تباينت المواقف السياسية تجاه خطوة رئيس الوزراء العراقي مصطفى #الكاظمي بتشكيل “اللجنة العليا المختصة بالتحقيق في قضايا الفساد والجرائم الاستثنائية في العراق”. لجنة مكافحة الفساد هذه، وإن عدها كثيرون في الشارع العراقي ضرورة ملحة تستدعيها ظروف البلاد الحالية، إلا أن بعض القوى السياسية حذّرت من إمكانية تسييس عملها، وحرف مسارها نحو ما يصفونه «خدمة مصالح قوى سياسية على حساب أخرى».

 

حرب خطيرة بأدوات مرعبة

على الرغم من وجود هيئة متخصصة لمتابعة الفساد، أُسست وفقا للدستور العراقي النافذ في العام 2005،  إلا أن “الكاظمي” سعى لتشكيل لجنة خاصة لمتابعة ملفات الفساد الكبرى وتعقبها والتحقيق فيها، ترتبط بشكل مباشر بمكتب رئيس الوزراء العراقي، وتضم ممثلين عن جهازي المخابرات والأمن الوطني وهيئة النزاهة، فيما يتولى جهاز مكافحة الإرهاب تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عنها، في سابقة هي الأولى من نوعها.

«وصول مستوى الفساد في الدولة العراقية إلى مستويات مخيفة ومهدد لكيان الدولة، سبب كافٍ لتشكيل هذه اللجنة»، وفقاً للنائب “أحمد الجبوري”، عضو “لجنة النزاهة” في #البرلمان_العراقي، الذي يدعو #الحكومة_العراقية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات «لإيقاف التداعي الخطير للفساد ونزيف هدر الأموال»، حسب تعبيره.

وحول الحاجة لإشراك جهازي المخابرات ومكافحة الارهاب في عمل اللجنة يقول “الجبوري”، في حديثه لموقع «الحل نت»: «لا يمكن متابعة الجرائم الكبرى مالم تتوفر أدوات كبيرة ومخيفة ومؤثرة»، مضيفاً أن «جرائم تهريب النفط وسرقة المصانع والتلاعب في مزاد العملة كلها جرائم كبيرة ولابد من مكافحتها بصرامة».

النائب البرلماني، الذي يبدي عتباً على من يصفهم بـ«أخوة يوسف» لمحاولتهم «إفشال التجربة»، يقول إنه «من غير المعقول اللجوء للخيارات التقليدية في الحرب على الفساد، الذي يستهدف جميع مؤسسات الدولة».

إلى ذلك يؤكد “عبد الخالق العزاوي”، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، «جدية الحكومة في محاربة الفساد»، كاشفاً لموقع «الحل نت» أن «اللجنة المختصة تتلقى دعما سياسياً وبرلمانياً بهدف إكمال مهمتها»، مضيفاً أن «مكافحة الفساد تعد جزءاً مهماً من برنامج رئيس الحكومة العراقية، ولا يمكنه التنازل عن هذا الحق الدستوري».

وقبيل الإعلان عن تشكيل اللجنة أُعلن عن اجراءات اعتقال ومنع من السفر، طالت عدداً من المسؤولين المتورطين في ملفات الفساد المالي، منهم رئيس صندوق التقاعد الوطني، ومدير المصرف الزراعي، ورئيس هيئة استثمار #بغداد، ومدير مياه بغداد، فضلاً عن توقيف رئيس شركة الدفع الالكتروني “كي كارد”.

 

مخاوف من تصفيات سياسية

خطوة “الكاظمي” في محاربة الفساد بدت لبعض الفرقاء السياسيين إِجراءً انتقائياً، كونها شملت مسؤولين من الدرجات الدنيا، وأغفلت من باتوا يُعرفون في العراق بـ”حيتان الفساد”.

ووفقاً لـ”غضنفر البطيخ”، عضو “تحالف الفتح”، فإن «عمل لجنة الفساد يجب أن لا يرتكز على تصفية الخصوم السياسيين، والتلاعب بمصير البلاد».

“البطيخ”، الذي بدا متحفظاً على عمل اللجنة المكلّفة بمكافحة الفساد، يشدد، في حديثه لموقع «الحل نت»، على ضرورة أن يكون تعامل اللجنة مع ملفات الفساد «على مسافة واحدة من الجميع، ولا يقتصر على صغار الفاسدين». مبدياً خشيته مما يسميه «الأفلام الاستعراضية في إدارة الدولة».

رأي “البطيخ” هذا قد يؤكد ما يطرحه “حسن فدعم”، عضو اللجنة القانونية في البرلمان العراقي، الذي يتهم «بعض الجهات السياسية بعرقلة عمل اللجنة خوفاً من إجراءاتها».

ويكشف النائب البرلماني عن أن عمل لجنة مكافحة الفساد «يسير في اتجاه اعتقال المتهمين الصغار وصولاً إلى رؤوس الفساد الكبيرة، واسترداد الأموال التي نهبوها، وهذا يثير مخاوف البعض».

وحسب المتابعين للشأن السياسي المحلي فإن اجراءات حكومة “الكاظمي” في ملاحقة الفاسدين تلقى تأييد المرجع الديني الشيعي الأعلى “علي السيستاني”، الذي دعا، على هامش استقباله الأسبوع الماضي “جينين بلاسخارت”، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، إلى «تطبيق العدالة الاجتماعية، وملاحقة المجرمين، بمن فيهم قتلة المتظاهرين، ومكافحة الفساد، وتعزيز أداء القوات الأمنية، وفرض هيبة الدولة، وحصر السلاح بيدها».

 

دعم سياسي مُعطّل

بحسب لجنة النزاهة البرلمانية فإن «نحو أربعة عشر ألف ملف فساد لا يزال معطلاً في هيئة النزاهة الحكومية، بسبب التدخلات السياسية».

وحول الأسباب التي تقف وراء فشل بعض المؤسسات الحكومية في محاربة الفساد، يؤكد القاضي “رحيم العكيلي”، رئيس هيئة النزاهة الأسبق، أن «النفوذ السياسي هو الذي وقف حائلاً دون مكافحة الفساد»، داعياً، في حديثه لموقع «الحل نت»، الى أن «تحظى اللجنة الحالية بالدعم السياسي والشعبي، لكي تمضي في تحقيق برنامجها».

“العكيلي” يعتقد أن «حرب مكافحة الفساد يجب أن تبدأ بشكل جدي، بغض النظر عمن تبدأ به، صغيراً كان أو كبيراً»، معتبراً أن «الشعب يتطلع لإرادة حقيقية في مكافحة الفساد، وسيقف مع أي حكومة تحقق هذا الطموح».

وتابع: «الشارع العراقي بدأ يلقي بثقله نحو تحسين الأداء الحكومي منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية، وهذه معادلة جديدة في المشهد السائد».

وطيلة الأعوام الماضية فشلت الحكومات العراقية المتعاقبة في كبح الفساد وعمليات هدر المال العام، رغم تشكيلها عدة لجان حكومية وبرلمانية للحد منها، كان آخرها تشكيل حكومة “عادل عبد المهدي” السابقة “المجلس الأعلى لمكافحة الفساد”، الذي عقد عدة اجتماعات، لكن دون التوصل لأية نتائج. فيما تقّدر الجهات الرقابية كمية الأموال التي فقدها العراق، جراء عمليات الفساد، بأكثر من أربعمئة وخمسين مليار دولار، من أصل تسعمئة مليار دولار، حصل عليها العراق من عمليات بيع النفط خلال السنوات الماضية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.