آباء مظلومون أم توطيد للذكورية؟: حضانة الأطفال تطلق صراعاً بين الناشطات النسويات وأحزاب السلطة في العراق

آباء مظلومون أم توطيد للذكورية؟: حضانة الأطفال تطلق صراعاً بين الناشطات النسويات وأحزاب السلطة في العراق

ترتفع أصوات الآباء المطلقين في العراق مطالبين بتعديل المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية، والحصول على حق حضانة أطفالهم بعد بلوغهم سن سبع سنوات، وليس عشرَ سنوات قابلة للتمديد إلى خمس عشرة سنة، كما هو معمول به حالياً.

في مقابل ذلك انتابت حالة من الهلع الأمهات المطلقات، واستنجدن ببرلمانيات وناشطات ومنظمات مدنية، من أجل التصدي لهذه المطالبة، ولاسيما بعد ورود أنباء عن جمع تواقيع مئة نائب، لتقديم مقترح بتعديل القانون إلى #مجلس_النواب_العراقي، تمهيداً لإقراره والمصادقة عليه.

وتنصّ المادة (57) من قانون الاحوال الشخصية النافذ، رقم 188 لسنة 1959، أن «الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة، ما لم يتضرر المحضون من ذلك. وأن تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الام المطلّقة بزواجها، وللأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه حتى يتم العاشرة من العمر، وللمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة الصغير حتى إكماله الخامسة عشرة، وعندها يكون له حق الاختيار في الاقامة مع من يشاء من أبويه أو أحد أقاربه، لحين إكماله الثامنة عشر من العمر».

فيما يذهب مقترح التعديل إلى فقدان المطلقة حق حضانتها بمجرد زواجها، أو بلوغ الطفل سبعة سنوات، أو فقدانها للأهلية العقلية.

 

شكاوى الآباء والأمهات

منذ أن تناهت إلى أسماعها الأخبار بشان مقترح تعديل القانون تطرق “رواء حكمت”، البالغة من العمر ستة وثلاثين عاماً، أبواب الناشطات النسويات ببغداد، في محاولة لإيجاد من يطمئنها أن حضانتها لطفليها لن تنتزع منها.

“رواء”، تسكن مع والدتها بحي “العامل” في #بغداد. وهي مطلقة منذ ثلاث سنوات. وتقول لموقع «الحل نت» بنبرة يلفها الحزن: «لا أتصور حياتي دون ولدّي. ومستعدة لفعل أي شيء لإبقائهما قربي. لم ولن أفكر بالزواج مجدداً، وسبق لي أن تنازلت لطليقي عن كل حقوقي المادية، فقط لكي يتركهما لي ولا يفصلهما عني».

بينما يصر “خالد عبد النبي”، البالغ من العمر اثنين وأربعين عاماً، وهو أبٌ مطلق من بغداد أيضاَ، على أن «حقوق الآباء المطلّقين في العراق مغبونة، والقانون ينحاز كثيراً للمرأة المطلّقة»، حسب تعبيره. ودعا #البرلمان_العراقي إلى «تعديل كفتي الميزان، وإنصاف الأب بالسماح له باحتضان أبنائه في سن مبكرة».

لـ”خالد” ثلاثة أطفال، أكبرهم في الحادية عشر من العمر، حكمت محكمة الاحوال الشخصية، قبل أشهر، بتمديد حضانة والدته له، لحين بلوغه الخامسة عشر. وهو ما يعده الأب مجحفاً بحقه: «إنهم يسمحون لي بمشاهدة اولادي مرتين في الشهر فقط، وفي مكان لا يصلح أبداً لاجتماع الأب بأولاده»، يقول “خالد”.

ويضيف بغضب، في حديثه لموقع «الحل نت»: «أي عدالة هذه! الآب لا يستطيع احتضان ابنهِ حتى يبلغ الخامسة عشر من العمر. وطبعا سيختار الابن بعدها البقاء مع أمه، بعد أن عاش معها كل تلك السنوات. ساعات المشاهدة قليلة، ولا تكفي ليتعارف فيها الأبناء والآباء كما يجب. وبالنسبة لقضيتي، فطليقتي لا تسمح لأطفالي بالتواصل معي عبر الهاتف، وليس أمامي سوى ساعتين اقابلهم فيها في المحكمة، وفي بعض الأحيان تتخلف عن جلبهم بحجج واهية».

