عُقدةُ التّفوّق السُّنّي وقتالُ المُعارضة في آذربيجان وأرمينيا

عُقدةُ التّفوّق السُّنّي وقتالُ المُعارضة في آذربيجان وأرمينيا

يمكن للمتابع أن يفهم تحمّس الأتراك مع أولاد عمومتهم من الأذريين المنضوين تحت مظلة الجامعة التركمانية أو مجلس الدول التركمانية للقتال في آذربيجان، كما يمكن فهم ارتباط أرمن الشتات في سوريا، لبنان، ودول العالم بما يجري في الإقليم المتنازع عليه، لكن أن يتحمّس سوريون سُنّة للقتال في خندقٍ واحد مع بلدٍ يحكمه ديكتاتور ورث السلطة عن أبيه الديكتاتور الحاكم منذ سنة ١٩٩3، ويُدين غالب أبنائه بالشيعية، وينتهج سياسة علمانية ديكتاتورية لا توفّر المتدينين من سنة أذربيجان، فهو أمرٌ يصعب إدراكه على غير المتابعين.

المتابع للصراع السوري عن قُرب، يُدرك كيف تطوّرت كتائب المعارضة من جماعاتٍ مقاتلة أُسِّست للدفاع عن النفس ضد نظام الأسد، إلى كتائبٍ فئوية ترى البغدادي والجولاني، فاتحين، واليوم ترى من أردوغان زعيماً يعمل على استعادة عصر الميزات والتسيّد الذي كان يتمتع به السنة في المنطقة، هذا يشرح أسباب الطاعة العمياء التي تجعل من سوريين هجروا من أراضيهم بيادق لتحقيق أجندات أردوغان سواء في المناطق الكردية السورية، ليبيا، أذربيجان، وربما اليمن عن قريب.

هذا الصراع والحساسيات التركية اليونانية، وقبلها تحويل (هايا صوفيا) لمسجد، وتتريك المناطق الكردية في سوريا، ووقوف المعارضة السنية مع أردوغان وتبريرهم أفعاله وأفعال الجماعات المقاتلة على الأرض، هو نقطة اختبار مهمة تجعل من جموع الأقليات في سوريا، بما فيها تلك التي تعرضت لاضطهاد ممنهج في عصر البعث كالكرد، أقرب إلى نظامٍ يقمعهم سياسياً كنظام الأسد، من نظامٍ يسعى لإحياء ماضٍ مليء بالاضطهاد والإبادة والذمية.

يوجد مصطلحٌ لاتيني اسمه White Privilege  يستخدم للحديث عن الميزات التي يتمتع بها البيض في أميركا مقابل الجماعات الأخرى وخاصة الأميركيين من أصولٍ أفريقيّة.

ويحاجج الكثير من مستخدمي هذا المصطلح وغالبهم من البيض، وبالرغم من إلغاء القوانين العنصرية في أميركا ووصول رئيس أسود إلى البيت الأبيض، فإن هذه الميزات لاتزال موجودة ولا ضرورة لأن تكون مكتوبة أو مقوننة، فمجرد الانتماء للعرق الفاتح والمُتسيّد تاريخياً، سيفتح لك فُرصاً لا تملكها الأعراق الأخرى.

لذا تجد أن المدافعين عن الثقافة البيضاء في الدول الغربية، غالباً ما يتم وصفهم بالعنصريين والنازيين، على عكس المدافعين عن حقوق الأقليات التي كانت مضطهدة.

سوريا، صحيح أنه ومنذ انقلاب البعث انتقل الحكم في الدولة الأمنية إلى أقليات مسلمة، لكن هذا لا يلغي المميزات التي يحظى بها السنة العرب، أو الناطقين بالعربية ومحاولات هذه الأقليات الحاكمة التقرب من السنة أو تسنين نفسها ظاهرياً، فالجماعة المنتصرة والغالبة منذ السيطرة على بلاد الشام في العصر الراشدي، كانت دائماً جماعات سُنّيّة مارست الاضطهاد ضد الأقليات المسلمة وغير المسلمة ولا يمكن إلغاء هذا التراكم التاريخي خاصة أن الجماعات السنية المتمردة على نظام دولة “سوريا الأسد” تعمل وبشكلٍ علني ومنتظم لإحياء الماضي الامتيازي لأبناء هذه الجماعة.

لا يمكن أن تتشكّل هوية سورية جامعة، طالما أن المحتكرين  لتمثيل الطائفة الغالبة يتصرفون ويفكرون بطريقة الجماعات الأقلوية المغلوبة التي تعرضت عبر التاريخ لمجازر عديدة ومديدة باسم الجماعة الغالبة.

فالشعور بعدم الأمان الذي تحمله الأقليات هو رد فعل طبيعي ومتوارث، أما السُنّة فلن تعود سوريا وطناً، دون أن يقوموا بلعب دورٍ يليق بعددهم وتاريخهم، فإن كانت الطائفة الغالبة تتصرف بطائفية، من البديهي عندها أن يتصرف أحفاد النجاة من المجازر بفئوية خاصة إن كنت تذكرهم دائماً باضطهاد أجدادك لهم وافتخارك بهذا الماضي.

حتى وفي فترة سيطرة آل الأسد على السلطة، كانت الدولة السورية ذات هوية تمثل الأغلبية السنية العربية.

رسمياً لا يحتفل بأية أعياد في سوريا كما يحتفل في العطل المقدسة للسنة من المولد النبوي، السنة الهجرية، عيدي الفطر والأضحى، فالتلفزيونات الرسمية، المدارس، مؤسسات الدولة كلها تستنفر في رمضان، حتى المسيحيون الذين تعطل الدولة ليوم واحد في كل عيد من أعيادهم؛ لا يُحظَون بذات الميزات، أما باقي الجماعات كالعلويين والدروز والإسماعيليين والكرد، فلا تلتزم الدولة بتجاهل هذه الأعياد وحسب، بل تقمع الاحتفال العلني بها.

أما التاريخ، فكل السوريين يدرسون تاريخ الطائفة العربية السنية وأبطال التاريخ  الذي  ندرسه هم أبطال هذه الطائفة حتى وإن انتسبوا في بعض الحالات لجماعات غير عربية مثل صلاح الدين. هذا وحده كافٍ لأن نقول أن السنة في سوريا يتمتعون بامتيازات تماماً كما البيض في أميركا.

لا شك أن قتال سوريين سنة في آذربيجان، لن يحقق شيئاً لسوريا، أو حتى لآذربيجان نفسها، فكل ما سيقدمه هؤلاء هو وقوفهم كخط أمامي لحماية الضباط والجنود الأتراك الذين إن قتلوا في مغامرات أردوغان، سيتعرض الأخير لانتقادات كثيرة، أما السوريون  السنة الذين لا بواكي لهم، فهم حطبٌ يُحرَق بعد أن تم قطعه من الشجر السوري الميت.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.