بين “عقد الراية” و”طرش الدم”: انحلال المحاكم الحكومية يعيد أهالي السويداء للقضاء العشائري

بين “عقد الراية” و”طرش الدم”: انحلال المحاكم الحكومية يعيد أهالي السويداء للقضاء العشائري

يرى كثير من الناشطين الحقوقيين أن المؤسسة القضائية السورية تعرّضت لانتكاسات متوالية منذ سبعينات القرن الماضي، بعد سيطرة #حزب_البعث على السلطة، فباتت مرتهنة للأجهزة الأمنية، التي ربطت تنفيذ أحكام القضاء المدني بالموافقات الامنية، فيما توقفت أحكام القضاء الجزائي بسبب عجز الشرطة عن القبض على المطلوبين. هذا الواقع دفع عديداً من المواطنين في #السويداء نحو القضاء العشائري في المحافظة، الذي يرتبط بالهيئة الدينية الدرزية والوجهاء المحليين.

يقول الناشط المدني “حسن الحامد” لموقع «الحل نت» أن «كثيراً من العوامل ساهمت بتراجع الثقة بنزاهة القضاء السوري، يضاف إليها كثرة أعداد المطلوبين لأجهزة #الحكومة_السورية الأمنية، أو للخدمة العسكرية، ممَّن لا يستطيعون دخول المحكمة الرسمية خوفاً من الاعتقال، وهو ما ساهم بعودة ظهور القضاء العشائري، الذي يعتمد على الأعراف والتقاليد».

 

“قعدة حق”

مكتب “حل النزاعات”، العائد لدار طائفة الموحدين الدروز، من الأمثلة البارزة على عودة القضاء العشائري، تأسس منتصف عام 2018، وتخصص في حل الخلافات الشخصية والعائلية، من مشاجرات وسرقات، عن طريق جمع الخصوم ضمن ما يُسمّى “قعدة حق”، وهي نوع من المجالس العرفية التي تسعى لاستيفاء الحقوق، سواء كانت مادية او معنوية، بالتراضي.

يقول رئيس المكتب “حسن صعب” أن «اللجنة القضائية لمكتب “حل النزاعات” مؤلفة من عشرة أعضاء، منهم حقوقيون وشخصيات اجتماعية معروفة، تطوعوا للعمل مجاناً، ونجحوا بحل عدد من أعقد القضايا، دون اللجوء لمحاكمات طويلة. يبتّ المكتب كل يوم بخمس إلى ثماني قضايا، بعد الاستماع بحيادية لشكاوى كل الأطراف، واتباع أكثر الطرق سرية وتكتماً، كي لا يعرف بما يدور في المكتب إلا من لجأ إليه طلباً للمساعدة».

ويضيف “صعب”، في حديثه لموقع «الحل نت»: «من القضايا المُعالجة ما يتعلق بالزواج والطلاق والإرث والملكيات والنزاعات المالية، باستثناء قضايا الربى أو ما يمسّ الأعراض، ووفق أحكام الشرع في الطائفة». مؤكداً أن «أعضاء اللجنة التحكيمية يتابعون كل الإشكالات ما بعد الحكم، لتنتهي القضية بشكل مريح ومرضي ودون أي نزاعات مستقبلية»، حسب تعبيره.

ويبين أن «الفرق بين عمل اللجنة والمحكمة التابعة للقضاء الرسمي أنّ المتخاصمين يخرجون متراضين، ففي الحكم العشائري لا يتم توقيع وثيقة الاتفاق إلا برضا الطرفين، وليس لدينا أوقات طويلة للمناقشة، وقد نتمكن خلال أيام قليلة من التوصل إلى حلول لقضايا شائكة مثل مشاكل الدم والأموال». مؤكداً بذات الوقت أن «اللجنة لا تحلّ محل المحكمة، لكنها بطريقة أو بأخرى تحاول حل كثير من الخلافات قبل الوصول للمحكمة، والتخفيف من حدة التوتر بين الأطراف المتنازعة».

 

“طرش الدم”

أما الشكل الآخر للقضاء العشائري فهو ما كان ما يطلق عليه “عقد الراية”، وهي لجان مؤقتة يتم تشكيلها بالتوافق بين طرفي النزاع، وتضم وجهاءً ومشايخ، وتُحلّ تلك اللجان بعد انقضاء مهمتها بعقد الصلح بين المتخاصمين، وتنحصر وظيفتها بقضايا القتل العمد وغير العمد.

وظهرت في السويداء، منتصف عام 2017، لجنة عشائرية مفوضة بإصدار أحكام خاصة بالإعدام، انبثقت عما يسمى وثيقة “طرش الدم”، التي وقع عليها عدد من وجهاء وزعماء العائلات في المحافظة، لكنها، بحسب ما يؤكد المحامي “مهند بركة” لموقع «الحل نت»، «لم تستطع مباشرة عملها، لأن لم تحظ بتوافق جميع العائلات الكبرى، فضلاً عن أن تراجع الدور العشائري في حياة الطائفة الدرزية أفقد المبادرة محتواها، فظهرت حالات متعددة من الانتقام الدموي العنيف خارج إطار وثيقة “طرش الدم”، دون أن يتم محاسبة المتورطين بها، حتى من قبل أجهزة القضاء الرسمي. فقد قام أحد قادة المجموعات الأمنية في مدينة السويداء بقتل ثلاثة أشخاص، ورمي جثثهم في “دوار المشنقة”، بعدما اتهمهم بخطف ابنته، دون اللجوء إلى القضاء العشائري. علماً أن “طرش الدم” هي وثيقة عشائرية لمحاسبة المتورطين بعمليات الخطف والقتل والاعتداء على الأعراض والممتلكات، ولمنع حالات الثأر من قبل ذوي المحكومين بالإعدام، وكان يجب أن توقع عليها كل عائلات السويداء».

 

“القضاء العشائري شريك في الجريمة”

من جهته يقول القاضي “زياد الصغير”: «الوساطة الاجتماعية، والتدخل من أجل الصلح بين الناس، وسيلة قديمة ومستمرة لحل المشاكل، وكلنا لجأنا ونلجأ إليها لمعالجة الأمور العرضية والقضايا البسيطة، أو الناجمة عن حوادث تصنّف في خانة الخطأ والقضاء والقدر. ولكن أن تصبح طريقة وأداة للتغطية على جرائم خطيرة، ذات صفة جنائية، وتؤدي لإفلات المجرمين من العقاب وتماديهم في الخطأ، فهنا تعتبر الواسطة برأيي شريكاً في الجريمة ومشجّعاً عليها، وداعماً لمرتكبها، ووسيلة لتخريب المجتمع بقصد أو نتيجة جهل بالعواقب»، حسب تعبيره.

مؤكداً، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «الوساطة تهدف لتهدئة النفوس، وتقديم الاعتذار لأهل المجني عليه، بشرط ألا يؤدي ذلك لإفلات المجرمين من العقاب والمحاسبة».

“عاصم الحلح”، من سكان السويداء، يرى أن «الحلول العشائرية من أكبر سلبيات المجتمع المحلي، فهي غالباً ما تنجّي الجناة من العقوبة، وتعطيهم دافعاً لتكرار فعلتهم. ووراء أغلب أحكام القضاء العشائري منفعة مادية كبيرة للذين يتدخلون عشائرياً». مؤكداً أنه «لا بديل عن القانون مهما كانت النتائج، لأنه الركن الأهم في دولة المواطنة الحقيقية».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.