 

مصلحة الطفل هي الفضلى

“د. بشرى العبيدي”، وهي محامية وأكاديمية متخصصة بالقانون، تؤكد أن «المادة (57) تُعنى بمصلحة الطفل الفضلى، حتى وإن اقتضت الحالة تولي طرف ثالث حضانته. فالمهم بنظر القانون رعاية الطفل وتنشئته بنحو جيد، ولا محل هنا للعاطفة أو لمصلحة الأم أو الأب».

وأشارت، في حديثها لموقع «الحل نت»، إلى أن «هذه المادة لم تمنح الحق المُطلق للأم، بل وضعت شروطاً ينبغي توافرها فيها لكي تصبح حاضنة، مثل الصحة العقلية، وتعهد قانوني يتقدم به الزوج الجديد، يتضمن رعاية أطفالها وتحمّل مسؤوليتهم. وبخلاف هذا يسقط عنها حق الحضانة، وتذهب إلى طرف آخر، لا يشترط أن يكون الأب»، حسبما ذكرت.

وتميل “د. العبيدي”، وهي من الناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، إلى أن «الحضانة يجب أن تكون للأم إذا كانت قادرة عليها، مع احتفاظ الأب بحق متابعة شؤون طفله ورعايته».

وقالت إن «المطالبين بتعديل هذا القانون يتذرّعون بقلة ساعات المشاهدة،  وعدم مناسبة مكانها.  وقد تم معالجة ذلك مؤخراً بالاتفاق مع مجلس القضاء الأعلى، الذي أصدر تعليماتٍ إلى محاكم الاستئناف في عموم البلاد بزيادة ساعات المشاهدة وأعدادها شهرياً، وأن يسمح للأب بمصاحبة طفلهِ إلى أي مكان يريده».

 

مطالبة بالرجوع إلى التشريع بصيغته الأولى

الآباء المطلقون في العراق ليسو مسرورين كثيراً بالتعليمات القضائية الجديدة، وينتظرون  البرلمان العراقي لإجراء التعديل على عمر الحضانة، وليس ساعات المشاهدة، التي يعدونها أقل بكثير من حقوقهم. وهذا ما دفعهم للخروج في تظاهرة في العاصمة بغداد، منتصف شهر أيلول/سبتمبر.

ويلخص “محمد بشار”، المحامي المختص بالأحوال الشخصية، مطالب هؤلاء الآباء، بـ«إعادة العمل بمادة القانون، التي شُرعت في عام 1959، بأن لا تزيد حضانة الأم للطفل عن سبع سنوات، وأن تسقط عنها في حال زواجها».

وقال في حديثه لموقع «الحل نت»: «في عام 1978 تم إجراء أول تعديل على القانون برفع سنوات الحضانة إلى عشر. ثم تمّ إجراء تعديل آخر في عام 1987 بعدم إسقاط الحضانة عن الأم المطلقة في حال زواجها. لخفض أعداد المطلقات في العراق وقتها، والذي كان قد ارتفع إلى أرقام قياسية، فقد كن يرفضن الزواج مرة أخرى، خوفاً من فقدان الحضانة. المطلوب الآن هو العود إلى التشريع بصيغته الأولى لا غير».

وتناغماً مع هذا الرأي، يتجه نوابٌ إلى محاولة إجراء تعديلات جذرية على القانون ذاته، منهم “سعد الخزعلي”، النائب عن “تحالف الفتح”، الذي يعتقد أن «تعديل المادة (57) من قانون الاحوال الشخصية سيتم خلال الفصل التشريعي الحالي». لافتاً إلى أن «هنالك سبعمئة وخمسين ألف أب عراقي متضرر من المادة بصيغتها الحالية»، وهو ما ترفضه بالتأكيد القوى المدنية والناشطات النسويات، اللواتي يرين في هذه المحاولات محاولة لـ«توطيد السلطة الذكورية في المجتمع العراقي».

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.