين عرنوس” الوزير السابق للموارد المائية ورئيس الحكومة الجديد، أشار سابقاً إلى وجود حوار مع الفعاليات الشعبية لزيادة وعيها بمخاطر الآبار المخالفة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.